مؤتمر بروكسل: شروط غربية تعزز هواجس التوطين
إنه المؤتمر الدولي الذي انعقد في بروكسل، لدعم سوريا والمنطقة، والثالث لمساعدة لبنان خلال شهرين، وهذه المرة من بوابة قضية النازحين السوريين، والذين يقدر عددهم بنحو مليون ونصف مليون نسمة.
وانعقد المؤتمران السابقان، الأول في روما في آذار (مارس) الماضي، لدعم الجيش والقوى الأمنية، وحصل لبنان منه على مساعدات لتعزيز قدرات القوات النظامية المسلحة، والثاني في باريس تحت اسم «سيدر–1» أو «باريس–4»، لدعم الاقتصاد اللبناني، عبر زيادة نسبة النمو وتخفيف العجز في الموازنة، وتعزيز الاستثمارات لاسيما في البنى التحتية لتأمين آلاف فرص العمل. وقد حصل لبنان فيه على تعهدات بحوالي 11 مليار دولار غالبيتها قروض ميسرة إلى جانب هبات قليلة جداً.
مؤتمر بروكسل
أما مؤتمر بروكسل فيعقد للمرة الثانية، للبحث في موضوع النازحين السوريين داخل سوريا وفي دول الجوار، لاسيما في لبنان والأردن وتركيا، تحت عنوان تأمين إقامة كريمة لهم في الدول المضيفة، من حيث السكن والصحة والتعليم والخدمات وفرص العمل إلى جانب تخفيف الأعباء المادية عن هذه الدول ومنها لبنان الذي تكبد خلال سبع سنوات من عمر الأزمة السورية، حوالي 15 مليار دولار، من خلال ما يقدمه للسوريين لاسيما في مجال التعليم حيث يستوعب لبنان نحو 300 ألف طالب سوري فيما يبقى نحو 250 ألفاً خارج المدارس، وكذلك في مجال الرعاية الطبية واستهلاك الكهرباء فيما يعاني اللبنانيون من التقنين المزمن، وتتكبد خزينة دولتهم سنوياً نحو ملياري دولار لتوفيرها، وكذلك المياه التي تشح صيفاً وتنقطع على مدى أشهر من السنة. كما يسبب النزوح السوري أزمة في السير والاكتظاظ السكاني والضغط على البنى التحتية، كالصرف الصحي والطرقات، إضافة إلى قضية أساسية وهي منافسة اليد العاملة السورية للبنانيين.
المساعدات للبنان
حضر المؤتمر في بروكسل الذي دعت إليه بلجيكا نحو 85 دولة ومنظمات غير حكومية، وشارك فيه رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري مع وفد وزاري قدّم ورقة تحمل مطالب لبنان في تأمين الدعم المالي لتعويض خسائره، وكذلك الإسراع في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، والتي باستمرارها تحول دون تقديم حلول لمستقبل النازحين في دول الجوار، حيث يخشى لبنان أن تطول إقامتهم المؤقتة فيه، وتعمل دول على توطينهم كما ورد في توصيات ومقررات سابقة في الأمم المتحدة، وتبنّته دول كالولايات المتحدة التي أعلن رئيسها دونالد ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، أنه لا يمانع من توطين النازحين السوريين حيث هم.
وقد سبق للبنان أن حصل في مؤتمرين سابقين عقدا في لندن عام 2016، وفي بروكسل في 7 نيسان (أبريل) 2017، على مليار و200 مليون دولار، لتأمين التعليم والصحة لجزء كبير من النازحين، وهو رقم قليل جداً، وفق مصادر وزارية لبنانية، إذ يطمح لبنان أن يحصل –وفق خطة قدمها للمؤتمر– على ما بين 10 و12 ألف دولار عن كل نازح سوري للاستثمار في البنية التحتية، غير أنه في المحصلة وُعد بالحصول على مبلغ مالي يوازي الذي ناله في «بروكسل –1»، من ضمن مساعدات تقدر بنحو 4 مليارات دولار، أعطيت للدول المضيفة للنازحين السوريين، لكنها لن تكون لها مباشرة، بل عبر المنظمات التابعة للأمم المتحدة، إذ تتولى هي مباشرة صرف الأموال على النازحين وليس الحكومة اللبنانية التي تنسق معها.
منصة دولية
مؤتمر بروكسل، كان منصة دولية، سعت أميركا وحلفاؤها من خلاله ألا تكون كل من روسيا وإيران وتركيا صاحبة الكلمة الفصل في سوريا، حيث تمّ اشتراط دفع الأموال، أو العمل بإعادة إعمار سوريا من خلال العودة إلى مؤتمر «جنيف–1»، والذي إنعقد في عام 2012 وقدم وثيقة سياسية لحل يرتكز على قيام سلطة انتقالية، لكن الحلول فشلت في مؤتمرات جنيف–2–3–4، مع فشل محاولات إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد حتى تدخلت روسيا عسكرياً في نهاية 2015 للبدء بعمليات واسعة لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها فصائل المعارضة المسلحة، والتي توصف بالإرهابية، لاسيما في حلب وشمال وشرق سوريا، وصولاً إلى الغوطتين الشرقية والغربية لدمشق.
ففي «بروكسل–2»، جرى طرح إعادة العمل في «جنيف–1»، وتنفيذ القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي مع الأخذ بمقررات أستانا وسوتشي، باعتبارها عاملاً مساعداً في تخفيض التوتر وإقامة المصالحات.
