بغداد – في وقت بدا المشهد السياسي العراقي متجهاً نحو التهدئة مع الإعلان عن تحديد موعد لمؤتمر المصالحة الوطني في منتصف الشهر المقبل ضرب الإررهاب مجدداً في بلاد الرافدين، فقد قتل ما لا يقل عن ٧٠ شخصا وأصيب ١٥٠ آخرون بجروح جراء سلسلة هجمات شهدها العراق، الخميس الماضي، بينها هجوم انتحاري في جنوب البلاد وانفجارات هزت العاصمة بغداد، وذلك في موجة عنف تتزامن مع تطورات الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد التي تأخذ بعداً مذهبياً يهدّد بعودة كابوس العنف الطائفي إلى البلاد.
وسقط نحو ثلثي القتلى في هجوم استهدف زوارا شيعة كانوا متوجهين سيرا على الأقدام إلى مدينة كربلاء بجنوب البلاد لإحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين.
وأوضح اللواء صباح الفتلاوي أن انتحاريا يرتدي حزاما ناسفا فجر نفسه وسط تجمع من الزوار في منطقة البطحاء غربي مدينة الناصرية (370 كلم جنوب بغداد) مما أسفر عن مقتل 36 شخصا على الأقل بينهم ضابط برتبة ملازم كان مسؤولا عن التفتيش، وإصابة 72 آخرين بجروح. وأضاف اللواء الفتلاوي أن “الانتحاري استهدف موكبا يقدم الطعام والخدمات للزوار أثناء نيلهم قسطا من الراحة قبل إكمال المسير، في ناحية البطحاء”.
وبدأ آلاف الشيعة من المحافظات الشيعية البعيدة التوجه سيرا على الأقدام إلى كربلاء للمشاركة في إحياء أربعينية الإمام الحسين التي تبلغ ذروتها بعد تسعة أيام.
وفي العاصمة بغداد سقط نحو ثمانين شخصا بين قتيل وجريح في سلسلة انفجارات هزت العاصمة، بينها انفجار سيارتين مفخختين. وتتزامن هذه الهجمات التي تعد الأكثر دموية منذ 22 كانون الأول (ديسمبر) الماضي عندما قتل نحو ٧٠ شخصا بسلسلة انفجارات وقعت في بغداد، مع أزمة سياسية مستمرة في العراق.
وتفاقمت الخلافات بين رئيس الوزراء نوري المالكي، وشركائه في القائمة “العراقية” التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، إثر إقامة دعوى على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بتهمة قيادة “فرق موت”، وكذلك مطالبة المالكي بحجب الثقة عن نائبه صالح المطلك إثر اتهامه للمالكي بـ”الدكتاتورية” و”الانفراد”، مما دعا وزراء ونواب قائمة “العراقية” إلى مقاطعة جلسات الحكومة والبرلمان.
فجر يوم جديد
وكان المالكي قد أعلن يوم السبت الماضي ميلاد فجر جديد مع احتفال العراق برحيل القوات الاميركية في حفل جرى وسط اجراءات أمنية مشددة ودون حضور منافسي المالكي الرئيسيين.
وكان يوم السبت هو نهاية سريان الاتفاقية الامنية الموقعة في 2008 أثناء حكم الرئيس الاميركي السابق جورج بوش وآخر يوم لانسحاب القوات الاميركية من العراق بعد نحو تسع سنوات من الغزو. وفيما عدا فرقة عسكرية صغيرة ملحقة بالسفارة الاميركية في بغداد غادر اخر جندي أميركي العراق قبل نحو أسبوعين من نهاية العام الماضي. وقال المالكي في حفل نقله التلفزيون وقد أحاط به مسؤولون أمنيون انه يعلن يوم 31 كانون الاول الذي اكتمل فيه انسحاب القوات الاجنبية من العراق عيدا وطنيا. وأضاف ان هذا اليوم هو “يوم العراق وعيد لكل العراقيين وفجر يوم جديد في بلاد ما بين النهرين”. وتابع المالكي انه سيعمل على الحفاظ على الحرية واحترام التنوع السياسي والفكري والديني. ولم يتطرق المالكي في كلمته الى الازمة السياسية الحالية ولم يذكر الهاشمي بالاسم لكنه قال انه “بعد اليوم لن يكون هناك مكان لمن يضعون قدما في العملية السياسية وأخرى في المنظمات الارهابية”.
ارتفاع عدد القتلى المدنيين
وفي إطار آخر، جاء في دراسة نشرتها منظمة “إحصاء جثث العراق” Iraq Body Count غير الحكومية ان عدد المدنيين الذي سقطوا في اعمال عنف بالعراق في عام 2011 سجل ارتفاعا ضئيلا مقارنة بالعام الذي سبقه. وجاء في التقرير الذي تنشره المنظمة سنويا ان 4095 مدنيا قتلوا جراء اعمال العنف في عام 2011 مقارنة بـ3976 في عام 2010. وبهذا يرتفع عدد المدنيين الذين قتلوا جراء اعمال العنف في العراق منذ الغزو والاحتلال الاميركي عام 2003 الى اكثر من 144 الف قتيل حسب المنظمة، لكن تقديرات أخرى تؤكد أن الرقم الحقيقي يفوق ذلك بكثير.
أميركا تسلّح العراق بـ11 مليار دولار
وفي سياق آخر، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الإدارة الأميركية تتجه لإتمام برنامج أسلحة وتدريب للشرطة العراقية بقيمة 11 مليار دولار، الأمر الذي يعتبره المراقبون محاولة من واشنطن لتثبيت وجودها في العراق.
وأوضحت الصحيفة الأميركية أن المساعدة العسكرية تتضمن طائرات مقاتلة (أف-16) ودبابات حربية، “تنوي أميركا تسليمها للحكومة العراقية بغية مساعدتها في حماية حدودها وإعادة بناء الجيش”، الذي كان يعتبر قبل حرب الخليج واحداً من أكبر الجيوش في العالم. وأعلنت الصحيفة أن “صفقات بيع الأسلحة، التي تمّ تنفيذ البعض منها بالفعل، تمضي قدماً برغم المخاوف المثارة عن مساعي المالكي للاستحواذ على السلطة، والذي ضرب عرض الحائط بالائتلاف الحكومي الذي تدعمه واشنطن”، موضحة أن “الولايات المتحدة تهتم بتدعيم الجيش العراقي للاحتياط ضد النفوذ الإيراني، بما يمنعها من الالتفات إلى مخاوف المسؤولين، العراقيين والأميركيين، من أن تأتي الخطوة بنتائج عكسية، إذا اقتربت حكومة بغداد في نهاية المطاف من إيران أكثر من واشنطن”.
Leave a Reply