وأخيراً تم التوصل إلى اتفاق تاريخي مع إيران بشأن برنامجها النووي. ونجحت إدارة أوباما فـي إقناع الجمهورية الإسلامية بالحد الجذري من أنشطتها النووية إلى المستوى الذي يستحيل فـيها على طهران إنتاج سلاح نووي.
هذا الإتفاق الذي يتضمن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، هو بكل المقاييس السياسية والإنسانية والدولية، لجهة تعميم السلام والرخاء العالمي وتفادي الحروب المدمِّرة، جيد ومنطقي ومعقول.
الإتفاق الذي وُصِف بأنه من أهم الإتفاقات بعد الحرب العالمية الثانية، تم على طريقة ان «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم» فهو يحقق أحد أهم بنود الأهداف الرئيسية لسياسة الولايات المتحدة فـي الشرق الأوسط، من دون المساومة على مكانة أميركا فـي العالم.
ففـي مؤتمره الصحفـي الذي عقده يوم الأربعاء الماضي لتوضيح بنود الاتفاق والدفاع عنه، قال الرئيس أوباما ان البديل عن الإتفاق هو العنف وربما «حرب كبيرة». وأضاف «بدون صفقة لن تكون هناك حدود لبرنامج إيران النووي، وإيران يمكن أن تتحرك بشكل أقرب نحو (صناعة) قنبلة نووية … ومن دون التوصل إلى إتفاق، فإننا نخاطر بالمزيد من الحروب فـي الشرق الأوسط».
لقد أثبتت التجارب صحّة اطروحات أوباما، فقد خبرنا الحروب المدمرة فـي المنطقة الملتهبة من العالم بسبب وجود اسرائيل، وشهدنا كيف انها لم تجلب سوى الفوضى والدمار والتخلف والمآسي الى الشرق الأوسط، عدا عن أنها جرت الويلات على بلدنا أميركا وأوغلت الحقد والكراهية فـي قلوب الشعوب ضد أميركا (من هنا السؤال لماذا يكرهوننا فـي العالم؟)، كما افقدتنا احترامنا فـي العالم. وما صعود «داعش» فـي العراق وسوريا إلا مثالاً صارخاً على ما يحدث عندما نختار أزيز الرصاص وأصوات القنابل على حفـيف أوراق المفاوضات.
وفق الاتفاق، العقوبات ستلغى مقابل الحصول على تنازلات إيرانية لا تشكِّل خسارة جسيمة للمصالح الأميركية. بل ان هذه العقوبات كانت تعسفـية وجائرة ولم تشكِّل استفادة ذاتية للولايات المتحدة عدا بناء تاريخ من العداء ضد الجمهورية الاسلامية والشعب الإيراني.
فالعقوبات التي استهدفت الاقتصاد الإيراني اصابت بالضرر المدنيين إجمالاً، حيث تسبب الحصار بالبطالة والفقر والتضخم فـي المجتمع الإيراني، ولكن من دون التأثير على هيكل وسيرة النظام.
وتمددت القيود المالية المفروضة بفعل العقوبات على إيران إلى التجارة التي هي مدنية بطبيعتها بما فـي ذلك الأدوية والسلع الأساسية. وعلى مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، وقعت أكثر من ٢٠٠ حادثة طيران إيرانية، معظمها بسبب العقوبات التي كانت تحظر بيع قطع غيار الطائرات للجمهورية الإسلامية.
لكن هذه العقوبات لم تفت فـي عضد الحكومة الايرانية بل ربَّما ساهمت فـي تعزيز المتشددين فـي إيران حسب تحليلات الغربيين وفـي تذكية العداء وتسعير العداوة والاستقطاب. أي ان هذه العقوبات أعطت نتيجة عكسية بعُرف الغرب ولم توقف حركة النمو والتنمية والتقدم الإيراني فـي المجالات العلمية والتقنية وحتى العسكرية. فالساسة الأميركيون المتطرفون الذين يعارضون الصفقة لديهم قواسم مشتركة مع نظرائهم الإيرانيين المتشددين أكثر مما يعتقدون.
