بغداد – تراجعت الإدارة الأميركية قليلا عن موقفها الرافض بشدة للاستماع للمطالب العراقية، لإدخال تعديلات على الاتفاقية الأمنية بشأن مصير القوات الأميركية في العراق بعد 2008، الأمر الذي أسهم بإحداث انفراجة في الموقف، الذي تأزم بعد تشبث كلا الطرفين بموقفهما.
وقد أصبحت خريطة مواقف القوى السياسية العراقية من الاتفاقية الأميركية-العراقية المتعثّرة في غاية الوضوح: رسمياً، الكتلة السياسية الوحيدة التي تدعم المسوّدة التي لم تحظَ بقبول «مجلس الأمن السياسي» هي «التحالف الكردستاني»، بالإضافة إلى عدد قليل من النواب المستقلين المتخوّفين من «التهديد الإيراني».
وستصوّت حكومة نوري المالكي اليوم على المسوّدة لرفعها إلى البرلمان حيث الغالبية الساحقة معارضة لها.
ولم ينجح «مجلس الأمن السياسي»، الذي يضم زعماء الكتل البرلمانية والرئاسات الثلاث، في التصديق على النصّ، معتبراً في بيان مقتضب تلا اجتماعه أنه «يحتاج إلى مزيد من الوقت لدراسته» وتعديل بعض الفقرات. وفي السياق، أوضح المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ أنّ «الجماعات الكردية الرئيسية هي الوحيدة التي أيّدت الاتفاق دون تحفّظات».
وتكفّل مستشار المالكي، محمد العسكري، بالكشف عن طبيعة التعديلات المطلوب إدخالها من جانب «الائتلاف العراقي الموحّد» الحاكم كشرط إجباري للقبول بها، ولخّصها كالآتي:
– إلغاء البند الذي يفيد بأنّ تاريخ نهاية 2011 موعداً لجلاء كافة القوات الأميركية عن الميدان العراقي يبقى قابلاً للتعديل.
– تأليف لجنة مشتركة للنظر في هوية الولاية القضائية التي ستنظر في الجرائم والمخالفات التي قد يرتكبها جنود الاحتلال. والمسوّدة الحالية تنص على أن القضاء العراقي يتولّى مقاضاة أي جندي أميركي عندما يرتكب جريمة خارج إطار مهماته و قواعده العسكرية.
وفيما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن العسكري وضعه مصير الاتفاقية «بيد الأميركيين»، جزمت بأن المسؤولين في واشنطن غير مستعدّين بتاتاً لبحث المزيد من «التنازلات».
وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في تصريحات صحفية «لقد وافقوا على الاستماع للتعديلات التي نريدها، سنقدم اقتراحاتنا مكتوبة لهم ليدرسوها قبل أن يقولوا رأيهم» وسنرى النتائج في الأيام القليلة القادمة. واستبعد زيباري أن يوافق الأميركيون على تعديلات جوهرية على الاتفاقية، وقال «ربما في بعض الصياغات أو التوصيفات المعينة، لكن العمود الفقري للاتفاقية هو ما توصل إليه الطرفان».
وحذر الوزير من رفض الاتفاقية التي ستقرر مصير القوات الأميركية بعد انتهاء التفويض الأممي بنهاية العام الجاري، وقال إن من شأن ذلك أن يعرض العراق إلى عواقب «جدية خطيرة أمنيا ودوليا واقتصاديا» وأضاف «هذا الشباك الزمني يغلق أكثر فأكثر يوما بعد آخر».
غير أن زيباري استبعد أن يوقَع على الاتفاقية قبل إجراء الانتخابات الأميركية في الرابع من الشهر القادم.
ومن جانبه شدد البيت الأبيض على أن الاتفاقية التي جرى التوصل إليها بعد مفاوضات بين مسؤولين من البلدين لعدة أشهر، شبه محسومة، وأن أي تعديل قد يطرأ عليها سيكون سطحيا.
