على عكس الكثيرين الذين يعزون الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة إلى انتشار الخطاب المعادي للعرب والمسلمين في وسائل الإعلام الأميركية، تعزو الباحثة الأميركية المتخصصة في دراسات الشرق الأوسط ميليسا ليفنسون هذه الظاهرة إلى المناهج المدرسية التي تكرس لدى طلاب الثانويات «مفاهيم خاطئة حول الشرق الأوسط والعقيدة الإسلامية».
وفي مقالها الذي نشره موقع «هافبوست» الإلكتروني، تؤكد الباحثة على أن كتب التاريخ في المدارس الأميركية تختصر الصورة العربية والإسلامية بسردية نمطية تسير على النحو التالي: في العصور الوسطى شهد الشرق الأوسط حضارة متطورة ومزدهرة، ولكن بسبب العجز عن التحديث، انزلقت المنطقة إلى الفوضى والاضطهاد والعنف! وهذه السردية التاريخية عدا عن أنها تقلل من شأن الشرق الأوسط فإنها تفشل في تفسير الواقع المعاصر في تلك المنطقة.
وتميل كتب التاريخ في المدارس الأميركية إلى تحطيم العرب والمسلمين عبر تقديمهم كأجانب مناهضين للروح الوطنية الأميركية، على الرغم من أنهم مواطنون متكاملون مع بقية الأميركيين، منذ ما قبل استقلال البلاد.
وبحسب ليفنسون، تفشل تلك الكتب في الاعتراف بمساهمات العرب والمسلمين الجليلة في مختلف جوانب الحياة الأميركية، لاسيما وأن الطلاب الأميركيين «لم يتعلموا أنه لولا عبقرية وابتكار العربي الأميركي ستيف جوبز فلن يكون لدينا اليوم «آي فون» ولا «ماك بوك»، كما أنهم لم يدرسوا أن الملاكم الأميركي المسلم محمد علي كان مدفوعاً بعقيدته الإسلامية في تكريس حياته للعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية»!
تؤكد ليفنسون على أن حجب المناهج الدراسية للحقائق، يجعل العرب والمسلمين متناقضين مع الهوية والثقافة الأميركية من خلال تصويرهم كشعب مستبد ومعاد للديمقراطية، لتبرير عدوانية الولايات المتحدة تجاههم «من أجل ضمان الديمقراطية والسلام في العالم».
وتشدد على أن تصوير الكتب المدرسية للعرب والمسلمين ليس محايداً وليس أميناً للحقائق التاريخية، كما أن تلك المناهج –كصناعة هادفة للربح– يرتبط إنتاجها بالقوى السياسية والاقتصادية التي تؤثر على محتوى وتوزيع كل كتاب مدرسي، فالناشرون الذين يتوخون زيادة أرباحهم يسعون لمغازلة الأسواق الكبيرة، مثل تكساس، حيث توافق لجنة من الولاية على قائمة الكتب المدرسية التي يمكن أن تختارها المناطق التعليمية.
وتستخدم 19 ولاية هذا النظام، معظمها في الجنوب والغرب الأميركي، كآلية لتبني الكتب المدرسية، وعلى الرغم من أن لجان اختيار المناهج مكلّفةٌ فقط بتقييم الكتب المدرسية من حيث صحة الحقائق ومطابقة معايير العلوم الاجتماعية المعتمدة في الولاية، إلا أنها تقوم في الواقع بتقييم مدى توافق «السرديات» الواردة في الكتب المدرسية مع القيم الإيديولوجية والدينية لأعضائها، وفقاً لليفنسون.
وتعتبر الكتب المدرسية وسيلة أساسية لتشكيل مفاهيم الطلاب الشباب وآرائهم غير المتسامحة مع العرب والمسلمين، وهذا ما يفسر ارتفاع معدلات جرائم الكراهية إلى مستويات غير مسبوقة، بلغت ذروتها في 2016، وفقاً لليفنسون التي تؤكد على أنه «لاتزال لدينا الفرصة لإعادة تشكيل تلك السرديات، برغم أن عمليات إنتاج الكتاب المدرسي واعتماده تتخللها ضغوط سياسية عديدة».
وتوصي الباحثة أولياء الأمور بالاطلاع على محتويات الكتب التي تفرض على أبنائهم، والتواصل مع الدوائر التربوية المحلية للعمل على مكافحة المواد المغذّية لخطاب الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب.
الطلاب الأميركيون بمن فيهم أبناؤنا العرب يستحقون الحصول على معرفة دقيقة لتاريخ منطقة الشرق الأوسط، والفهم الحقيقي لعقيدة تعرضت للتشويه الممنهج على مر حقبات التاريخ، لأن الجهل بالحقائق، لن يؤدي إلا إلى مزيد من سوء الفهم والكراهية، وتأجيج نار الإسلاموفوبيا.
Leave a Reply