إخبار بحق وسام الحسن يفتح باب المحاسبة
بيروت –
يختصر مشهد نواب الأقلية الجديدة؛ وهم يغادرون مجلس النواب قبيل لحظات من بدء التصويت على اعطاء الثقة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، المعادلة السياسية التي سترسم معالم المرحلة المقبلة.
أكثرية جديدة تحكم بدعم من أغلبية نيابية تمثل 68 نائبا، مع توقعات بحدوث انتقالات جديدة ما بين المعسكرين بعد أن بعث النواب ميشال المر وعماد الحوت وروبير غانم إشارات ايجابية لافتة، كلٌ على طريقته، باتجاه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
ومنذ اليوم الأول للجلسات الثقة، بدا واضحا ان هناك قرارا مسبقا لدى قوى “14 آذار” في بث مناخ عام من التوتر والتشويش على الحكومة الجديدة في أول استحقاق لها، غير ان ادارة الرئيس نبيه بري المتوازنة للجلسات وتدخله مرات عديدة لمنع احتدام النقاشات، التي تخطت مرات عديدة حدود الأخلاق السياسية، وضعت الحد اللازم لأي تطور سلبي كان من شأنه –لو حصل– أن ينعكس صدامات محتملة في الشارع.
ولئن جاءت كلمات الأقلية متوقعة لجهة التصويب باتجاه سلاح المقاومة والاستقواء بالمحكمة الدولية ومحاولة احراج الرئيس ميقاتي لقبوله التكليف، فإن أبرز ردود الأكثرية تولاها النائب عن حزب الله السيد نواف الموسوي الذي كشف “أننا في الحزب تعاوننا مع التحقيق الدولي ومع المحكمة الدولية لا سيما في عهد المدعي العام الدولي دانيال بلمار”، لافتا الى أن “لجنة التحقيق المكلفة من بلمار زارت مكاتبنا، وبيوتنا بل أكثر من ذلك إن في الضاحية الجنوبية مكتباً خاصاً بالتحقيق الدولي، ومن شاء أن يزور هذا المكتب، إبتداء من الغد، أنا حاضر لاصطحابه لزيارة هذا المكتب”.
واتهم الموسوي مدير فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي وسام الحسن بالتورط في تسريب أسماء المتهمين من حزب الله في قضية اغتيال الحريري مع سيرهم الذاتية الى وسيلة اعلامية، معتبرا موقفه بمثابة إخبار في عهدة القضاء اللبناني.
ومع انطلاق عجلة العمل الحكومي، لا تملك قوى الرابع عشر من آذار الكثير من الأوراق السياسية سوى الاستمرار في العزف على لحن المحكمة الدولية، خاصة وان الخطاب العلني الأخير للسيد حسن نصرالله، المخصص للرد على القرار الاتهامي، تحول بالحجج والبراهين والوثائق التي استعرضها الى مادة دسمة في مواقف الأقلية.
وفي حين لم ترقَ المواقف المعلقة على خطاب السيد الى مستوى ما قدمه، برز دخول مكتب الإرتباط التابع لهيئة الامم المتحدة لمراقبة الهدنة UNTSO بشخص رئيسه المقدم ريتشارد هاوسر على خط دعم قوى “14 آذار”، بإعلانه في بيان “ردا على بعض التقارير عن نقل أجهزة كومبيوتر خاصة بلجنة التحقيق الدولي المستقلة التابعة للامم المتحدة عبر الناقورة إلى إسرائيل”، أن “نقل المعدات، بما في ذلك 97 جهاز كمبيوتر، كان عملية عادية ضمن الأمم المتحدة تتعلق بتجهيزات كيان قيد التصفية (لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للامم المتحدة التي أوقفت عملياتها في لبنان اعتبارا من أول آذار (مارس) 2009، إلى بعثات أخرى تابعة للأمم المتحدة”.
