اعتاد اللبنانيون على الاضرابات، لكن جديد البلد الصغير الذي ما فتئ يكسر الأرقام القياسية في موسوعة «غينيس» تظاهرة غير مألوفة لرؤساء الدوائر الرسمية وموظفي القطاع العام، بعد عقود من الصمت.
يمكن القول ان الدولة تظاهرت ضد نفسها هذه المرة، احتجاجا على عدم اقرار سلسلة الرتب والرواتب. وبغض النظر عن فعالية التظاهرة ومدى قدرة الموظفين على الاستمرار في حركتهم الاحتجاجية، فإن الأهم في الحدث كان مشهد الارتباك الذي ساد وجوه أركان الدولة في معرض تعليقهم على هذا «العصيان» الرسمي!
المتظاهرون الذين ساروا من ساحة البربير وحتى مقر الحكومة في السراي لم يحصلوا على اجابات شافية حول مطالبهم، بل خرج من ينتقد هذه الخطوة مدافعا بأن «الدولة لا تخضع لمنطق الضغط».
واذا كان موقف رئيس الحكومة وفريقه مفهوما، فإن سكوت أطراف رئيسية في الأكثرية الحاكمة عن تحرك الموظفين يطرح اسئلة لا يمكن اغفالها عن جدوى التحالف الأكثري والتغيير الحقيقي الذي أحدثه استلام قوى المقاومة والاصلاح للحكم.
ورداً على قول ميقاتي إن كسر هيبة الدولة أمر غير مقبول، قال عضو هيئة التنسيق النقابية ورئيس «رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي» حنا غريب إن «هيبة الدولة تُكسر عندما تعد ولا تفي»، لافتا الانتباه الى أن الرئيس ميقاتي «وعدنا بالاستجابة لمطالبنا ولكنه لم يف بوعده، إذ تبين أنه كان يقول لنا شيئا ويفعل شيئا آخر».
وكشف أن رئيس الحكومة، وخلال إحدى جولات التفاوض معه، «هو الذي نصحنا بأن نقاطع تصحيح مسابقات الامتحانات الرسمية إذا حصل خلل في تلبية مطالبنا، حيث عرض علينا يومها أن نستمر في مراقبة الامتحانات، مقترحا مقاطعة التصحيح لاحقا، كضمانة لنا، حتى نثق في ما يطرحه، فلما تراجع عما سبق أن طرحه نفذنا الاتفاق معه، وقاطعنا التصحيح».
وشدد على أن التحرك مستمر حتى تعديل قيمة الدرجة للمعلمين، للحفاظ على حق مكتسب لهم لقاء الزيادة في ساعات العمل، ومساواة الأساتذة المتعاقدين بغيرهم لناحية نسبة الزيادات، وإقرار سلسلة الرتب والرواتب.
في هذا الوقت، اعتبر الرئيس ميشال سليمان في كلمة ألقاها خلال حفل الافطار الذي أقامه في قصر بعبدا، الأسبوع الماضي، أنّ مصلحة لبنان العليا والحاجة لحماية السلم الأهلي وإبقاء البلاد بمنأى عن التداعيات السلبيّة للأحداث الجارية في محيطنا تفرض من جميع الفرقاء الإقبال على الحوار بعقل وقلب منفتحين حول مختلف المسائل الخلافيّة، والتخلّي عن مواقفهم المسبقة التي أعلنت، أن لهجة رفض مناقشة الموضوع الأساسي والوحيد المدرج على جدول أعمال هيئة الحوار، أو لجهة طلب إقرار هذا الموضوع قبل مناقشته في هذه الهيئة التي تشكّل مظلّة واقية للواقع القائم، موضحا انه سيعاود اتصالاته وجهوده لضمان استئناف أعمال هيئة الحوار الوطني في السادس عشر من آب (أغسطس) المقبل، محمّلاً جميع الأفرقاء مسؤوليّة أيّ تخلّف عن المساهمة الجادّة في تذليل العقبات، وتلافي الأزمات، وتبـديد المخــاوف، من خـلال سلوكيّات الحوار وقواعده وآدابه.
موقف الرئيس سليمان جاء بعد اعلان قوى «١٤ آذار» رفضها المشاركة في الحوار، ما أدى الى تأجيل الجلسة المقررة هذا الاسبوع الى ١٦ آب.
وفي موازاة الحوار المعلق، لفتت الانتباه مبادرة رئاسية غير مسبوقة في تاريخ العلاقات اللبنانية السورية، وتمثلت في طلب رئيس الجمهورية الى وزير الخارجية عدنان منصور، تسليم السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، كتاب احتجاج الى السلطات السورية حول حادثة اجتياز الحدود، وتفجير منزل في منطقة القاع، وتكرار سقوط قذائف على قرى حدودية لبنانية، وخصوصا في منطقة الحدود الشمالية، كما جاء في بيان صادر عن القصر الجمهوري، علما ان السفير السوري في بيروت عبد الكريم علي استغرب هذه الخطوة مشيرا الى عشرات الخروقات من الجانب اللبناني.
على صعيد آخر، بقيت قضية المياومين ترخي بظلالها على العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«الثنائي الشيعي» وخصوصاً الرئيس نبيه بري، وسط مساع من «حزب الله» وئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لحل المشكلة، من دون ان يتم التوصل الى حل نهائي حتى الساعة.
وفي سياق آخر، يزداد الغموض الكبير الذي يحيط بقضية الزوار اللبنانيين المخطوفين في سوريا على يد مجموعة سورية معارضة مسلحة، حيث تتفاعل الأحداث المرتبطة بهذه القضية الخطيرة بشكل كبير مفتوح للتطورات.
ولعل الأبرز على هذا المسار، كان إقدام مجموعة لبنانية تطلق على نفسها اسم «سرية المختار الثقفي» على اختطاف معارضين سوريين في منطقة البقاع، وذلك لمبادلتهم بالمخطوفين اللبنانيين في سوريا، لكنها سارعت إلى إطلاق سراحهم بعدما تبين لها أنهم ليسوا من المعارضين السوريين.
Leave a Reply