7مليارات الدولارات العربية سوف تنهمر على أهالي غزة بعد أن وضعت الحرب أوزراها، ولملم الفلسطينيون شعثهم ودفنوا شهداءهم وداووا جرحاهم، فإذا بهم أمام نشهد جديد غير الذي انقضى. مشهد عنوانه إعادة الإعمار وتعويضات عن الضحايا وسلام وبلسمة جراح، لم يعد مسرح غزة مهيأً لمزيد من القتل والتشريد والخوف، يكفي أهل غزة ما ألمّ بهم على مدى ثلاثة أسابيع من القصف بالصواريخ والدك بالمدافع والرصاص المصبوب. آن لهم أن يتنفسوا الصعداء ويتذكروا أحباباً لهم قضوا في المذبحة الكبيرة، ويزوروا قبورهم ويذرفوا الدموع ويضعوا الأكاليل.
نحن لسنا بصدد مرثية نهديها إلى الفلسطينيين، لكنه البعد الإنساني للحرب يفرض نفسه شئنا أم أبينا، ولو أن المحللين الاستراتيجيين إبان الحرب أغفلوا هذه الناحية، وكان لا يشغلهم سوى التكتيكات العسكرية والأهداف السياسية ومن ربح الحرب في غزة ومن خسرها، يكفي القول إن أطفال غزة ونساءها وشيوخها كانوا هم الأبطال الحقيقيين في هذه الحرب وهم من دفعوا ثمنها، فهم المنتصرون إذن، وهم من أوقفوا العالم على ساق واحدة على مدى ثلاثة وعشرين يوماً، حين كانت تبث صور إشلائهم وجراحهم وصراخهم على شاشات التلفزة، لذا فهم يستحقون التحية والإجلال، لا أحد غيرهم.وأما المساعدات الهائلة التي وعد بها العاهل السعودي والأمراء الخليجيون بصبها على غزة فلها قصة مختلفة، فهذه الأموال لن يسمح لها بالوصول إلى مستحقيها عبر الأنفاق، إذا بقي هناك من أنفاق، ولن تنقل بحقائب السفر ولا الأشولة عبر ممر رفح، كما كان يفعله قادة في المقاومة في زمن مضى، ولن تسلم إلى منظمة تضعها الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب، ولا إلى سلطة يعتبرها النظام العربي غير شرعية، حتى لا تهدر الأموال في شراء السلاح وترسيخ الانفصال وتفريخ مزيد من الحروب، تلك هي وجهة نظر المانحين عرباً كانوا أم أوروبيين أو حتى أميركيين، وذلك هو رأي السلطة في رام الله وكذا رأي المسيطرين على معابر غزة وحدودها ، وهم الإسرائيليون والمصريون.وعليه فالمليارات الموعودة بها غزة ليست قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى أيادي المستحقين والمحتاجين لها في مدن ومخيمات قطاع غزة، فهذه الأموال بهدف توصيلها بحاجة إلى آلية مرتبطة بآلية وقف إطلاق النار والتي رسمت معالمها في القاهرة، لا فرق بين الآليتين كلتاهما تحمل هدفاً واحداً لجم المقاومة بل اقتلاعها، وذلك لا يتأتى إلا بانخراط «حماس» في السلطة الفلسطينية والتمكين من إجراء انتخابات جديدة ستكون هذه المرة في صالح «فتح» بعد أن ذاق الفلسطينيون الأمرين في زمن الحكم الحمساوي، من وجهة نظر أقطاب الاعتدال العربي والفلسطيني، وحينها ستسمح مصر بفتح دائم لمعبر رفح يكون فيه متسع لمرافبين أوروبيين وحرس الرئاسة الفلسطيني، حينئذ تسمح الأطراف بدخول الأموال بطريقة شرعية ليستفيد منها الفلسطينيون لإعادة إعمار بيوتهم التي هدمتها الحرب والتعويض عن ضحاياهم وتوفير الوظائف لهم وإقامة بنية تحتية.عليه فالمقاومة في غزة على مفترق طرق، إما أن تستمر في نهجها الذي جلب على أهالي غزة ما جلبه عليهم، وإما أن تسلك طريق المناورات السياسية والدبلوماسية للخروج من مأزقها لحين حدوث تغيرات في المعارك الإقليمية والدولية، تكون هي قد أعادت التقاط أنفاسها وترميم بيتها الداخلي وصياغة مواقف من شأنها «أن لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم».
Leave a Reply