ترامب متمسك بالجدار .. والديمقراطيون مصرّون على رفضه
واشنطن
دخل الإغلاق الجزئي للحكومة الفدرالية شهره الثاني، في ظل أزمة سياسية غير مسبوقة يخشى أن يكون لها تبعات اقتصادية وأمنية خطيرة في حال استمر التعثر الحكومي في ظل أفق الحل المسدود بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والجمهوريين من جهة، والديمقراطيين من جهة أخرى، بشأن تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك، في حين لايزال العديد من الإدارات الحكومية بلا تمويل منذ 22 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، فيما يجد نحو 800 ألف موظف فدرالي أنفسهم إما في بطالة قسرية وإما يعملون من دون راتب.
الرئيس ترامب بادر إلى الحلحلة مطلع الأسبوع الماضي، باقتراح خطة لتأمين الحدود الجنوبية تتضمن مقترحاً بتوفير حماية مؤقتة لأكثر من مليون مهاجر غير شرعي مقابل موافقة الديمقراطيين على تخصيص التمويل المطلوب لبناء الجدار (5.7 مليار دولار) والحؤول دون تدفق المهاجرين غير الشرعييين والمخدرات وأفراد العصابات.
واقترح ترامب اعتماد قانون يمدد لمدة ثلاث سنوات الحماية من الترحيل للمهاجرين المعروفين بـ«الحالمين» الذين أوصلهم أولياء أمورهم للولايات المتحدة بصورة غير شرعية عندما كانوا أطفالاً (DACA)، وحماية 300 ألف مهاجر منضوين في برنامج الحماية المؤقتة (TPS).
غير أن الجواب بالرفض جاء سريعاً من رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي التي أكدت رفضها لأي مقترح يتضمن بناء الجدار الذي يصفه الديمقراطيون بـ«اللاأخلاقي» و«المكلف» و«غير المجدي».
ورفض الديمقراطيون هذا المقترح الذي صنّفوه بأنه «تجميع لمبادرات قد رفضت في الماضي» و«من دون تنسيق معهم».
وقالت بيلوسي في بيان لها إن خطة ترامب «غير مقبولة»، وهو ما تُرجم عملياً مساء الخميس الماضي، من خلال فشل مجلس الشيوخ بإقرار مقترح الرئيس، بعد امتناع جميع الأعضاء الديمقراطيين عن التصويت لصالحه.
وكان الاقتراح يحتاج إلى ستين صوتاً ليحال على التصويت في مجلس الشيوخ، لكن الأمر كان متعذرا لأن الجمهوريين لا يملكون سوى 53 مقعداً من أصل مئة مقعد في المجلس. كذلك في الليلة نفسها فشل الديموقراطيون في تمرير مقترح لا يلحظ تمويل للجدار، لتظل الأزمة تراوح مكانها.
غير أن ترامب –فور صدور نتائج التصويت– أبدى مرة أخرى رغبته بإيجاد الحل داعياً إلى تخصيص ولو «دفعة أولى» لبناء الجدار، ولكن رد بيلوسي جاء سريعاً هذه المرة أيضاً بإصرارها على الرفض المطلق للجدار، في موقف يشي بتضاؤل الأمل في الخروج قريباً من هذه الأزمة التاريخية التي تلقي بظلالها على الاقتصاد الأميركي ومعنويات الأميركيين.
تأجيل خطاب حال الاتحاد
الأبعاد التاريخية للأزمة لم تقتصر على طول مدة الإغلاق القياسية، بل أيضاً في قرار تأجيل خطاب «حال الاتحاد» لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة.
إذ رضخ ترامب لطلب رئيسة مجلس النواب بتأجيل الخطاب السنوي إلى ما بعد الاتفاق على تمويل الحكومة.
وكان ترامب قد قال في وقت سابق إنه يعتزم إلقاء الخطاب في الكابيتول في الموعد المقرر، رافضاً طلب بيلوسي تأجيله، لكنه عاد في وقت لاحق ليقول إنه سيقوم بحدث بديل للخطاب، ووصف قرار بيلوسي بأنه «مخز»، قبل أن يستجيب لطلبها بتأجيل الخطاب.
وقال ترامب في تغريدة عبر حسابه على تويتر الأربعاء الماضي إن الإغلاق الحكومي كان قائماً عندما طلبت منه بيلوسي إلقاء خطاب حال الاتحاد. وأضاف «.. وافقت. لكنها غيرت فيما بعد، رأيها بسبب الإغلاق الحكومي وطلبت تأجيل الخطاب».
وأضاف «هذه صلاحياتها، سألقي الخطاب عند انتهاء الإغلاق. لا أبحث عن مكان بديل لإلقاء خطاب حال الاتحاد لأنه لا يوجد مكان يمكن أن ينافس تاريخ وتراث وأهمية مبنى الكابيتول».
وكانت بيلوسي، قد أبلغت ترامب بأنه لن يسمح له بإلقاء خطاب حال الاتحاد السنوي داخل مقر المجلس التشريعي إلى أن ينتهي الإغلاق الحكومي.
وفي رسالة إلى الرئيس، قالت بيلوسي: «أكتب إليك لإبلاغك بأن مجلس النواب لن ينظر في قرار يسمح بإلقاء الرئيس لخطاب حال الاتحاد داخل المجلس حتى يعاد فتح الحكومة».
