لست أدري ماذا كسبت الأغلبية الحالية من الإطاحة بـ”سعد الطائر” من رئاسة الحكومة وتسمية نجيب ميقاتي بديلاً عنه، واسمةً هذا الإنجاز بأنه “ضربة معلم” لكن سبق لنا ووصفناها بضربة “من دون معلم”! ذلك وإن كان “سعد” يستحق أن يُقلع من رئاسة الحكومة وهي رتبة تبين أنها “مبهبطة” عليه بكل المقاييس، إلا أن بقاءه كان أفضل من الميقاتي بالنسبة للأكثرية الحالية التي تعبت وشقت وذاقت الأمرين من تسلط خمس سنين عجاف حكم فيها من عصف بالبناء وسفك معيشة الفقراء. لكن بفضل ميقاتي ودولاب اليانصيب اليومي البشري وليد جنبلاط وساكن “قصر بعبدا” المتفرج، تحولت هذه الأكثرية إلى نمر من ورق أو قط من خشب يصطاد ولا يأكل!
إنظروا معي (لا إلى البحر) إلى قضية الحياة والموت التي استأسد ميقاتي من أجلها وكاد أن يريق الدماء من حولها ووضع البلد على كف عفريت لإنجازها، أي تمويل المحكمة الإسرائيلية البيلمارية (بالمناسبة ذكرت “الأخبار” أن بيلمار لم ولن ينظر في الفرضية الإسرائيلية في التحقيق!). فمنذ تسلمه رئاسة الوزارة تبين أنه غير مهتم أبداً بتطهير الإدارة اللبنانية من جلاوزة الحكم السابق الذين هندسوا شهود الزور والفتنة الطائفية التي ما زالت تذر بقرنها حتى اليوم (أحمد الأسير، محرك الفتنة في صيدا، نموذجاً) ولا بالعدالة الحقيقية المتمثلة بكشف شهود الزور ومن وراءهم، وإنصاف الضباط الأربعة المظلومين (ذكرت “الأنباء” أن ميقاتي لا يرى أن ملف شهود الزور موجود أصلاً!). هم ميقاتي كان منصباً على تحقيق مكاسب إقطاعية له في زواريب السياسة السنية الداخلية على حساب الحريري على أساس أنه أيضاً لا ينقصه شيء كحوت من حيتان المال، على شاكلة حوت المطار الذي حول الطيران الوطني إلى “شركة الخطوط الجوية اللبنانية الحوتية”. على العكس، تمسك ميقاتي بوسام الحسن وسعيد ميرزا وعبد المنعم يوسف وأشرف ريفي (رغم وجود دعوى مسلكية ضده) وسهيل بوجي “الرابخ” منذ سنين طويلة بشكل غير قانوني في رئاسة الحكومة، على أساس أنه هو من إختار بعض هؤلاء الموظفين خلال رئاسته السابقة للحكومة. والنعم على هكذا إختيار!!
ثم بعد أن ورط ميقاتي لبنان بتعهده شخصياً تمويل المحكمة بعد أن ربت على كتفه المسؤولون الأميركيون والدوليون في نيويورك، هدد بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم يتحقق تعهده الميمون رغم معارضة فئة كبيرة ووازنة للتمويل الذي لم يكن ليؤثر على المحكمة المزورة. ولربما الحسنة الوحيدة في هذه المأساة كلها هي إفلاس صغار “١٤ آذار” الذين يسمون حكومة ميقاتي “حكومة حزب الله”، وهي أبعد ما تكون عن حكومة المقاومة بعد الإداء المخزي لرئيسها الطاعن بالظهر! إذاً أكثرية تملك ولا تحكم يتزعم رئاسة الحكومة فيها “من شبه لنا” النائي بنفسه عن القضايا المصيرية للبلد، ما نفعها للأغلبية وللمسائل الوطنية والحياتية؟ وبدل أن يهاجمها “١٤ عبيد زغار” بكل هذا العنف، عليهم أن يتمسكوا بها لأنها أنجزت ما عجز رئيسهم المغترب عن تحقيقه! فمعلمهم كان مستعداً للتخلي عن التمويل، وبالتالي المحكمة نفسها، ومحاكمة شهود الزور، مقابل إبقائه وموظفيه في الحكم الذي كان مشاركةً مع الأغلبية الحالية. فماذا حصل مع ميقاتي التابع للولي الفقيه والذي وصفه “المستقبليون” بعدو الله؟ بقي ملف شهود الزور من دون حل، وظل موظفو الحريري في مواقعهم محميين آمنين لا يعكر صفو مزاجهم أحد، وبقي سعيد ميرزا في موقعه الحساس المتعاون مع المحكمة.
وكما أصر ميقاتي على “إيفاء لبنان بإلتزاماته الدولية”، لماذا لايثور اليوم على الأمم المتحدة ويطالبها بالتزاماتها بردع إسرائيل بعد إكتشاف المقاومة لأضخم عملية تجسس وتنصت صهيونية بين صريفا وديركيفا في الجنوب اللبناني، وعلى مقربة من الكتيبة الفرنسية؟ ولماذا لا “يفقع” فؤاد السنيورة خطاباً عرمرمياً ضد إسرائيل كما خصص في السابق كلمة طويلة كرسها ضد إنفجار قارورة غاز في الضاحية الجنوبية؟ ولماذا لا تهاجم ميليشيات غلام السياسة، نديم الجميل، التسلل الإسرائيلي الغريب في منطقة صور بدل مهاجمة “الغرباء” الشيعة في الأشرفية المطهرة عرقياً منذ زمن أبيه، بطل الذبح على الهوية؟
ومن الآن وحتى “ينأى” ميقاتي بنفسه عن رئاسة الحكومة، نطمئن اللبنانيين بمناسبة الأعياد أنه سيكون “الآيل الطايل”، كما يقول المثل، بسبب ذكاء الأكثرية و”سيذبح بظفره”، كما فعل في جلسة الحكومة الأخيرة متربصاً بالجنرال عون فقط، إذ ما عليه إلا أن يهدد بالإستقالة فيحصل على كل ما يريد!
Leave a Reply