وأخيراً وقعت المفاجأة. فاز ترامب.. المرشح الجمهوري الذي اقترح خلال حملته الانتخابية إنشاء قاعدة بيانات لمراقبة المسلمين الأميركيين وحظر دخولهم الى الولايات المتحدة قبل أن يعلن لاحقاً تراجعه عن هذا الموقف المشين خلال المناظرة الثالثة والأخيرة مع منافسته هيلاري كلينتون.
ورغم خطاب النصر الوحدوي الذي ألقاه ترامب بعد النتائج الصادمة لانتخابات الثلاثاء الماضي، شعر المسلمون الأميركيون كما هو حال شرائح أخرى واسعة من المجتمع الأميركي بالخوف والتوجس من وصول الملياردير النيويوركي الى سدة الرئاسة في البيت الأبيض، وهو بلا شك شعور مبرر بسبب الصورة السلبية التي ترسخت في أذهان أبناء الأقليات في الولايات المتحدة، بعد حملة انتخابية شرسة كان المسلمون الأميركيون في صميمها. ولكن – وفي جميع الأحوال – علينا جميعاً قبول النتائج التي أفضت إليها الانتخابات احتراماً للديمقراطية والتقاليد الأميركية، وخضوعاً للقانون والدستور الذي يكفل حقوقنا في هذا البلاد.
وُصف ترامب خلال حملته الانتخابية بالكراهية والعنصرية والتحيز ضد النساء، ولكنه في الوقت نفسه عبّر عن الغضب المشروع لكثير من الأميركيين الذين يعانون من شح الفرص الاقتصادية وفساد الطبقة السياسية في واشنطن.
صحيح أن الرئيس المنتخب قد استخدم لهجة تصالحية هادئة في خطاب النصر، عقب صدور نتائج الانتخابات الثلاثاء الماضي، لكن الشعارات الخشنة التي رفعها، والمقترحات المتوترة التي استقطبت الكثير من الأميركيين، والتي أضرت بكثير من المجتمعات في أميركا لا يمكن سحبها من التداول، ولا من الأرشيف، فقد وصف المهاجرين غير الشرعيين بأبشع الأوصاف، وتعهد بمنع قدوم المزيد من اللاجئين السوريين الى الولايات المتحدة، كما حمل المجتمعات المسلمة مسؤولية وقوع هجمات إرهابية في أميركا بسبب عدم إبلاغهم عن النشاطات المشبوهة.
ومثل هذه التصريحات لاقت رواجاً في الكثير من الأوساط الأميركية المتوجسة من تفشي الإرهاب والإسلام الراديكالي لاسيما بعد عقود من حقن ثقافة الإسلاموفوبيا بين الأميركيين.
وفي الوقت الذي يجب على العرب والمسلمين الأميركيين تأكيد إيمانهم بدستور الولايات المتحدة ومؤسسات الدولة فعليهم أن يحضروا أنفسهم لمرحلة قد تتطلب منهم مضاعفة جهودهم لحماية حقوقهم المدنية والدستورية في حال تعرضها لمزيد من الانتهاكات في عهد الرئيس ترامب.
وكلنا أمل أن يلتزم الرئيس الـ٤٥ بدستور البلاد وبخطاب النصر الذي قال فيه إنه سيكون رئيساً لجميع الأميركيين من مختلف الأعراق والديانات.
غير أن اللغة الوديعة التي استخدمها ترامب في خطاب النصر، قد لا تصمد طويلاً حيث تشير التقارير الأولية الى أن بعض المرشحين لمناصب حساسة في إدارته هم من أكثر المتعصبين والمتطرفين الأميركيين في القرن الحادي والعشرين.
