أرنود فان دورن عضو البرلمان الهولندي وعضو مجلس مدينة لاهاي الشهيرة بمحكمتها الدولية، كان من أعتى عتاة حزب غيرت وايلدرز الموتور الحاقد بشدّة على الاسلام والذي أهان القرآن العظيم ودافع بلا هوادة عن رسّام الصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول الأعظم. أٓرنود النمرود هذا كان يضاهي معلمه وايلدرز في الكره الشديد للمسلمين ويدعو لطردهم من هولندا. لكن موقفه المتطرف أجبره على درس الدين الإسلامي وحقيقته إلى أن أدَّى به الأمر، الأسبوع الماضي، الى الإعلان الصّاعق عبر موقعه على «تويتر» أنه اعتنق الإسلام الذي أفنى شبابه في محاربته!
ليس هذا هو موضوعنا، آنياً على الأقل، لكن التغيير الانقلابي السالف يطرح سؤالاً جوهرياً: هل توجد أقل من معجزة إلهية تغيِّر إنسانا بهذا العداء رغم وجود «مناظر إسلامية» خلّابة هذه الأيام مثل أشكال الأسير ودقماق والشهال والجوزو وفستق وجماعات «التكفير والهجرة» و«القاعدة» والسلفية وجبهة «النصرة» وقاطعي الرؤوس ووعاظ السلاطين من أمثال القرضاوي ومفتي الديار السعودية؟! هل هذه الأشكال المرعبة من ذقونٍ أطول من الميل الثامن، ونظراتٍ من عيونٍ مرعبة ومحمرة، توحي بالدعوة للإسلام أو بالورع والإيمان؟
إنّها معجزة أن يتحول المرء الى دينٍ آخر وهو يرى أدعياء هذا الدين، أي دين، وقد اصبح العوبةً في ايديهم و«عدَّة الشغل» الضرورية. لقد كرَّهوا الناس من الدين بعد أن أضحى من خلالهم أداةً للقتل وإسالة الدماء وزهق الأرواح البريئة التي حرَّم الله قتلها، ووسيلةً للدمار والخراب والتفرقة والفتنة والبلبلة وصرف الأنظار عن العدو الحقيقي المتربِّص بالأُمَّة. كل هذه الصفات «الحميدة» يتمتع بها أحمد الأسير الذي تحول إلى قاطع طريق وجيَّش، عن طريق الشحن المذهبي، بعض ضعاف النفوس لكي يكونوا وقودا وحطباً في معركته الفاشلة! حتى أن داعي الإسلام الشهَّال، أبا السلفية في لبنان، منذ كان الأسير يلعب «الكلّة»، أصبح يقلد هذا الطارئ على العمل الاسلامي حتى يعوم على سطح الماء ويجمع حوله المفتونين بالفتنة! فالموسم هو موسم فتن مذهبية والربح مضمون!
إنّ الإسلام ليس سيفاً أو مقصلة، إنّه دين المحبة والحياة، والإسلام الذي جوهره الرحمة ومكارم الأخلاق أين هو اليوم وقد «وقع» بيد من نصَّب نفسه مكان الذَّات الإلهية، والعياذ بالله، يحِّلل ويحرِّم ما يشاء ويعيِّن نفسه قاضياً ومدَّعياً عاماً ومنفِّذاً للإعدام كما تفعل جماعات التكفيرفي سوريا؟! أليس الإسلام هو دين الاعتدال والعقل والوسطية (طبعاً غير وسطية ميشال سليمان ونجيب ميقاتي ووليد جنبلاط، بلاقياس وتشبيه). أليس الإسلام هو النأي عن التآمر على باقي المسلمين كما تفعل اليوم علناً جامعة «الخربة» العربية وهي تقر إرسال أسلحة نوعية للجماعات المعارضة في سوريا مما يعني المزيد من الموت والدمار في بلدٍ عربيٍ أبيّ؟ كم كان مشيناً موقف الأنظمة العربية «الربيعية» وهي تمعن عن سابق تصورٍ وتصميم في طعن سوريا في قلبها ولم تحتمل مع جماعتها الذيلية في لبنان موقف وزير الخارجية المشرِّف، عدنان منصور، المطالب بإعادة عضوية سوريا! وكم كان معيباً، كالعادة، موقف «نجيب الحريري» الناعق بنفسه والغاض الطرف عن استخدام لبنان رأس حربة ضد سوريا!
بالعودة الى صيدا، يتساءل المرء ما هوسرُّ هذا الحشد حول الأسير الذي بزَّ وأرعب معظم علماء طائفة كريمة مشهودٌ لها بوجود عقلاء وحكماء معتدلين غير متهوِّرين، ولماذا يتركون هذا المشبوه المشوِّه لتاريخهم، يصول ويجول بتحريك الفتنة بين المسلمين من دون أن يردعوه عن غيِّه؟ الم يبقَ غير الشيخ الجليل ماهر حمّود ليتصدى لهذا الساعي إلى عملية التطهير العرقي، وإبعاد من قدَّموا الدماء في سبيل وطنهم ووُجدوا في مدينتهم صيدا حتى قبل أن يولد؟ منذ زمنٍ ليس ببعيد، حاول معلِّم حليفه في «معراب» القيام بالشيء نفسه وبمساعدة دولة العد وبكل إمكاناتها ولم يفلح فعادت المناطق مفتوحةً على بعضها البعض ودفن المشروع الصهيوني الطائفي حتى عاد اليوم يذر بقرنه مع «دونكيشوت» صيدا. السرُّ في التفاف الحشود حول الأسير، للأسف، يعود إلى لسانه النزق السليط الذي يتناول فيه المقاومة بالسباب والشتائم. ذلك، أن المليارات الأميركية-الإسرائيلية السعودية لتشويه صورة المقاومة لم تذهب كلها سدىً والمقاومة أصبحت مكسر عصا للجميع لانها متَّهمة بالتصدي للعدو وإعادة الإعتبار لإنسانيتنا التي دمَّرتها إسرائيل. الأجدى بالعلماء الذين يدعون اليوم الدفاع عن كرامة طائفتهم، وهي لم تُمسْ أبداً، أن يدافعوا عن كرامة المقاومة التي لولاها لما وُجد وطنٌ ولا طائفة تقطن فيه.
الجيش أُعطي الضوء الأخضر لمعالجة ظاهرة الأسير ربما بعد فوات الأوان، وبعد أن مُرِّغت هيبته في التراب حيث يُقتل جنوده في عرسال ويُمثَّل بجثثهم لكن الحجيري يبقى حراً طليقاً، ويُلقى القبض على «بادي غارد» (حارس) الشهَّال فتُقطع الطرقات ثم يُطلق سراحه من بين يد الأمن. والمضحك في الموضوع هو كثرة المرافقات الأمنية لقبضايات آخر زمن، فمما يخافون؟ والمضحك أكثر أن رأسي الدولة مهتمَّان بالمهل الدستورية للانتخابات حسب قانون وُضع في العصر الحجري وبالامس نقلوا المولوي من السجن بسيارة وزير وتركوه مرّةً ثانية بعد ضبط أسلحة في سيارته أثرَ زيارةٍ قام بها للأسير، فما سرُّ هذه الحُظوة لإرهابي معروف؟! الحكم نائم بينما الدنيا «قايمة قاعدة» اقتصادياً وعمَّالياً وسياسياً وامنياً وإذا استمر الحال على هذا المنوال لن يكونَ هناك بلدٌ تجري فيه انتخابات ولا من ينتخبون!
Leave a Reply