واشنطن
أصبح الإغلاق الجزئي للحكومة الأميركية هو الإغلاق الأطول في تاريخ البلاد، منذ منتصف ليل السبت الماضي. ورغم مرور نحو أسبوع إضافي على الفترة القياسية السابقة، لايزال أفق الحل في واشنطن مسدود مع استمرار تعطيل نحو ربع إدارات الحكومة الفدرالية وتأثر أكثر من 800 ألف موظف حيث لم يتقاضوا رواتبهم منذ 21 كانون الأول (ديمسبر) الماضي، بسبب الخلاف بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطيين حول مشروع الميزانية الذي يريده ترامب أن يشمل نفقات بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، أحد أبرز وعوده الانتخابية.
في المقابل، يتمسك الديمقراطيون برفض تمويل الجدار واضعين ترامب بين خيارين أحلاهما مرّ: إما الإذعان والتخلي عن جداره، أو ترك الأزمة مستمرة لتهدد أبرز منجزات عهده حتى الآن: الاقتصاد.
ولكن ترامب بدوره، قد لوح أكثر من مرة بإمكانية إعلان حالة الطوارئ الوطنية للخروج من الأزمة عبر تمويل الجدار الحدودي من صندوق الكوارث الطبيعية بدون موافقة الكونغرس.
ورغم المعارضة داخل حزبه لخطوة كهذه، يصرّ ترامب على أن لديه السلطة القانونية للقيام بذلك، مضيفاً أنه «لن يتسرع في القيام بذلك» لأنه لا يزال يفضل العمل مع الكونغرس.
ورفض ترامب، الاثنين الماضي، مقترحاً من حليفه السناتور الجمهوري لينزي غراهام بأن يعيد جزئيا فتح الإدارات المغلقة من الحكومة، تمهيداً لاستئناف المفاوضات بشأن أزمة تمويل الجدار.
ولدى مغادرته البيت الأبيض في زيارة إلى لويزيانا، قال ترامب للصحفيين، إنه لم يوافق على اقتراح غراهام بإعادة فتح المؤسسات الحكومية لثلاثة أسابيع، وفق ما نقلت «رويترز».
وقال غراهام، الأحد المنصرم، إنه إذا فشلت المحادثات خلال تلك الفترة فبإمكان ترامب المضي قدماً وإعلان حالة طوارئ على الصعيد الوطني لتجاوز الكونغرس، والحصول على أموال لبناء جدار على الحدود الأميركية المكسيكية.
وأغلقت الحكومة الفدرالية جزئياً بسبب طلب ترامب من الكونغرس الموافقة على تخصيص 5.7 مليار دولار لبناء جدار على طول الحدود مع المكسيك، حسبما وعد خلال حملته الانتخابية.
ويرفض الديمقراطيون إجراء المزيد من المفاوضات حول الجدار قبل إعادة فتح الحكومة.
تبعات خطيرة
يخشى المراقبون من أن ينعكس استمرار الإغلاق الحكومي سلباً على نمو أكبر قوة اقتصادية في العالم.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد شهدت 21 إغلاقاً حكومياً منذ العام 1976، إلا أن معظمها لم يستمر إلى الحد الذي يؤثر على النمو، ومن الصعب التكهن بما ستكون عاقبة الإغلاق الحالي، مع استمرار التعثر.
وقالت كبيرة الخبراء الاقتصاديين لدى «ستاندارد آند بورز غلوبال رايتينغز» بيث آن بوفينو لوكالة «فرانس برس» إنه «كلما طال التعثر، ازدادت المعاناة».
وإن أثبتت عمليات الإغلاق السابقة في 1995 و2013 أن بإمكان الاقتصاد الانتعاش سريعاً عند الخروج من الأزمة، فإن شلل الحكومة الفدرالية لفترة طويلة له انعكاسات عديدة تتخطى عدم دفع أجور الموظفين الفدراليين.
وبانتظار حل الأزمة، لن يتقاضى المزارعون المتضررون بالأساس من الحرب التجارية التي شنها ترامب، المساعدة الموعودة، وستجد العائلات الأكثر فقراً نفسها محرومة من المساعدات الغذائية (فوود ستامب) اعتباراً من نهاية شباط (فبراير)، كما تباطأت عمليات الكشف الصحي على المنتجات الغذائية والدوائية.
كذلك قطعت عن المزارعين المساعدات لشراء الحبوب والأغذية للمواشي، رغم بداية موسم زرع البذور.
وتوقفت «هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية» المشرفة على البورصة، عن تعاملات إدراج الأسهم في البورصة، في حين تأخر استصدار ترخيص استخراج النفط والغاز.
كما من المتوقع أن تنضب ميزانية المحاكم الفدرالية بحلول 25 يناير الجاري.
إضافة إلى ذلك ستفقد المدارس تمويل برامج الوجبات الغذائية المجانية المدعومة من الحكومة الفدرالية بحلول نهاية آذار (مارس).
في المقابل تم استدعاء آلاف الموظفين للعمل دون راتب في وكالة الضرائب (آي آر أس) وإدارة الغذاء والدواء (أف دي أي)، في حين أوجدت وزارة الخارجية تمويلاً للبدء بدفع رواتب موظفي البعثات الدبلوماسية بعد انقطاع شهر.
وبحسب تقديرات وكالة «بلومبرغ نيوز»، فإن العمال المتعاقدين مع الحكومة والذين لن يتقاضى العديد منهم أجورهم، يخسرون 200 مليون دولار يومياً.
وتشمل الخسائر أيضاً القطاع السياحي الذي عادة ما تصل عائداته إلى 18 مليون دولار يومياً في المنتزهات الوطنية الـ400، حيث تخسر المطاعم والفنادق والمتاجر المحلية زبائنها مع غياب المراقبة الأمنية في بعض الحدائق وانقطاع العديد من الخدمات فيها. وتنتهي ميزانية المساعدات الفدرالية الغذائية للأميركيين الأكثر فقراً بنهاية فبراير.
وطلب الاحتياطي الفدرالي من المصارف أن تتفهم أوضاع زبائنها، ودعت وزارة الإسكان، المالكين إلى عدم طرد المستأجرين الفقراء الذين يتلقون مساعدة حكومية لدفع إيجاراتهم.
وتشتد الوطأة على 380 ألف عامل فدرالي الذين وجدوا أنفسهم ضمن فئة البطالة القسرية، وعلى 420 ألفاً يعملون دون أن يتقاضوا أجرا، إذ تعتبر مهامهم «أساسية» لعمل الدولة.
وكشفت شركة «زيلو» العقارية أن هؤلاء الموظفين تترتب عليهم مدفوعات شهرية بقيمة 438 مليون دولار تتوزع بين الإيجارات وأقساط القروض المصرفية لقاء رهون عقارية.
ونشر خفر السواحل قائمة تدابير، نصحت باتخاذها «لإدارة شؤونكم المالية خلال الإغلاق الحكومي»، من ضمنها العمل في رعاية الأطفال أو بيع الأغراض القديمة للمساعدة في التعويض عن الأجور المجمدة.
وفي بعض أحياء العاصمة واشنطن التي يسكنها 20 بالمئة من اليد العاملة الفدرالية، فإن المطاعم أضحت مقفرة وتوقفت سيارات الأجرة ولم تعد حركة السير على الطرقات مزدحمة.
Leave a Reply