عواصم – لم يحمل الأسبوع الماضي تطورات من الطراز الثقيل على مسارات الأزمة السورية، سوى التقدم الميداني الذي يحرزه الجيش السوري بمواجهة مسلحي المعارضة، فمنذ ضجيج قمة الدوحة العربية التي وصفها الرئيس السوري بأنها «مسرحية لا قيمة لها»، لم تسجل أي تطورات على مستوى الخارج. لكن ربما قد يكون هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة. فالمعارضة لا تزال تعول على «معركة دمشق الكبرى» رغم الضربات المؤلمة التي تتلقاها المجموعات المسلحة التابعة لجبهة «النصرة» و«الجيش الحر» في ريف العاصمة وغوطتيها الشرقية والغربية.
الأسد الذي ظهر الأسبوع الماضي في مقابلة مع صحفيين أتراك بدا مرتاحاً فانتقد سياسات الحكومة التركية بشدة واعتبر أن جامعة الدول العربية، التي أعطت مقعد سوريا في الجامعة للمعارضة، تحتاج هي نفسها إلى شرعية.
وأضاف «هي جامعة تمثّل الدول العربية لا الشعوب العربية… وبالتالي فهذه الجامعة لا تعطي شرعية ولا تسحبها». ورأى أنّ «الشرعية الحقيقية ليست من منظمات ولا من مسؤولين خارج بلدك ولا من دول أخرى… الشرعية هي التي يعطيك إياها الشعب»، مشيراً إلى أنّ «كل هذه المسرحيات ليس لها أي قيمة بالنسبة إلينا». وفي رده على سؤال عن تصريح وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو بأنّه يفضل الاستقالة على مصافحته، قال الأسد إنّ «هذا الكلام ليس محل اهتمام ولا يردّ عليه أصلاً. فإذا لم يكن هناك من رباه تربية صحيحة في منزله فأنا في منزلي تربيت تربية صالحة. وإن لم يكن قد تعلم شيئاً من أخلاق الشعب التركي التي رأيتها خلال زياراتي إلى تركيا، فأنا في سوريا تعلمت الكثير من أخلاق الشعب السوري».
وأشار الرئيس السوري في مقتطفات من مقابلة مع قناة «اولوسال» التركية إلى أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان لم يقل كلمة صدق واحدة منذ بداية الأزمة في سوريا، مضيفاً «لا شك في أن موقف رجال الدين، ومنهم الدكتور (العلامة محمد سعيد رمضان) البوطي، كان أساسياً في إفشال المخطط الذي يهدف لخلق فتنة طائفية، ولذلك اغتالوا الدكتور البوطي، ومنذ يومين اغتالوا رجل دين في حلب، واغتالوا عدداً من رجال الدين سابقاً».
في موازاة ذلك، استبعد الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، حلّ الأزمة السورية «قريباً»؛ لأنّ الكل في سوريا من نظام ومعارضة «يبحث عن مصالحه»، و«الأمور الشخصية دخلت في الموضوع»، على حدّ تعبيره. وأضاف أنه لا يعرف شيئاً عن العلاقة بين المعارضة في خارج وداخل سوريا، واصفاً العلاقة بينهما بـ«الحرب الباردة». وحول احتمال حدوث تدخل عسكري عربي في سوريا، استبعد هذا الأمر، قائلاً إنّ «الدول العربية لا تتحدث عن التدخل العسكري، ولا توجد لديها إمكانات عسكرية كبيرة، ولا أحد منها يرغب في أن يقتل جندياً واحداً لديه، وحالتهم المالية لا تسمح لهم بالتدخل، وهذا يجب أن ننساه».
وكانت جامعة الدول العربية قد أكدت انحيازها إلى جانب «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، معلنة، أنها ستدعم طلبه الحصول على مقعد سوريا لدى الأمم المتحدة، وذلك بعد أسبوع من تسليمها «الائتلاف» مقعد دمشق لدى الجامعة، وهو ما انتقدته الجزائر، معتبرة أن «أي قرار يصدر عن جزء من السوريين يكون متأثرا بضغوط خارجية، قد تكون حياته قصيرة جدا» ولكن الجهود العربية باءت بالفشل مع تأكيد مجلس الأمن الأسبوع الماضي أنه لا يزال يعترف بالمندوب السوري بشار الجعفري ممثلاً شرعياً لبلاده.
