صنعاء – ببطء تتآكل الدولة اليمنية معيدة للأذهان ملامح انهيار الدولة في الصومال، حيث تجمد الوضع السياسي مع رحيل الرئيس علي عبدالله صالح إلى العلاج في المملكة العربية السعودية في حين يتزايد نفوذ مراكز القوى بشكل كبير، وسط موجة نزوح كبير من العاصمة صنعاء إلى الأرياف.
وعقب الرهان على اللقاء الذي جمع القائم بأعمال الرئيس الفريق عبدربه منصور هادي تبيّن أن الرجل يدرك جيدا صعوبة تخطي مراكز القوى الموالية للرئيس صالح خصوصا في أوساط الجيش، والقبول بفكرة نقل السلطة في ظل غياب الرئيس الجريح.
ومن جهته، دعا الأمين العام للجنة الحوار الوطني المعارض في اليمن حميد الأحمر القائم بأعمال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى تسلم السلطة “مراعاة لمشاعر الشعب اليمني الثائر”، وسط استمرار المظاهرات في ساحات التغيير للمطالبة بمجلس انتقالي.
وأضاف الأحمر أن “هناك من يريد أن يسطو على السلطة، وأن على السعوديين والأميركيين ومن وقف موقفا خاطئا تجاه الشعب اليمني التوقف عن ذلك”.
ووجه رسالة إلى السعودية قائلا إن “أمن اليمن هو أمنهم، وهذا يحتاج إلى قيام نظام مؤسساتي يستطيع به الشعب أن يغير النظام الفاسد في أي وقت”.
ومن جانبه أشار القيادي في تجمع “اللقاء المشترك” المعارض عبد الملك المخلافي إلى أن أمام اليمن خيارين، أحدهما “آمن” وهو انتقال هادئ للسلطة إلى نائب الرئيس، وتليه مفاوضات مع شباب الثورة بشأن الخطوات المقبلة.
والخيار الثاني اللجوء إلى البديل الثوري واعتبار السلطة اليمنية غير شرعية في ظل ما وصفه المخلافي بالفراغ الدستوري.
وتوّج اللقاء الذي خرج بلجنة للتهدئة في الجانبين الأمني والإعلامي باتفاق بين السلطة المحلية في تعز وقيادة اللقاء المشترك على سحب قوات الجيش والمسلحين القبليين من المدينة والسماح باستمرار الاعتصامات والمظاهرات المطالبة بإسقاط النظام. ومع أن القائم بأعمال الرئيس ابلغ المجتمعين انه منشغل بتثبيت وقف إطلاق النار مع أتباع الشيخ صادق الأحمر وحل أزمة الوقود والكهرباء إلا أن الأوضاع على الأرض تسير عكس ذلك تماما، فالقوات الموالية للرئيس تواصل استعداداتها لمواجهة مرتقبة مع أتباع الشيخ الأحمر أو مع قوات الفرقة الأولى المدرعة التي أعلن قائدها اللواء علي محسن الأحمر دعمه للمطالبين برحيل النظام.
الأمر كذلك لدى الطرف الآخر حيث يتأهب أتباع الشيخ الأحمر لاستئناف المواجهات التي أدت إلى تدمير حي الحصبة شمال صنعاء بشكل كبير ويقولون إن القوات تواصل ملاحقة واعتقال كل من ينتمي إلى قبيلة حاشد، والأمر ذاته مع الفرقة الأولى مدرع التي تتوقع الهجوم عليها في أي لحظة حيث حفرت عدة خنادق في شارع الستين المؤدي إلى مطار صنعاء.
عجز في الرواتب؟
وفيما يتواصل انهيار الدولة وتعجز السلطة عن توفير ابسط مقومات الحياة يرهن اليمنيون مستقبلهم بتدخل قوي من واشنطن والاتحاد الأوروبي وعواصم الخليج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إذ يؤكد المسؤولون أن الحكومة ستكون خلال شهور قليلة عاجزة عن دفع مرتبات الموظفين بعد أن عجزت عن توفير مبالغ مالية لشراء مادتي البترول والديزل.
أزمة وقود
وفي جانب أزمة الوقود التي شلت الحركة في معظم مدن البلاد فقد تفاقمت الأزمة خلال الأسبوع الماضي وبات على السائقين شراء اللتر البنزين بثلاثة أضعاف سعره من السوق السوداء أو الوقوف في طابور لمدة يومين للحصول على 20 ليتراً بالسعر الحكومي، بل إن المزارع في سهل تهامة كانت ابرز المتضررين من انعدام مادة الديزل، وخسر المزارعون كل محاصيلهم ما يوسع من رقعة الفقر والجوع في البلاد.