والمفارقة ان السياسيين فـي واشنطن يعرفون أن العقوبات تضر بالشعب الإيراني أكثر مما تؤذي الحكومة الإيرانية.
كما أن رفع العقوبات لن يعرقل سياسة الولايات المتحدة فـي المنطقة، كما يردد السياسيون الذين يحرضون ضد إيران بسبب رفعها شعار «الشيطان الأكبر» بوجه الولايات المتحدة. هل فكر هؤلاء للحظة أنه ربما لو توقفنا عن خنق الاقتصاد الإيراني والمجتمع الايراني فقد يتغير هذا التصوُّر؟
من المحيّر فعلاً أن يقف بعض الديمقراطيين ضد الصفقة ولكن الدهشة تزول عندما نتذكر التصفـيق الحاد الذي قوبل به خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي.
قد نفهم موقف الجمهوريين الذين لا يريدون الاعتراف بأي انجاز لأوباما، لكن محاولة الديمقراطيين عرقلة إرث تاريخي لرئيس حزبهم هو أمر معيب ومريب ولا يبرره سوى شيء واحد هو الاستسلام للارادة الإسرائيلية، وربما السعودية، لانهما الطرفان الوحيدان المعارضان.
واذا عُرف السبب بطل العجب، خاصة عندما يكون السبب هو المال الانتخابي.
لقد وضع بعض السياسيين طموحاتهم السياسية فوق مصالح بلدنا والمثل العليا لحزبهم. فاسترضاء إسرائيل وجماعات الضغط والمصالح الخاصة التي تحصل على جدول أعمالها من تل أبيب لا تزال القوة الدافعة وراء «شكوك» الديمقراطيين حول جدوى الصفقة. على سبيل المثال، عضوة الكونغرس بريندا لورنس (ديمقراطية -ساوثفـيلد) ذكرت إسرائيل مرتين فـي بيان مقتضب قالت فـيه إنها سوف تراجع الإتفاق بعناية.
والمؤسف انه لم يوجد ديمقراطي أو جمهوري واحد يعارض الاتفاق باسم إسرائيل وبالنيابة عنها، قد امتلك الجرأة ليقول كلمة واحدة عن الترسانة النووية الخاصة بإسرائيل. فإذا كانت الأسلحة النووية فـي الشرق الأوسط تشكل تهديداً للأمن والسلام العالميين بشكلٍ عام فلا يجب ان يحوزها طرف إلا اذا اعتقد مشرّعونا اصحاب العقول الراجحة والعادلة ان القنبلة الذرية بيد اسرائيل فقط يمكن الوثوق بها. ثم ان دولة مثل باكستان مثلاً تملك الأسلحة النووية فلمَ لا يعارض الكونغرس ذلك، أم ان التبعية تلعب الدور الأكبر فـي لعبة الأمم؟!
اننا نتمنى أنْ يُصبِح الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وصولاً فـي نهاية المطاف إلى عالم منزوع الأسلحة الذرية.
ونحث أعضاء الكونغرس الاميركي ان يحكموا العقل والضمير فـي قرارهم والالتحاق بالركب التاريخي والتصويت بـ«نعم» على الصفقة للحفاظ على السلام والأمن فـي منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وكما كل مرة، ينبغي أيضاً أن يشارك أعضاء جاليتنا فـي هذه العملية الديمقراطية بإيصال أصواتهم الى ممثليهم فـي الكونغرس الأميركي وحضهم على المساهمة فـي ترسيخ السلام العالمي المنشود من كافة شعوب الأرض.
وفـيما يلي نورد أرقام هواتف مكاتب أربعة من مشرعي ميشيغن فـي الكونغرس الأميركي المعارضين للصفقة:
النائبة بريندا لورنس: 248-356-2052
النائبة ديبي دنغل: 313-278-2936
السناتور غاري بيترز: 517-377-1508
السناتور ديبي ستابينو: 202-224-4822
Leave a Reply