وفي الوقت الذي قامت وزارة العدل في عهد الرئيس باراك أوباما بمكافحة التمييز بشكل متواضع، فمن المرجح أن يكون وزير العدل القادم هو رودي جولياني الذي أقرّ المراقبة غير القانونية على المجتمعات الإسلامية في نيويورك عندما كان رئيسا لبلدية أكبر مدينة أميركية. أما نيوت غينغريتش المرشح لأن يكون وزير الخارجية في إدارة ترامب، فقد قال «إن الشعب الفلسطيني هو اختراع» واقترح إخضاع المسلمين لاختبار الوطنية وترحيل كل من يؤمن منهم بـ«الشريعة الإسلامية»، كما أنه من المرجح أن يتولى ستيفن بانون منصب كبير موظفي البيت الأبيض، وهو صاحب موقع «بريتبارت» الإلكتروني اليميني.
وعلى هذه الخلفية القاتمة، يجب التأكيد على المسلمين الأميركيين وأبناء الأقليات عموماً دعم منظمات الحقوق المدنية وإنشاء التحالفات وتعميق الانخراط السياسي، لما لها من أهمية قصوى في حماية المجتمعات الملونة خلال السنوات الأربع القادمة.
إن الإشارة إلى عيوب ترامب ومساوئه الخطيرة لا تعني التشكيك في شرعية انتخابه رئيسا لأميركا، فهو ربح الانتخابات، ولكننا كجالية علينا أن نكون مستعدين للأسوأ وفي الوقت ذاته علينا أن نبدي رغبتنا بالتعاون مع إدارة ترامب في إطار يضمن الحريات المدنية والحقوق الدستورية لجميع الأميركيين، والأمر – في نهاية المطاف – متروك لترامب ليؤكد للشعب الأميركي ما قاله في خطاب النصر بأنه سيكون رئيساً لجميع الأميركيين.
إننا نعلم أن العرب والمسلمين والمهاجرين واللاتينيين وأبناء المجتعمات الأخرى متوجسون من الأيام القادمة ومصابون بخيبة الأمل لما آلت إليه النتائج الانتخابية، ولكن الخوف لن يغير شيئاً بل سيزيد الأمور تعقيداً ويظهرهم في موقع المعرقل لجهود ترامب وطموحاتهم في إعادة بناء البلاد واستعادة عظمتها.
كثيرون يشعرون بالانكسار لأن مواطنيهم الأميركيين صوتوا لترامب، ولكن هناك أيضاً شعور بالخذلان من الديمقراطيين الذين فشلوا في أن يكونوا حزب الجماهير، حيث كانت اللجنة الوطنية الديمقراطية مسؤولة بشكل مباشر عن نتيجة الانتخابات.
وفي مواجهة مرشح شعبوي ضد النظام السياسي، فإن اللجنة الوطنية الديمقراطية (التي يجب أن تكون حيادية) أفسدت السباق الرئاسي منذ انحيازها لكلينتون في الانتخابات التمهيدية وإقصائها غير العادل لساندرز الذي حرم حتى من منصب نائب الرئيس.
إن وزيرة الخارجية السابقة هي بلا شك سياسية بارعة ولكن تجربتها في واشنطن عملت ضدها لأنها جسدت النخب السياسية الممقوتة من قبل الجماهير الأميركية. لقد كان بإمكان بيرني ساندرز أن يهزم ترامب، ولكن الحزب الديمقراطي لم يعطه الفرصة لذلك. ولكن الأسف والندم لا ينفعان.
في الختام، إن أحد الوجوه الإيجابية لهذه الانتخابات تكمن في أن المجتمع العربي الأميركي قد قام بالتصويت بأعداد كبيرة، وبنسبة تجاوزت 50 بالمئة في بعض الدوائر الانتخابية في شرقي ديربورن بشكل يتناسب مع المعدل الوطني.
وعلى جاليتنا أن تحافظ على قيم المشاركة السياسية -ترشيحا وانتخابا- كونها الوسيلة الوحيدة التي تضمن مستقبلنا في هذه البلاد.
وعن فوز ترامب، كلنا أمل بأن تصدق كلماته في خطاب النصر كما صدقت توقعاته بالفوز على عكس استطلاعات الرأي.. وإن لم يصدق لنا الله والدستور.
Leave a Reply