تظاهرات الـ “هُودي” تعم عدة مدن أميركية بينها ديترويت
أورلاندو، دييترويت – خاص “صدى الوطن”
اتخذت قضية مقتل المراهق الأميركي الأسود في فلوريدا، الأسبوع الماضي، بعداً وطنياً، حيث عم الغضب المجتمعات الإفريقية الأميركية في معظم مدن البلاد متهمين مرتكب الجريمة والسلطات الأمنية والقضائية المشرفة على التحقيقات حولها بالتمييز العنصري، في مشهد يجسد آلام وجراح أصحاب البشرة السوداء في بلاد “العم سام” والذي يساهم في تأجيجه الإعلام اليميني.
فمنذ حوالي الشهر، قتل المراهق ترايفون مارتين ذو السبعة عشر عاماً، وكان القاتل هو جورج زيمرمان (28 عاما)، أميركي “أبيض”، من أصل لاتيني، كان متطوعا للقيام بمراقبة الحي وكان يحمل سلاحا قانونيا.
شرطة سانفورد، المدينة التي وقعت الجريمة فيها، قالت إن التحقيقات الأولية لم تجد ما يكفي من الأدلة لاعتقال زيمرمان، الذي زعم أنه تصرف دفاعا عن النفس. وستقرر هيئة محلفين في 10 نيسان (أبريل) المقبل ما إذا كان سيتم توجيه اتهام بالقتل لزيمرمان الذي بقي طليقاً منذ أردى مارتين قتيلاً.
وفي تفاصيل الجريمة، أن مارتسن كان قد خرج لتوه من أحد المتاجر الصغيرة بولاية فلوريدا بعد أن اشترى لنفسه شاياً مثلجاً ولأخيه الأصغر بعض الحلويات وهو متوجه لزيارة جدته. لكن الفتى شعر بأن هناك من يتبعه، فأسرع الخطى وتصور أنه قد ابتعد، إلا أنه سرعان ما تأكد أن الرجل الذي لا يعرفه لا يزال يلاحقه، فالتفت إليه وسأله “لماذا تتبعني؟”، فسأله زيمرمان بصفاقة “وماذا تفعل أنت هنا؟”. وما هي إلا لحظات حتى كان المراهق ملقى على الأرض قتيلاً، بعد أن أطلق عليه الرجل الرصاص.
وقد قيل وقتها: إن القاتل هو أحد المتطوعين في لجان حماية الحي، وأنه قبل أن يطلق النار على الفتى كان قد اتصل بالشرطة وقال لهم “إن هناك شخصاً مثيراً للريبة، يبدو أنه مدمن أو يتعاطى الكحوليات، ويبدو في طريقه لارتكاب شيء ما”.
والقصة رغم فجاجتها، ليست ما فجر الغضب في أوساط الأميركيين السود، فما تلاها كان الأسوأ مع التعاطي الإعلامي التحريضي مع القضية. فقد أطلق سراح القاتل بعد تحقيق قصير، ادعى فيه الأخير أنه كان في حالة “دفاع عن النفس”، تسمح له وفق قوانين ولاية فلوريدا بأن يستخدم الرصاص الحي. ولم يتم توجيه أية اتهامات للرجل على الإطلاق.
وقد تلقت أسرة الفتى القتيل الصدمة في مقتله ثم صدمة الإفراج عن قاتله، لكنها أبت أن تستسلم وراحت تبحث بنفسها عن المزيد من المعلومات حتى لا يتم إغلاق ملف القضية، عندئذ تراكمت المفاجآت الواحدة تلو الأخرى طوال الأسابيع الثلاثة الماضية.
فقد تبين أن القاتل ليس مسجلاً في أية لجنة من اللجان التطوعية التي تساعد الشرطة، وأن الرجل مع ذلك دأب على ملاحقة الناس، وبالذات أصحاب البشرة السوداء. ثم اتضح أنه في المكالمة الهاتفية التي أجراها مع الشرطة بشأن الفتى الصغير، قيل له صراحة ألا يتبعه. بل إنه خالف القواعد التي تحكم عمل اللجان التطوعية، والتي تنص صراحة على ألا يستخدم المتطوعون السلاح.
