وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
إنها الأزمة الأسوأ التي تمر بها «الوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا)، هذا ما قاله مدير عمليات الوكالة في الشرق الأدنى، ماتياس شمالي، في 16 آذار (مارس) الماضي. ومنذ ذلك التاريخ والأزمة مستمرة، وليس في الأفق ما يشي بحلحلتها، فيما تصرّ الولايات المتحدة على المضي في قرارها بإيقاف الدعم عن الوكالة الإنسانية، حيث يمثل الدعم الأميركي الحصة الأكبر من التمويل الذي تحصل عليه الأونروا.
وكانت الوكالة الأممية قد أطلقت –أواسط الشهر الماضي– نداء استغاثة عاجلاً لاستحصال مبلغ مقداره 93.4 مليون دولار من أجل مكافحة وباء كورونا في أوساط اللاجئين الفلسطينيين. ومنذ بدء الأزمة، عملت الأونروا على توفير الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين في أنحاء الشرق الأوسط، كما قامت بتوزيع معدات الوقاية الشخصية على الآلاف من الموظفين وتطبيق خدمات التطبيب عن بعد وإيصال الأغذية والأدوية إلى المنازل، للتقليل من وجود الأفراد فى العيادات ومراكز التوزيع. وفي الوقت ذاته، تواصل الأونروا برامجها الحيوية للمعونات الغذائية والنقدية للأشخاص الأشد عرضة للمخاطر.
وفي تعليق له حول تأثير فيروس كورونا على عمل الوكالة، قال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني: «لقد شاهدنا كيف تعمل الأزمة، وبشكل مضطرب، على ضرب المجتمعات الأشد فقراً وعوزاً في العالم.. إن هذا –للأسف– هو الواقع المعاش بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين الذين هم من بين السكان الأشد عرضة للمخاطر في الشرق الأوسط». وأضاف لازاريني قائلاً: «إن معظم اللاجئين الذين تخدمهم الوكالة يعيشون تحت مستوى خط الفقر، ويعانون من غياب شبكة الأمان المطلوبة لامتصاص الصدمات المالية والطبية التي أحدثتها جائحة «كوفيد–19». إنهم الآن يواجهون عواقب مدمرة على أوضاعهم الصحية والاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي قد يدفع بهذا المجتمعات الهشة نحو حافة الكارثة، وهذا قد يثير المزيد من غياب الاستقرار في منطقة تعيش أوضاعاً غير مستقرة أصلاً.
هذا، وتقوم الوكالة بحملات توعية في جميع المراكز الصحية، كما أصدرت التوصيات لموظفي الأقسام الصحية بشأن كيفية التعامل مع أية حالة مرضية، كما وظفت جميع وسائل التوعية، للحد من انتشار أي فيروس يضرّ بصحة اللاجئين الفلسطينيين.
إلا أن هذه الخطة لم تحظَ برضى القوى السياسية الوطنية الفلسطينية وأبناء المخيمات، الذين وصفوا الأونروا بالتقصير في حماية اللاجئين من تداعيات الوباء.
وبسبب الضائقة المالية التي تعانيها الوكالة، فقد عمدت الأونروا بشكل تدريجي على تقليص الخدمات التي تمس صميم حياة الفلسطينيين، والتي كان بينها إيقاف 48 موظفاً عن العمل، مما ساهم في مضاعفة معاناة عائلات هؤلاء الموظفين في هذه الأوقات الحرجة. وقد دفعت هذه الخطوة لجان اللاجئين في غزة للتعبير عن رفضها لتلك القرارات بذريعة نقص التمويل، عبر تنظيم اعتصام أسبوعي، وسط تجاهل واضح من قبل الوكالة.
وتخشى لجان اللاجئين من أن تكون قرارات تقليص خدمات الأونروا مندرجة ضمن سياسة مرسومة، وليست مجرد أزمة مالية، أو أن يكون الهدف منها تصفية شاملة لعمل المنظمة، المرتبط بطبيعة الحال بقضية اللاجئين، فالأونروا تمثل الشاهد الأبرز على قضيتهم، وهو ما ينفيه بقوة، المستشار الإعلامي للوكالة عدنان أبو حسنة الذي أعرب عن رفضه الربط بين العجز الذي تعانيه وكالة الأونروا وبين صفقة القرن.
وأكد أبو حسنة بأن الوكالة تعمل وفق تفويضٍ أممي بحت وكاسح حصلت عليه من المجتمع الدولي، وهي تُعنى بالشؤون الإنسانية فقط، ولا علاقة لها بأي شأن سياسي آخر. وفي تعليقه على تحرك لجان موظفي الأونروا، والوقفة الاعتراضية التي نُظمت ضدها، الأربعاء الماضي، قال الناطق الأممي إن الاعتراض حق مشروع ومرحب به، ولكن يجب أن يكون بعيدًا عن التخوين وعن الاتهام بالخضوع للإملاءات الخارجية. وفي هذا السياق، أشار أبو حسنة إلى أن الموظفين الذين تم إيقافهم عن العمل لم يكونوا موظفين ثابتين بعقود عمل طويلة، وإنما كان ارتباطهم بالوكالة عبر عقود عمل مؤقتة (عقود بطالة)، ومدة هذه ثلاثة أشهر فقط، كانت الأونروا تقوم بتجديدها، علماً بأنها غير ملزمة بذلك، بسبب حاجتها إلى الخدمات المهمة التي كان يقدمها هؤلاء الموظفون، ولكن مع الأزمة المالية الخانقة المستجدة، اضطرت الوكالة إلى إيقاف 48 منهم فقط، فيما استمرت بتجديد عقود جميع الموظفين المؤقتين الآخرين.