وأعادت المتحدثة باسم البيت الأبيض التذكير بعبارات وزير الدفاع روبرت غيتس التي قال فيها، إن الباب شبه مغلق تماما.
وجاء التزحزح في الموقف الأميركي، بعد إعلان بغداد تمسكها بإدخال تعديلات على الاتفاقية قبل إقرارها، ورفضها للتهديدات الأميركية بعواقب وخيمة إذا لم يوقع العراقيون على الاتفاقية بشكلها الحالي.
واعتبرت الحكومة على لسان الناطق باسمها علي الدباغ أنه من غير اللائق إجبار العراق على التوقيع على الاتفاقية «كما أنه لا يجوز التخاطب معنا بهذا الشكل» ردا على تصريحات كل من رئيس هيئة الأركان الأميركي مايكل مولن ووزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، اللذين تحدثا فيها عن «عواقب جسيمة» على الصعيد الأمني إذا لم يوقع العراق هذه الاتفاقية.
كما أن التراجع الأميركي، جاء بعد فشل المحاولات الأميركية لثني المسؤولين العراقيين المعنيين عن رأيهم في الاتفاقية، حيث قالت صحيفة الصباح الحكومية العراقية إن مسؤولين أميركيين التقوا في بغداد أعضاء لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي.
ووفقا للصحيفة فإن الاجتماع استمر زهاء ساعتين، مشيرة إلى أن المسؤولين الأميركيين خرجوا من الاجتماع ولم تظهر على ملامحهم أية بوادر بنجاح مهمتهم، بعد تمسك النواب العراقيين بما اعتبروه «الطروحات الوطنية» ومواقفهم تجاه مسودة الاتفاقية.
وفي تطور آخر اتهمت واشنطن إيران بالسعي لتقويض الوجود الأميركي بالعراق، وتعطيل الاتفاقية التي توصل إليها الطرفان، معتبرة ذلك أحد أوجه التدخل الإيراني بالشأن العراقي.
وفيما يتعلق بالموقف الإيراني من الاتفاقية قال رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إن الاتفاقية تنتهك سيادة العراق، وتحول دون تشكيل حكومة قوية فيه.
بدوره دعا وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي لبحث هذه الاتفاقية ضمن القنوات الرسمية والوطنية العراقية، ومن بينها الحكومة ومجلس الأمن القومي والبرلمان.
وقال متكي في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الإقليم الكردستاني مسعود البارزاني في طهران «العراق يواجه قرارا تاريخيا وهاما، ونأمل أن يتم اتخاذ قرار بشأن هذا الموضوع بأفضل صورة ممكنة».
أما البارزاني فأقر بوجود صعوبة بالتوقيع على الاتفاقية، نافيا إعلانه موافقته عليها سابقا، لكنه اعتبر أن الاتفاقية بصيغتها الحالية لا تمس بالسيادة العراقية.
وكان المرجع الشيعي في طهران كاظم الحسيني الحائري قد جدد فتواه بتحريم الموافقة على الاتفاقية، التي قال إنها تؤدي إلى فقدان العراق سيادته الوطنية، وقبوله بالذل والهوان. الأمر الذي أكد عليه العلامة السيد محمد حسين فضل الله وسبقهما عليه العلماء المسلمين في العراق.
وفي السياق ذاته أفتى المرجع الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله بعدم شرعية أي سلطة تشرع وجود قوات الاحتلال في العراق.
يُذكَر أن بوش وقّع 5 قوانين تتضمن منع الولايات المتحدة من إقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق أو السيطرة على نفطه منذ عام 2006، لكنه في الوقت نفسه وقّع القرارات الآتية خلال العام الجاري: الأول يعارض فيه حظر إقامة قواعد دائمة في العراق والسيطرة على نفطه. والثاني أصدره الأسبوع الماضي، ورغم أنه لا يتضمن أي إشارة إلى القواعد الدائمة في بلاد الرافدين، إلا أنه أكد فيه أن منع الولايات المتحدة من السيطرة على النفط العراقي يمثّل انتهاكاً لسلطاته الدستورية».
Leave a Reply