مريم شهاب
ليست المسألة، مسألة تديّن أو إلحاد أو نظافة أو قلّة اهتمام. المسألة هي معركة وعي وإدراك أن العالم بأكمله عاجز ومذهول أمام فيروس، مثل ذرة غبار في الهواء أدخلت البشر في أتون مرض، المصاب به لا علاج له.
هناك ظاهرة متنامية في الإعلام المسموع والمرئي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي في زمن التباعد الاجتماعي، وهي تكاد تصبح أمراً مسلماً به ولا سبيل إلى النجاة منها. فما هي هذه الظاهرة؟
إنها التحليلات للحدث الجلل، والتي تحولت خلال الأسابيع الأخيرة إلى «هوشة قايمة قاعدة» على الإذاعات وشاشات التفزيون والهواتف بكل ما عليها من تطبيقات «تويتر» و«فيسبوك» و«إنستغرام» و«يوتيوب»، حيث تجرى المقابلات المهمة حول فيروس كورونا وأسبابه، وهل هو حقيقة علمية أم خدعة سياسية خرجت عن سيطرة حيتان السلطة والمال، هل هو غضب إلهي أو من فساد الإنسان وانحطاط ذوقه في الأكل والمسلك؟
أسئلة عديدة مديدة شديدة، يطرحها مذيعون ومذيعات عرب، بركاكة وميوعة معتادة دون تركيز على حروف الكلمات، ولا في طريقة لفظها. ويسألون كل من هب ودب، وأحياناً الجار والجارة وأهل الحارة، ومن قليلي العلم الذين كنزوا وجمعوا معلوماتهم من أقرب السبل وبأسرع الوسائل، أو من الذين صعدوا وقعدوا وصاروا «نشطاء»، هكذا على مزاجهم، وعلى ألسنة المذيعات وتجار الإعلانات، فماذا سمعت عن «هوشة كورونا»؟
معظم ما تسمعه، أيها القارىء العزيز، هو مزيد من التفاهات التي يستطيع كل من له عين ترى وأذن تسمع أن يكتشف الهذيان الذي يستبد بمعظم وسائل الإعلام، هذه الأيام، ويملأ أوقات الناس بالمواعظ والترهات السخيفة، تماماً مثل البصّارين والبرّاجين في مطلع كل عام.
هذه السنة مثلاً، هل سمعت أحداً منهم أتى في توقعاته على ذكر الفيروس العالمي الذي أدخل سكان الأرض في متاهة الهلع والخوف والحجر الصحّي؟
والتفاتاً إلى ما نحن فيه من الابتعاد عن الموضوعية والنظر إلى الأمور بجدية ووعي، ففي هذا المناخ الملوّث بكل ما يدعو إلى التشاؤم، هناك من يقول إن كورونا جعل الملايين تعود إلى التديّن، والإيمان الراسخ بأن آلهتهم التي هجروها وتركوا عبادتها هي الملجأ الوحيد والمخلص العجيب من المرض، وبات الكثير من المتديّنين، أتباع الديانات كلها تقريباً، يهملون التحذيرات الطبية للحد من انتشار الوباء والوقاية منه.
المؤمنون الحقيقيون بأية عقيدة أو دين، وبينهم المسلمون، لا بدّ أن يثقوا بأن الله الذي نعبده، قال بما معناه: أعدّوا ما استطعتم من العلم.. في الطب والاقتصاد والصحة… لم يقل لنا سبحانه، عند المصائب والشدائد خذوا المصاحف وسيروا في الطرقات، صارخين الله أكبر. لم يقل اعتصموا بقبر الرسول محمد حيث لن يأتيكم الفيروس. لم يُنزل في وحيه أن مقامات الأولياء والأئمة طاهرة ومطهّرة من الفيروسات. الأنبياء والأولياء كانوا عرضة للبلاء، فلا داعي لكل الفتاوى الدينية أو الهذيان الدنيوي على وسائل التواصل الاجتماعي.
إنها مسألة وعي. إن كنت مؤمناً أو غير مؤمن، التزم بما يقوله المختصون في العلم الحقيقي. لن يهرب منك الفيروس ولن يبتعد عنك كورونا، إذا خرجت من بيتك إلى هنا وهناك، بدون داع، قائلاً في قلبك: الله أكبر على كورونا!
Leave a Reply