ثم تبين أيضاً أن ذلك القاتل له صحيفة جنائية، ومع ذلك لم تقم أجهزة الأمن باتباع حتى الإجراءات القانونية الروتينية عند التحقيق معه، مثل إخضاعه لاختبار السموم وقت الحادث، الذي يكشف عما إذا كان مخموراً أو مخدراً. بل إن الشرطة قبلت حكاية “الدفاع عن النفس” تلك، رغم أنها مفضوحة تماماً. فكيف يمكن أن نطلق على من قام بإرادته بملاحقة شخص ثم قتله، أنه كان يدافع عن نفسه؟ كل تلك المعلومات أججت الغضب، فخرجت المسيرات في عدة مدن.
ووفق الإحصاءات الرسمية، فإن أصحاب البشرة السوداء هم الذين يتم توقيفهم بنسبة أعلى على الطرقات اشتباهاً فيهم. وهم الأكثر عرضة لانتهاك آدميتهم من جانب رجال الشرطة، والأكثر عرضة للتمييز في الوظائف والسكن، بل وفي الحصول على رعاية صحية مناسبة.
ووجود رئيس ذي بشرة سوداء في البيت الأبيض، لم يكن له أثر على الإطلاق على مظالم السود، بل لعله أدى لتعقيد الأمور. فمن ناحية، رغم أن الإعلام الأميركي راح، فور تولي أوباما الرئاسة، يروج لفكرة مؤداها أن الولايات المتحدة تخطت العنصرية بانتخابه، إلا أن العكس هو الصحيح. فقد أدى انتخاب الرجل إلى تأجيج مشاعر بعض البيض، الذين كان تولي أوباما بالنسبة لهم هو أحد تجليات التحول الديموغرافي الذي سيجعل منهم أقلية في غضون عقود قليلة.
لكن الأهم من ذلك هو موقف الرئيس أوباما نفسه من مثل تلك القضايا. فأوباما يحرص بشدة على تجنب الحديث في الأمور التي تخص السود وحدهم، لئلا يتهم بأنه “رئيس للسود وأنه يدعو للفرقة”. فطوال أسابيع كاملة لم ينطق أوباما بكلمة واحدة، واكتفى المتحدث الرسمي بالقول: “إنه لا يعلق على قضايا محلية”. وهو تعبير فج، لأنه يختزل الواقعة في موقع حدوثها، رغم أنها في جوهرها تتكرر في طول البلاد وعرضها.
لكن بسبب ضغط المظاهرات الغاضبة، اضطر أوباما للتعليق، فقال “إنه لو كان لي ولد لكان سيشبه تريفون”، وأضاف ان “علينا جميعاً أن نبحث في ذواتنا ونسأل أنفسنا كيف يمكن لشيء كهذا أن يحدث”، وتعهد بأن يتم التوصل إلى ما جرى في ذلك الحادث.
واتهم مراقبون أوباما بأن خطابه حمل بدوره طابعاً عنصرياً حيث يرفض فاعلون في اليمين المسيحي اعتبار مقتل مارتين عنصرياً، بل وصل الأمر بقناة “فوكس” الإخبارية بإلقاء اللوم على ملابس الضحية (الكنزة بقبعة-“هودي”) التي قال معلقون في القناة إنها مقترنة بالمجرمين ما يبرر عملية القتل دفاعاً عن النفس.
تظاهرات بالـ”هودي”
ونظمت المظاهرات احتجاجا على مقتل ترايفون مارتن (17 عاما) وهو أميركي من أصل أفريقي في 26 شباط (فبراير) في ضاحية سانفورد بمدينة أورلاندو في ولاية فلوريدا. وتظاهر آلاف الأميركيين خلال الأسبوع الماضي في مختلف أنحاء البلاد للاحتجاج على مقتل المراهق الأعزل. وارتدى المتظاهرون ملابس سوداء وكنزنات بقبعات (هودي) في تعبير عن رفضهم لتعرية الجريمة من أبعادها العنصرية، ورددوا هتافات “لا عدالة، لا سلام” في عدة مدن من بينها العاصمة واشنطن وشيكاغو وتامبا وناشفيل ونيويورك حيث طالبوا بتحقيق العدالة في القضية التي يشعر الكثيرون أنها توضح استمرار العنصرية في القانون والمجتمع الأميركيين.
