كمال ذبيان – «صدى الوطن»
في اليوم الذي كُلّف فيه الدكتور حسان دياب، لتأليف الحكومة، مشكّلاً مفاجأة للقوى السياسية، كما «للحراك الشعبي»، وصل إلى لبنان وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، الذي كان سفيراً لبلاده في لبنان، ويعرف تفاصيل الوضع السياسي، وله علاقات مع قوى سياسية وحزبية، لاسيما من «14 آذار» المرتبطة بالمحور الأميركي–السعودي، وهذا أمر معلوم، منذ سنوات، وتحديداً في العام 2005، عندما احتشدت تلك القوى تحت ما سُمي «ثورة الأرز» عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في 14 شباط من ذلك العام.
كانت الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش الابن، حينها، تطرح مشروعها «للشرق الأوسط الجديد»، وتعميم «الديمقراطية»، فتلاقت المصالح السياسية لهذه القوى المحلية، مع المشروع الأميركي، في مواجهة الوجود السوري الداعم للمقاومة في لبنان، والذي كان لا بد من إخراجه منه، فكان القرار 1559 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في 2 أيلول 2004، وهو القرار الذي وصفته أحزاب وقوى سياسية في محور المقاومة، بأنه مشروع فتنة في لبنان، وهي الفتنة التي نجت منها البلاد مرات عدة، بسبب صمود المقاومة وحلفائها بوجه العدوان الإسرائيلي صيف 2006، ثم قلب الموازين الداخلية، في 7 أيار 2008، وإعادة التوازن السياسي الذي أختلّ لصالح 14 آذار، بعد نيلها الأكثرية النيابية من خلال التحالف الرباعي الذي قام بين كل من: حركة «أمل» و«حزب الله» من جهة، و«تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» من جهة ثانية.
التدخل الأميركي
منذ العام 2005، والإدارات الأميركية المتعاقبة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، فإن لبنان بنظرها، هو ساحة يجب أن لا تخرج من تحت عباءتها، وهذا ما كشفه الدبلوماسي الأميركي والسفير السابق في لبنان، جيفري فيلتمان في شهادته أمام لجنة شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس النواب الأميركي، بأنه لا يمكن الانسحاب من لبنان وتركه للروس والصينيين والإيرانيين والسوريين، وبالتالي إخراج لبنان من ارتباطاته بالمشاريع الغربية عموماً.
وقد أكّد وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو بأنه لن يسمح لإيران و«ذراعها في لبنان» (حزب الله)، أن يسيطر على القرار فيه، وهو ما يلتقي مع موقف السعودية التي ترفض أن تكون بيروت تحت النفوذ الإيراني،
كما أبلغ مسؤولون أميركيون وآخرون أوروبيون وخليجيون، قيادات لبنانية رسمية وسياسية، رفضهم تشكيل حكومة، يشارك فيها «حزب الله»، المصنّف «إرهابياً»، بجناحيه السياسي والعسكري، وهو ما يفسّر الدور الأميركي السلبي في لبنان، الذي وضعته واشنطن أمام عقوبات مالية موجهة إلى «حزب الله»، والتي طالت القطاع المصرفي، مما أوقع اللبنانيين في أزمة مالية، مع الإنكماش الاقتصادي، وتفاقم الوضع المعيشي، في ظل تحذير صدر عن مسؤولين لبنانيين، من أن المجاعة قادمة، وهو ما أعلنه الرئيس نبيه برّي، وتبعه وليد جنبلاط، وأكّد عليه وزير المال علي حسن خليل مشيراً إلى أن الانهيار قد يحصل بحلول شباط المقبل.
تشكيل الحكومة
ومع التحذيرات والتهويلات من حصول انهيار مالي واقتصادي في لبنان، بسبب قلة السيولة، باشرت المصارف، بتقنين تسليم الأموال إلى المودعين، الذين باتوا يخشون خسارة مدخراتهم، وسط حملة من المعلومات المتناقضة حول الوضع النقدي واحتمال إفلاس المصارف، وفي ظل التصنيفات السلبية التي تذيعها المؤسسات الإئتمانية الدولية دورياً.