وأشار هاوسر أن المعدات من ممتلكات الأمم المتحدة، وقد نقلت إلى هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة UNTSO، و”لا زالت في عهدتها من تاريخ نقلها إلى يومنا هذا، تمت إزالة وحدات تخزين البيانات “الأقراص الصلبة” من هذه المعدات وجرى إتلافها، وتم تزويد أجهزة الكمبيوتر بأقراص صلبة جديدة”، مشيرا الى إن “هذا إجراء خاص متبع عند نقل معدات من بعثة إلى أخرى، وجرت عملية النقل في شفافية كاملة ووفقا للاجراءات المتبعة منذ فترة طويلة”.
ميقاتي يتخطى الهجمة الأولى
لم تُفلح الحملة التي استهلها فريق الرابع عشر من آذار في النيل من ارادة الرئيس ميقاتي، الذي بدا حاسما في رده على كلمات النواب، مع محافظته على الهدوء الذي تميز به طوال أيام جلسات الثقة.
واشار ميقاتي خلال رده الى ان “بعض الكلمات حمّلتني افتراءات”، موضحا انه “اذا كانت الحكومة ترحب بالنقد البناء ولكن لا يمكنها ان تشاطر رأي من ذهب الى حد الايحاء بأن حكومتنا مسؤولة عن كل ما عانته الدولة منذ سنين، وقد تجاهل بعض هؤلاء انهم كانوا ممسكين بالسلطة على مدى اعوام”.
واعتبر ميقاتي ان “الحديث عن ظروف تشكيل الحكومة والتوصيفات قد جافى في بعض وقائعه الحقيقة”، مشددا على ان “الحكومة ولدت من الارادة اللبنانية، ولعلها من المرات الاولى التي تكون ولادة الحكومة لبنانية”، علما ان “غياب فريق عن الحكومة كان طوعيا”، متسائلا “هل المطلوب ان يبقى البلد دون حكومة”.
وشدد ميقاتي على ان “نيتنا ستكون ثابتة بمتابعة مسيرة المحكمة” الدولية، متوقفا عند اشارة العديد من النواب لـ”عبارة مبدئيا” التي وردت في فقرة المحكمة في البيان الوزاري، كاشفا ان هذه العبارة اقتبست من الصيغة المقدمة من حكومة سعد الحريري الى مجلس وزراء الخارجية العرب في 2 آذار 2011، و”اقول لرئيس كتلة “المستقبل” النائب فؤاد السنيورة ليس معي ممحاة واكتب بقلم حبر لا قلم رصاص”.
وكان قد سبق جلسات الثقة سجال عنيف بين ميقاتي وقوى “14 آذار”ر التي خاضت ضده حملة قاسية، ما اضطُر رئيس الحكومة الى اصدار بيان اعتبر فيه ان “المجتمعين (في البريستول) إستغلوا مرة اخرى جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، ليصبوا غضبهم وحقدهم على الحكومة لاهداف لم تعد خافية على أحد، لا سيما وانهم انكفأوا عن المشاركة في الحكومة رغم الدعوات التي وجهت اليهم للمشاركة فيها والاجتماعات التي عقدها بعض اركانهم مع ميقاتي في خلال مرحلة التكليف. وهم راهنوا على ان الحكومة لن تشكل، وأن البلد سيبقى في الفراغ الناتج عن تقاعس حكومة تصريف أعمال عن القيام بواجباتها”.
وتابع البيان “أما قمة التضليل فتكمن في الادعاء بأن الحكومة تتنكر لدماء الشهداء وكراماتهم وتدفع الدولة اللبنانية خارج الشرعية الدولية، علما ان رئيس الحكومة أكد مرارا إحترام القرارات الدولية، ومنها القراران 1701 و1757، والوفاء للشهداء، ومتابعة التعاون مع المحكمة الدولية، في وقت يعرف القاصي والداني من عمل في وقت من الاوقات على “تسوية”، حتى لا نقول اكثر، على حساب دم الشهداء وقضيتهم للتمسك بموقعهم في السلطة”.
وبعيدا عن السجال السياسي، من المنتظر أن تستعيد البلاد رويدا خلال الأيام القليلة المقبلة حركة الانتعاش والاستقرار، مع انصراف الوزراء الجدد الى أعمالهم ووجود قرار لدى الأكثرية الجديدة بعدم الانجرار الى مهاترات او صدام يكون في مصلحة تأزيم الأوضاع من جديد.
Leave a Reply