وفي واشنطن، توجه ما يقرب من ألفي شخص إلى مكتب رئيس بلدية المدينة في مظاهرة نظمت سريعا على موقعي “فيسبوك” و”تويتر” للتواصل الاجتماعي. وقال المتظاهر بليس ديفيس وهو يقف تحت مطر خفيف خلال المظاهرة التي نظمت في واشنطن يوم السبت وقد حمل ابنه لوغان (3 أعوام) على كتفيه “حتى مع كل الصور الإيجابية التي قد تشاهدها مثل انتخاب أوباما رئيسا والكثير من الخطوات التي اتخذناها، لم نصل بعد (إلى العدالة) حتى الآن، يمكن أن يقتل أي شخص لأنه أسود في هذا البلد”.
تظاهرة في ديترويت
وفي مدينة ديترويت، تظاهر حوالي ألف شخص في ساحة “هارت بلازا” وسط المدينة يوم الاثنين الماضي، مرتدين الـ”هودي” وحملوا قناني وعبوات من الشاي المثلج، في إشارة إلى الأشياء التي كان ترايفون مارتن يحملها حين تعرض للقتل، وردد المتظاهرون هتافات “لا عدالة.. لا سلام”.
وقال الناشط آبيومي آزكيوي وسط المتظاهرين من “لجنة طوارئ ميشيغن من أجل العدالة ومناهضة الحرب”: “هذه الجريمة هي مثال للجرائم العنصرية التي يمكن أن نراها في أميركا. إنها مهزلة”. وأضاف: “لسوء الحظ، بينما يزداد التدهور الاقتصادي يرتفع التوتر العنصري”. وشدد على ضرورة توقيف الجناة لعلاج التوترات والشحن الذي ينخر المجتمعات، مع ضرورة التأكيد على أهمية التوعية والتثقيف لتحسين العلاقات بين المجموعات العرقية المتعددة”. كما تطرق آزكيوي إلى حادثة مقتل العراقية شيماء العوادي، المسلمة التي ترتدي حجابا والتي تعرضت للضرب حتى الموت في منزلها في مدينة إل كاجون في ولاية كاليفورنيا (تفاصيل صفحة ٨)، وقال: “من الواضح أنها جريمة كراهية، ويبدو أن حياة الناس الملونين تبدو أقل قيمة شيئا قشيئا، وبالدرجة الأولى يجب على الناس الملونين أن يتحدوا من أجل مكافحة العنصرية”.
كما تكلم في التظاهرة رئيس فرع “الجمعية الوطنية من أجل تقدم الملونين” في ديترويت القس ويندل أنتوني ورئيس شرطة ديترويت رالف غودبي، وسكرتيرة مقاطعة وين كاثي غرايت، ورئيس “الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية” المحامي نبيه عياد الذي قال: “إن التمييز ضد أي عرق أو دين هو تمييز ضد المجتمع كله”. كما هتف العديد من المتظاهرين بالقول: “أنا ترايفون مارتين” وعبروا عن مخاوفهم وقلقهم أن يكون أبناؤهم عرضة وضحية لحوادث كتلك التي تعرض لها الشاب الأسود.
من ناحيته، قال غودبي أن التصورات (حول الآخرين) هي الجزء الأكبر من المشكلة بما فيها تلك التي تنشرها وسائل الإعلام، وعبر عن أمله في رؤية قصص تتناول حياة الملونين بطابع إيجابي.
أما القس أنتوني فقد دعا إلى التضامن والتعاون لتحقيق العدالة، وقال: “إذا نظر الواحد إلى فلوريدا (مكان حدوث الجريمة) لا يمكنه ألا يشعر بالقلق حيال (مستقبل) العدالة.. إن الوضع في هذه الحالة كما لو أن “سيدة العدالة” (رمز العدالة في أميركا) عينيها مغمضتين”.
ورفض أنتوني فكرة أن الأفارقة الأميركيين في ديترويت وحدهم من يتظاهرون ضد مقتل مارتين، وقال: “إن أكثر من 300 منظمة محلية، تشارك في هذه التظاهرة،.. نحن جميعا نقف من أجل العدالة”.
Leave a Reply