الحراك المدني والحماس الحزبي في لبنان يستثمران على الوقائع المتصلة بالضرائب المتضمنة لمشروع سلسلة الرتب والرواتب المطروحة أمام المجلس النيابي.
دون أدنى شك، فإن هذه الضرائب وزيادة الـTVA واحد بالمئة لِتصبح 11 بالمئة أمر سيطال كل مناحي الحياة وهو يأتي وسط زيادة مساحة الناس الذين يقعون تحت خط الفقر، وزيادة البطالة، ويضع لبنان –إضافة إلى ذلك– تحت ضغط أزمة اللاجئين والنازحين من الجوار العربي (فلسطين وسوريا) إلا أن الحقيقة هي أن لبنان يقع في الواقع أمام التهديد بإفراغه تشريعياً بدون التمديد للمجلس وعدم التوصل إلى قانون جديد للانتخابات وبالتالي التهديد بإخضاعه حكومياً، وهذا ما يجعل لبنان يقف على رجل واحدة رئاسة الجمهورية (و ربما ذلك ما هو مقصود) ولكن هذا الأمر يعيد لبنان سنوات إلى الوراء ليس إلى ما يشبه صورة عام 2014 وإنما على صورة لبنان عام 1989.
وطبعاً أنا أظهر ما استطعت سوء نية تجاه ما يجري، أنا مع الرئيس بري في تقديره للموقف والمعادلة التي رسمها: السلسلة «حق»، وعدم اقرارها استمرارٌ في سياسة الإفقار، ولكن عدم انتاج واقرار قانون جديد للانتخابات هو انتحار سياسي للبنان.
أعتقد أننا في لبنان صرفنا، بل حرقنا الوقت، ولم نكسب الفرصة لترسيخ استقرار لبنان وصياغة تفاهمات لحفظ نظامه السياسي. والآن انتهت الإجازة التي كانت ممنوحة للبنان واللبنانيين وكل من يقيم على الأراضي اللبنانية، ولم يعد متاحاً لنا إلا فرصة أخيرة للمبادرة والتفاهم على قانون انتخاب، وأن حال لبنان ستشبه حال الشرق الاوسط الذاهب إلى فدراليات وكونفدراليات. لذلك، بعد الآن، عندما نفتح أعيننا سوف لا يكون هناك من مجالٍ بعد لنُقَطِّع الوقت بالثرثرة والاحتجاج وبالغوص في بحور وسائل التواصل الاجتماعي والاستماع إلى آراء المحللين العباقره على برامج «التوك شو» حول الشؤون الدولية والإقليمية والعربية والمحلية تجاه مايجري على مساحة التوترات من بحر الصين إلى كوريا واليابان والقطب الشمالي، ومايجري في الخليج، والمعارك حول الحديدة والمخا وعلى الحدود السعودية–اليمنية، وما يجري في ليبيا من الهلال النفطي فيها إلى المدن الرئيسية، والمعارك حول الموصل في العراق والهجمات المضادة للإرهاب، وأبعاد تطورات الملف السوري على ضوء المحاولات الإسرائيلية–التركية لتحقيق أثمان للسلام السوري، إلى تكليف رئيس جديد ليرأس حكومة المغرب القادمة، إلى تطورات الأرض المحتلة وإحراج الأمين العام الجديد للأمم المتحدة للسيدة ريما خلف، الأمينة التنفيذية للإسكوا، وإخراجها، وصولاً إلى القلق الأردني.
في لبنان، حتى وقبل إقرار السلسلة حلقت الأسعار.
حكومياً، وزارة الاقتصاد أصدرت بياناً حذرت فيه من اللجوء إلى أساليب غير قانونية بهدف خداع المستهلك ورفع الأسعار بطريقة مصطنعة لتحقيق أرباح غير مشروعة، ولكن… في واقع الحال ارتفعت بعض اسعار المواد الاستهلاكية، والسائقون هددوا برفع أجرة الركاب رغم الانخفاض في السعر العالمي للمحروقات، و«الزودة» طارت قبل أن تُقرّ. وبصراحة، السلسلة التي أعرفها وأريدها، والتي كانت هيئة التنسيق النقابية تطالب بها، والتي كانت تسكن معي في نفس البناء (في بيت جاري حنا غريب قبل أن يصبح أميناً عاماً للحزب الشيوعي اللبناني) تختلف عن سلسلة الدولة شكلاً ومضموناً.. السلسلة جرى تشويهها.. واستبدالها..
السلسلة الجديدة للحكومة: يراد منها أن تمتص دمنا نحن الذين نعمل في القطاع العام، وتصادر دور المجلس التأديبي، وتزيد من ساعات الدوام، وتأخذ منا استحقاقات بدل الشتاء والصيف والتقنين في الكهرباء وشحّ المياه وتفرض رسوماً على فاتورة الهواتف.
رغم بعض الكلام الرسمي (الراديكالي) الذي يزايد على المحتجين فإن الحقيقه هي أنه: في النظام السياسي لا يقيم غير النظام.. والوزراء والنواب لا يمكن لهم أن يكونوا أولاد شارع مثلنا!
هم أحياناً يلبسون وجوههم الحزبية ويضجون في الشارع ولكن «يقطعون الحبل بنا في نصف البئر»، وهم (أول على آخر) سوف يصدقون على السلسلة وستقع «الكارثة» على رؤوسنا وسوف نصرف رواتبنا زائد زيادة الأسعار عند الدكّنجي واللحّام والفرّان ومحطة الوقود و.. وهؤلاء ليس ذنبهم لأن أسعار السلع زادت من المصدر.. المستورد.. تاجر الجملة (يعني متنفذ ما) ولا تستطيع وزارة الاقتصاد الاقتصاص منه لأن نظام العدالة في لبنان سياسي وغير مستقل، ووزارة الاقتصاد لا تملك قوة المنقذ، شرطة وجهازها الرقابي قليل وربما نحتاج إلى قرار حكومي بإضافة مهمات المراقبين الاقتصاديين ليتولاها الجيش إلى جانب الدفاع والأمن.
في كل الحالات أعود للسؤال: أين قانون الانتخابات؟
أنا أتوهم أنني في وطن فيه دولة لديها أدوار ومسؤوليات، وغداً ستصدر قانون الواحد والستين
غداً ربما ندفع ثمن الهواء…
يا أخي، نحن مثل وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الذي نفد صبره من كوريا الشمالية، نحن نفد صبرنا من دولتنا.. من أننا سنستمر ندفع ثمن ضرورة الدولة و«حبة مسك».. يعني ندفع «أتاوة» للسلطات وصولاً لـ«الڤاليه باركينغ» أكثر من ثمن فنجان المقهى (بالمناسبة من يقف وراء هؤلاء؟)
يا أخي بمناسبة كل هذا الفراغ والخواء، نوجّه عناية الدولة إلى أن الشعراء يتوالدون كالأرانب فلماذا لا تفرض ضريبة على الشعر! هكذا نحصر معايير الشعر والشعراء ونوقف هذا الإسهال الشعري.
Leave a Reply