المشهد أربك اللبنانيين، الذين ارتفعت بينهم نسبة الفقر إلى 60 بالمئة وفق بعض التقديرات، حيث لجأت بعض المؤسسات التجارية إلى الإقفال فيما لجأ بعضها الآخر إلى تسريح الموظفين أو تخفيض رواتبهم.
وأمام هذا كله، بات يتحتم الإسراع في تشكيل حكومة لإنقاذ الوضع المالي والاقتصادي، وهو أكثر ما يؤرق المواطنين الذين تقدّمت همومهم المعيشية والاجتماعية، على ما عداها، وقد خرجت أعداد غفيرة منهم إلى الشوارع والساحات، للمطالبة بوقف الفساد والهدر، واسترداد المال المنهوب، وإسقاط رموز السلطة الفاسدة، وهذه عناوين يتمسّك بها «الحراك الشعبي» الذي لا يرى في الدكتور دياب رجلاً مؤهلاً لحل الأزمة، بل ينظر إليه البعض كأحد الرموز الفاسدة من خلال توليه وزارة التربية، وقد شنّت عليه حملة لكشف مكامن الفساد في أدائه، ومنها طباعة كتاب حول نشاطه الوزاري، وعن وساطة لتوظيف ابنه، وتسمية مدرسة باسم أمه.
ولكن رغم ما قيل بحق دياب إلا أن الاتهامات التي وجهت إليه لا ترقى إلى مستوى الارتكابات التي اشتهر بها سياسيو لبنان الذي تحوّل إلى «مزرعة»، بسبب الإدارة السيئة لمن تولوا السلطة فيه، وتقصير القضاء في ملاحقتهم، وغياب الدور الرقابي لمجلس النواب.
شكل الحكومة
أمام دياب مهمة شديدة التعقيد بحيث بات تشكيل الحكومة، يخضع لمعايير مختلفة، يجب أن تتطابق مع ما يطمح إليه المنتفضون من أن يروا حكومة كفوءة من أصحاب اختصاص وسيرة مهنية وشخصية حسنة، وهذا ما وعد به رئيسها المكلّف، الذي أكّد على تشكيل حكومته من المستقلين والاختصاصيين، والتي لن يدخلها «تيار المستقبل» كما اعلن رئيسه سعد الحريري، ولن تكون من لون واحد، كما يقول تحالف «حزب الله» و«أمل» و«التيار الوطني الحر»، بل أكّدوا استعدادهم لتسهيل قيام حكومة مدعومة سياسياً لتحصينها، ولن تكون حكومة «حزب الله»، كما يتّهمها البعض داخل لبنان وخارجه، لأن «الثنائي الشيعي» أصرّ على الرئيس الحريري أن يترأس الحكومة، كما طالباه بتسمية اسم بديل غيره، ووجها له الدعوة للمشاركة في الحكومة الجديدة، لكنه رفض، وحرّك شارعه مذهبياً وضد الجيش، مما أثار غضباً واستياءً من هذا التصرّف اللامسؤول الذي حاول التنصّل منه لاحقاً، لكنه لم يتمكّن من تبرئة نفسه تماماً، وهو صاحب سوابق في هذا الإطار، إذ بعد ترؤس نجيب ميقاتي للحكومة عام 2011، أشعل «المستقبل» معارك لعشرين جولة قتال بين جبل محسن (العلوي) وباب التبانة (السُّني)، في طرابلس، ولم تهدأ إلا بعد استقالة ميقاتي، وهو ما قد يحاول الحريري أن يكرره بقطع الطرقات، لمنع دياب من تشكيل الحكومة، وفرض الاعتذار عليه، وتحريك دار الفتوى ضده، بالإيعاز إلى المشايخ لمنع إسقاط «السّنّية السياسية» الممثلة بالحريرية، واعتبار الميثاقية ناقصة في الحكومة.