ولفت المستشار الإعلامي إلى إن الوكالة تواجه هذا العام أزمة مالية خطرة وغير مسبوقة منذ عقود، وأنها قد تؤثر على برامجها وعملياتها في مختلف المناطق، في حال عدم توافر الدعم اللازم لها.
الأونروا كانت قد أعلنت في وقت سابق ميزانية العام 2020، والتي تقدر بمليار و400 مليون دولار، وحتى هذه اللحظة توجد تعهدات بتقديم 299 مليون دولار فقط، حصلت الوكالة على 125 مليون دولار منها. ويشير الموظف الأممي إلى أن الأونروا اضطُرت لاتخاذ بعض الإجراءات التي من شأنها أن تؤثر في عمليات تثبيت الموظفين، أو ملء الشواغر، أو حتى دفع الزيادات في أجور الموظفين.
ويؤكد أبو حسنة على أن «الأونروا ستستمر في عملها مهما ساءت الظروف، لأنها تمثل شريان الحياة لعدد كبير من الأسر التي لا مورد رزق لديها، والتي تعتاش على تقديمات الوكالة فقط، وهذا كله يجب معالجته من خلال إيفاء الدول المانحة بتعهداتها المالية».
وفيما يتصل بالنوايا والرغبات الإسرائيلية الدائمة بتفكيك الأونرا، قال أبو حسنة إن «أية قرارات أو تعليمات تتبعها الوكالة إنما هي صادرة عن الجمعية العمومية في الأمم المتحدة، التي تضم 190 دولة، من بينها 170 صوتت لمصلحة تجديد عمل الأونروا، وإن تفكيك الوكالة سيؤدي إلى اهتزاز الأمن الاجتماعي لدى الفلسطينيين، وكل من هم على حدودهم».
في الأثناء، لا تنفك الاعتراضات على عمل الوكالة تلاحقها. وفي هذا السياق، كانت قيادة تحالف القوى الفلسطينية في لبنان قد أكدت أن استمرار وكالة الأونروا في «سياسة التسويف والمماطلة والتقصير» في تحمّل مسؤولياتها، أدى الى رفع وتيرة المعاناة الاقتصادية والمعيشية لأقصى درجاتها لدى اللاجئين الفلسطينيين خلال أزمة وباء كورونا. وقد هددت القوى الفلسطينية، في بيان لها، بتصعيد الخطوات الاحتجاجية في الأيام المقبلة، في حال لم تقم إدارة الأونروا في لبنان بواجباتها. واستهجن البيان عدم استجابة الوكالة لمواجهة المعاناة من جراء الأزمة الاقتصادية والمعيشية الراهنة، كما اتهم مسؤول مكتب اللاجئين الفلسطينيين في «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) في لبنان، أبو أحمد فضل، الأونروا، بالمماطلة والتقصير، ووصف إدارتها بالفاشلة، في سياق حديثه عن التدابير التي اتخذتها لمواجهة فيروس كورونا.
وبحسب الوكالة، يوجد في قطاع غزة أكثر من مليون ومئة ألف لاجئ يتلقون مساعدات غذائية منتظمة من الأونروا، بينهم 765 ألفاً يُصنفون ضمن دائرة الفقر المدقع، مع الإشارة إلى أن 75 بالمئة من سكان قطاع غزة هم من اللاجئين. وكانت المنظمة قد بنت 274 مدرسة تضم 285 ألف طالبٍ، كما أن لديها اثنتان وعشرون عيادة طبية، وسبعة عشر مركزاً صحياً لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في مواجهة كورونا. إضافة إلى أنها توفر برنامجاً هاماً للقروض، وفقاً لأبو حسنة.
وبالنسبة للدعم المالي لميزانية الأونروا، والتي تبلغ هذا العام مليار وأربعمئة مليون دولار، هناك وعود من الدول المانحة بتقديم 627 مليون دولار، وصل منها حتى الآن، 460 مليون دولار فقط، ما يعني أن الوكالة في حالة عجز متقدمة وخطرة جداً، بحسب أبو حسنة أيضاً.
موقف الولايات المتحدة التي حجبت تمويلها بشكل قطعيٍ عن الأونروا، أصاب المنظمة الأممية في مقتل. وفي هذا الإطار، يلفت أبو حسنة إلى أن ذلك أثر بشكل بالغ في عمل الوكالة وقدرتها على الإيفاء بتعهداتها والتزاماتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين، إلا أنها وبالرغم من ذلك، فسوف تواصل مهامها بالإصرار نفسه، لأنه لا يمكن تخيّل وجود اللاجئين وحياتهم من دون الأونروا، إنها تمثل بالنسبة لهم شريان حياة الذي لا إمكانية لاستمرار عيشهم من دونه.
Leave a Reply