وحمل المؤتمر شقين الأول إغاثي للنازحين، والثاني سياسي في مواجهة النفوذ الروسي والإيراني والتركي، عبر التطرق لحل الأزمة السورية، من خلال مساعدة النازحين، ومشاركة الغرب في إعادة بناء المدن السورية، وهو ما طرحه الإتحاد الأوروبي الذي يسعى لإشراك دوله في إعمار سوريا التي تحتاج إلى مئات مليارات الدولارات.
تجربة أولى لعودة النازحين
وفي الوقت الذي كان فيه لبنان يتحضر لمؤتمر بروكسل، حصلت أول تجربة لعودة نازحين سوريين من بلدة شبعا في جنوب لبنان المتاخمة للحدود مع سوريا وفلسطين المحتلة، إذ طلب نحو 500 نازح سوري العودة إلى بلدتهم بيت جن في القنيطرة، بعد أن استتب الأمن فيها، وطرد الجيش السوري، الإرهابيين منها قبل أشهر، وقام الأمن العام اللبناني، واستجابة لرغبة النازحين، بنقلهم بباصات إلى سوريا ومنها إلى بيت جن، وهو ما كان اقترحته الحكومة اللبنانية عبر وزارة الخارجية، بـ«العودة الآمنة» للنازحين، مقابل تمنع الأمم المتحدة التي طرحت العودة «الطوعية» للنازحين وهو ما رفضه لبنان، لأن هذه الفكرة تسمح ببقاء النازحين إلى أجل غير مسمى، حيث تصبح العودة خاضعة لمزاج ورغبة وقرار النازح السوري، في حين أن معظم المناطق السورية باتت آمنة ويمكن العودة إليها، وهذا ما حصل مع نازحي بيت جن، كما مع آخرين كانوا في جرود عرسال عادوا إلى سوريا، مع تحرير السلسلة الشرقية ومنطقة القلمون السورية من الإرهابيين.
اعتراض الأمم المتحدة
اعترضت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على الخطوة التي أقدم عليها لبنان، بنقل 500 نازح سوري إلى بلدتهم، واعتبرته انتهاكاً لدورها، من خلال بيان وزّعته، انتقدت فيه عمل السلطة اللبنانية، فقامت وزارة الخارجية باستدعاء أحد مسؤولي المفوضية في لبنان، وأبلغته بأن البيان مرفوض، وهو انتهاك لسيادة لبنان، الذي قرّر أن ينفذ خطته لعودة النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة في سوريا، في وقت تعمل الأمم المتحدة على بقائهم في لبنان، وتخويفهم من العودة إلى بلدهم، حيث تجربة لبنان مع تنفيذ قرار الأمم المتحدة 194 الصادر في العام 1948، الذي يؤكّد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذي لم تطبقه الأمم المتحدة ومنظماتها، واعترضت إسرائيل عليه، ويعيش الفلسطينيون في لبنان منذ 70 سنة على أمل حق العودة إلى فلسطين، ولم تساعدهم الأمم المتحدة، التي تحاول تنفيذ السياسة نفسها مع النازحين السوريين في لبنان، الذي لا يمكنه تحمل أعباء مليون ونصف مليون نازح سوري، يعيش نحو 74 بالمئة منهم من دون إقامة شرعية، ويزج ببعضهم في السجون، ولا يجري ترحيلهم.
وكانت الحكومة اللبنانية قد شددت إجراءات دخول السوريين إلى لبنان لضبطه، وقد تراجعت أعدادهم فعلاً، إلا أن المعابر غير الشرعية تبقى مشرعة للوصول إلى لبنان، عبر أشخاص يقبضون الأموال من النازحين الذين قضى بعضهم بالبرد أو الألغام.
إن «بروكسل–2»، هو المؤتمر الدولي الثالث لدعم لبنان خلال الأسابيع الماضية، ورغم تعويل الكثيرين على المساعدات الدولية، لكنها تبقى دون تطلعات اللبنانيين ورغبتهم بعودة النازحين الآمنة إلى سوريا، بعيداً عن الرغبات الأممية المريبة.
تعهدات بمبلغ 4,4 مليارات دولار لمساعدة السوريين
بروكسل – تعهد المشاركون في مؤتمر بروكسل بتقديم 4.4 مليارات دولار لمساعدة المتضررين من النزاع في سوريا. وقال مدير منظمة تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارك لوفتشوك الأربعاء الماضي: «أعتقد اننا سنحصل مع انتهاء المؤتمر على وعود بتقديم 4,4 مليارات دولار لعام 2018».
وأعلنت بريطانيا تقديم 450 مليون جنيه أسترليني (630 مليون دولار) لعام 2018 و300 مليون جنيه أسترليني (418 مليون دولار) للعام المقبل، في حين قالت ألمانيا إنها ستقدم أكثر من مليار يورو (حوالي مليار و218 مليون دولار) والاتحاد الأوروبي 560 مليون يورو (حوالي 683 مليون دولار).
وهذا المبلغ الذي وعدت الجهات المانحة بتقديمه أقل من نصف ما طلبته الأمم المتحدة لهذا العام لمساعدة النازحين داخل سوريا واللاجئين في دول الجوار والذي يبلغ تسعة مليارات دولار.
وقالت تسع منظمات إنسانية دولية إن المؤتمر «لم يحقق نصف الأهداف».
وبلغ عدد النازحين داخل سوريا نحو 6.1 ملايين شخص، وقد فر أكثر من خمسة ملايين إلى خارج البلاد، ويحتاج 13 مليون شخص من بينهم ستة ملايين طفل إلى المساعدات، بحسب الأمم المتحدة.
Leave a Reply