لكن يظهر بأن حسابات الحريري غير دقيقة هذه المرة أيضاً، لأن ردود الفعل الدولية، جاءت لترحب بتشكيل «حكومة فعالة»، كما أن السعودية ودولاً خليجية أخرى لم تعلن مواقف سلبية، إضافة إلى أن المبعوث الأميركي هيل صمت، وأعلن عن أن بلاده مع الإسراع في تشكيل الحكومة، وهو ما صدم الحريري، كما رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي رأى في تكليف دياب، انتصاراً لمشروع قوى «8 آذار»، وتنكيلاً بفريق «14 آذار».
دياب لن يعتذر
بعد صدور المواقف الدولية والغربية التي وصفت بالإيجابية من تكليف دياب، الذي عمل في دولة عمان كأستاذ جامعي، وأسس جامعة فيها، وهي الدولة التي تلعب دور الوسيط بين أميركا وإيران منذ سنوات، كما في أزمات عربية وخليجية، فإن معلومات تسرّبت عن اسم دياب –الذي ظهر في لائحة الجامعة الأميركية التي قدّمت للقصر الجمهوري لاختيار رئيس للحكومة مستقل واختصاصي– جاء مطابقاً للمواصفات التي قد تلقى الترحيب من أغلبية الحراك الشعبي، وأن اسم الرئيس المكلّف هو حصيلة تقاطع أميركي–إيراني، مع عدم رفض خليجي، لم تكن مسقط بعيدة عن تسويقه.
كل هذا جعل الحريري يبدي مرونة معه، مظهراً موافقته على تسهيل مهمة دياب، وإن لم يسمّه، وهذا الموقف نتيجة إشارات وصلت إلى «بيت الوسط»، أن الحكومة باتت ضرورية بعد اعتذاره عن ترؤسها مع إعطائه الوقت الكافي كما أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومسؤولون غيره، كي يصعد لبنان من الهاوية التي ينازع فيها، وأن المرحلة الحالية هي للإنقاذ المالي والاقتصادي، حيث ابتعد هيل عن البحث في مواضيع سياسية تتعلّق بترسيم الحدود البحرية والبرية، واستخراج النفط، ولا لسلاح المقاومة، وهذا ما لجم اندفاعة الحريري الشارعية، في الوقت الذي بدا يتقلّص وجود الحراك في الساحات، التي حاولت احتلالها قوى طائفية ومذهبية، ومنها محازبو وأنصار «المستقبل» الذين حضروا للمطالبة بحقوق «السّنّة»، وقد سبقتهم شعارات «شيعة شيعة»، في وقت تحرّكت أحياء طائفية ضد أحياء أخرى، وهو ما أقلق اللبنانيين من عودة الحرب الأهلية.
نهاية عام سيء
يختم العام الحالي نهايته على وضع سيء في لبنان، الذي يعيش مخاضاً، لولادة حكومة يؤكّد رئيسها المكلّف أنه أعطى نفسه حوالي شهر أو أكثر قليلاً، لتشكيلها، من خارج وجوه سياسية وحزبية، وستكون شبيهة له، باستقلالها مع احتضان سياسي لها، من خلال الكتل النيابية الوازنة التي سمّته، وهي من خط المقاومة، بحيث يكون الوزراء من أصحاب اختصاص، وهي تجربة سبق للبنان أن عرفها، في بعض حكومات ما قبل الطائف، وعلى الحكومة التي يسعى إليها دياب، أن تكون مقبولة عربياً ودولياً، لتأتي المساعدات المالية إلى لبنان، لاسيما وعود مؤتمر «سيدر» الذي أعلنت فرنسا، أيضاً، أنه غير مرتبط بوجود الحريري في رئاسة الحكومة.
يودّع اللبنانيون عاماً قاسياً، على أمل أن تولد لهم حكومة إنقاذ، فهل تتحقق أمنيتهم؟
Leave a Reply