وقد أعلن مندوب رواندا ريتشارد يوجين جاسانا، الذي تترأس بلاده مجلس الأمن لشهر نيسان (أبريل) الحالي، أن الجعفري هو الممثل الشرعي لبلاده في الأمم المتحدة. وقال إن «اعتراف الجامعة العربية بائتلاف المعارضة السورية كممثل للشعب السوري يعود إلى الجامعة العربية، أما هنا فإن مجلس الأمن الدولي يقر بأن المندوب السوري الحالي هو الممثل الدائم لدمشق لدى الأمم المتحدة».
ميدانياً لم يهنأ السوريون بعيد الفصح، حيث تواصل نزيف الدم في مناطق كثيرة من البلاد، اثر اشتداد المعارك بين القوات السورية والمسلحين من درعا مرورا بريف دمشق وصولا إلى حلب، بالإضافة إلى دير الزور حيث اتهمت السلطات السورية المسلحين بإضرام النار في ثلاثة آبار نفطية.
وقد سجلت القوات السورية الأسبوع الماضي تقدما مهما في حلب، حيث تمكنت من اقتحام قرية مجاورة لمطار حلب الدولي يسيطر عليها المسلحون منذ أشهر.
وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، في بيانات: «تتواصل منذ يومين معارك عنيفة بين القوات السورية ومقاتلي المعارضة في قرية قرب مطار مدينة حلب التي تحاول قوات النظام السيطرة عليها بشكل كامل، وقد تسببت بمقتل 22 شخصا على الأقل». وأوضح ان «القوات السورية تمكنت من اقتحام قرية عزيزة المجاورة لمطار حلب الدولي التي يسيطر عليها المسلحون منذ أشهر».
وفيما تستمر المعارك داخل مدينة حلب، أعلن رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي ان «قواتنا المسلحة الباسلة استطاعت فتح معظم الطرق المؤدية إلى المدينة ومستمرة بملاحقة فلول المجموعات الإرهابية».
كما تتعرض مدينة دمشق التي يواصل الجيش السوري عملياته في ريفها، لسلسلة هجمات بقذائف الهاون أوقعت عشرات الضحايا.
في سياق آخر، ذكر الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشيفيتش، أنّ سوريا تتحوّل إلى «مركز جذب» للإرهابيين الدوليين. ووصف التحوّل الذي يحصل في سوريا بـ«الواقع المرعب». وأكد أنّ روسيا ستواصل الجهود من أجل إطلاق عملية الحل السياسي، كما أكد عدم مشاركة بلاده في أي حظر على سوريا، ومعارضتها أية عقوبات أحادية الجانب.
إلى ذلك، شنت وسائل إعلام سورية هجوما على الأردن، بعد تقارير إعلامية غربية حول وجود مراكز أميركية لتدريب المقاتلين على اراضيه. وحذرت عمان من انها تخاطر، عبر دعمها للمسلحين، من الوقوع في «فوهة بركان» الصراع. واتهمت صحيفة «الثورة» السورية في افتتاحيتها، التي بثتها الإذاعات، عمان بتبني سياسة «ملتبسة» عبر تدريبها للمسلحين وفي الوقت ذاته إعلانها التمسك «بالحل السياسي» للازمة السورية.
وفيما أعربت القاهرة وباريس عن قلقهما من تداعيات الأزمة السورية على لبنان والأردن، وأعلنتا تأييدهما للحل السياسي، أعلنت مصادر في الجيش الإسرائيلي أن قذيفة هاون سقطت على الجزء المحتل من الجولان، وذلك بعد ساعات من جولة قام بها وزير الدفاع موشي يعلون في المنطقة. كما تعرّضت دورية للاحتلال إلى إطلاق نار من أسلحة خفيفة مصدره الأراضي السورية، حيث كانت تندلع اشتباكات بين القوات السورية ومسلحين. وذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن «المدفعية الإسرائيلية استهدفت مصادر النيران»، مضيفة أنها «أصابت أهدافها مباشرة». ونقلت عن مصادر في الجيش الإسرائيلي قولها ان «الأسابيع الماضية شهدت عدداً من حوادث إطلاق النار من الأهداف نفسها من داخل الأراضي السورية».
أحد عناصر «الجيش الحر» في دير الزور. |
وقال يعلون، خلال جولة في الجولان المحتل، إن إسرائيل لن تتدخل في النزاع السوري إلا إذا تعرّض أمنها للتهديد، مؤكداً أن الدولة العبرية «سترد على أي إطلاق نار من الأراضي السورية وستقضي على مصادر النيران». وكرر أن اسرائيل قلقة من حصول «حزب الله» أو تنظيم «القاعدة» على أسلحة كيميائية سورية. وقال «لقد تحركنا سابقاً وسنقوم بهذا الأمر في المستقبل من أجل منع وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي جماعات غير مسؤولة».
Leave a Reply