نزوح من العاصمة
وفيما يواصل سكان العاصمة اليمنية النزوح إلى الأرياف فإن من تبقى منهم يعانون من ندرة المياه بسبب ارتفاع أسعارها في السوق السوداء وتوقف الضخ من المشروع الحكومي إلى الكثير من أحياء المدينة، وقد فاقم من هذه المعاناة انقطاع التيار الكهربائي لفترة زمنية تزيد على 15 ساعة في اليوم الواحد.
ووسط اهتمام كبير بالأوضاع السياسية تتفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل مخيف في محافظة أبين حيث فقد عشرات الآلاف منازلهم وكل ممتلكاتهم بعد سيطرة الجماعة الإسلامية المسلحة على عاصمة المحافظة، واندلاع مواجهات عنيفة بين هذه الجماعة وقوات الجيش استخدمت فيها الطائرات والبوارج الحربية والمدفعية الثقيلة والدبابات فحولت المدينة إلى اثر بعد عين. وتمتد الأزمة الإنسانية إلى عشرات الآلاف من الريفيين الذين فقدوا وظائفهم في المدن الكبيرة وفروا إلى قراهم هربا من الموت، فيما يواصل القطاع التجاري نزيف الخسائر كل يوم بفعل تدني الدخل وتدهور أسعار العملة وضعف القدرة الشرائية وفرار غالبية سكان المدن إلى القرى.
اشتباكات في تعز
استؤنفت الاشتباكات بين القوات النظامية ومسلحين قبليين بمدينة تعز جنوب صنعاء إثر انهيار اتفاق لوقف النار وقع بين السلطة المحلية وأحزاب المعارضة. وقال مصدر أمني يمني لوكالة “يونايتد برس انترناشونال” إن الاشتباكات اندلعت صباح أمس في حي عصيفرة في مدينة تعز وسمع دوي انفجارات عدة في شارع الستين القريب من تقاطع منطقة شرعب.
وكانت معارك دامية وقعت ليل الثلاثاء بين قوات الأمن ومسلحين قبليين في تعز أسفرت عن مقتل عدة جنود وتدمير دبابة روسية الصنع وإعطاب عدد من الآليات العسكرية، فيما قتل العشرات من المسلحين القبليين.
إلى ذلك، يتأهب أتباع شيخ مشائخ قبيلة حاشد صادق الأحمر لاستئناف المواجهات التي أدت إلى تدمير حي الحصبة شمال صنعاء بشكل كبير. ويقول مسلحو الأحمر إن القوات الحكومية تواصل ملاحقة واعتقال كل من ينتمي إلى قبيلة حاشد، والأمر ذاته مع الفرقة الأولى مدرع التي تتوقع الهجوم عليها في أي لحظة حيث حفرت خنادق عدة في شارع الـ 60 المؤدي إلى مطار صنعاء.
غيتس يستبعد حرباً أهلية
عبر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس عن تفاؤل حذر من التطورات المضطربة في اليمن بعد الاشتباكات المسلحة بين الحكومة والقبائل المعارضة للنظام والدفع بالبلاد نحو حرب أهلية.. وكشف عن مساع لتأمين “مكان إقامة” للرئيس علي عبدالله صالح بعد نقل السلطة، في وقت يستعد شباب ثورة التغيير للإعلان اليوم عن مجلس انتقالي.
وقال غيتس إن الوضع “هدأ قليلاً” منذ أن غادر الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى السعودية لتلقي العلاج من الإصابات التي تعرض لها في مقر المجمع الذي يقيم فيه. وأضاف في مقابلة مع وكالة “اسوشيتد برس” القول: “لا أعتقد أن اليمن سترى حرباً شاملة هناك”. وأكد غيتس على أنه “مع وجود صالح في المملكة العربية السعودية، ربما يمكن عمل شيء لإنهاء الأزمة في اليمن، وذلك في البحث عن مقر لإقامة صالح وأسرته”.
ويأتي هذا الموقف الأميركي مغايراً لواقع الحال، حيث يتسع نطاق المخاوف من اندلاع حرب أهلية طاحنة إذا فشلت الضغوط الإقليمية والدولية في إقناع صالح وأقاربه بنقل السلطة إلى نائب الرئيس، وإقناع المعارضة بالتخلي عن فكرة إنشاء مجلس انتقالي
Leave a Reply