ورفض ترامب، في وقت سابق، طلب بيلوسي تأجيل الخطاب، واصفاً قرارها بـ«المخزي».
وقام ترامب إثر ذلك بمنع رئيسة مجلس النواب من استخدام طائرة عسكرية في رحلة يصحبها فيها مشرعون آخرون إلى أفغانستان وأوروبا لزيارة القوات الأميركية هناك.
يشار إلى أنه كان من المقرر إلقاء ترامب لهذا الخطاب يوم 29 يناير الجاري.
وبحسب الدستور، يتعين على الرئيس أن يقدم إلى الكونغرس خطاباً سنوياً عن حال الاتحاد، لكن ليس مطلوباً منه بالضرورة أن يلقيه في مبنى الكابيتول.
ويؤكد ترامب أنه «من دون جدار، لن تكون لبلدنا أبداً حدود مؤمنة وأمن قومي»، متهماً الديمقراطيين بالخوض في «ألاعيب سياسية» على حساب مصالح الأميركيين وأمنهم.
إعلان الطوارئ
وأمام انسداد الأفق التشريعية في ظل الانقسام الحاد بين الحزبين، كشفت شبكة «سي أن أن» المعارضة لترامب أن البيت الأبيض أعد مسودة لإعلان حالة طوارئ وطنية على طول الحدود الجنوبية مع المكسيك، مما يمنح الرئيس الصلاحية القانونية لتمويل الجدار.
وأشارت «سي أن أن» إلى أن وثائق داخلية اطلعت عليها بشأن هذا الإعلان حددت أكثر من سبعة مليارات دولار لبناء الجدار الحدودي.
ونشرت الشبكة نصاً لمسودة الإعلان، جاءت على النحو التالي: «كمية كبيرة من الأجانب يدخلون الولايات المتحدة بصورة غير قانونية في كل يوم، ما يشكل تهديداً مباشراً على سلامة وأمن أمتنا ويشكل حالة طوارئ وطنية».
وتضمنت المسودة ما يلي: «الآن، ولذلك، أنا، دونالد ترامب، وبموجب السلطة المخولة لي حسب الدستور وقوانين الولايات المتحدة الأميركية، بما في ذلك قانون الطوارئ الوطنية، أعلن حالة الطوارئ على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة».
■ حذر مراقبون جويون وطيارون وموظفو ملاحة فدرالية من خطر محتمل على سلامة النقل الجوي في الولايات المتحدة بسبب الإغلاق الحكومي. وقال مسؤولون في بيان مشترك «نشعر بقلق متزايد حيال أمن وسلامة موظفينا وشركاتنا الجوية والمسافرين بسبب تراجع الحكومة». وأوضحوا أن العاملين في المراقبة الجوية باتوا في أدنى مستوى منذ 30 عاماً، ويعمل بعض الموظفين 10 ساعات يومياً، ستة أيام في الأسبوع.
■ على الرغم من أن الإغلاق الحكومي يطال 0.5 بالمئة فقط من الموظفين الأميركيين، إلا أنه بدأ يؤثر بشكل غير مباشر على معنويات الأميركيين وأكثر من نصف المستهلكين، وفق استطلاع أجرته «جامعة ميشيغن».
■ يجد 800 ألف موظف فدرالي أنفسهم في حالة بطالة قسرية أو يعملون بدون أجر، بسبب الإغلاق. وفي وزارات حساسة مثل الأمن الداخلي والنقل والخارجية، قلّص عدد الموظفين إلى الحدّ الأدنى. كذلك تخلو الحدائق الوطنية في البلاد من الموظفين، والعديد من المتاحف مغلقة، كما أن حركة المطارات الأميركية تباطأت.
■ في حين سيتلقى الموظفون الفدراليون رواتبهم بمفعول رجعي، فإن أكثر من مليون أجير في الخدمات المخصخصة والمتعاقدين مع المؤسسات العامة لن ينالوا أجورهم الفائتة، وقد أنشئت مبادرات لمساعدة الموظفين المحتاجين، مثل جمع تبرعات وتقديم وجبات مجانية، فيما تقوم بنوك الطعام بدورها أيضاً.
■ حذر الموظفون المكلفون بالتحقيقات القضائية الفدرالية من أن «الإغلاق» بات يؤثر على «قدرة الحكومة على إحقاق العدالة» في الولايات المتحدة. وأفادت جمعية مساعدي الادعاء العام الفدرالي أن هؤلاء القانونيين والمحامين الستة آلاف تقريباً يواصلون العمل بمعظمهم بدون تقاضي رواتبهم، مشيرة إلى أن نقص الأموال ينعكس على قدرة العملاء الفدراليين والمدعين العامين على إجراء مقابلات مع ضحايا الجرائم والشهود، وتبليغ أوامر المثول أمام القضاء.
■ تواصل المحاكم الفدرالية العمل حتى الآن مستخدمة أموالها الخاصة المستمدة من النفقات القضائية التي يدفعها المتقاضون، لكن الوكالة المكلفة الإشراف على هذه المحاكم أوضحت في بيان أن جهوداً رامية إلى الحد من النفقات ستسمح للمحاكم بالصمود حتى 25 كانون الثاني (يناير) قبل صدور العدد بيوم. وبعد ذلك التاريخ، يعود لكل من المحاكم أن تحدد القضايا الأكثر أهمية التي ينبغي توليها والسبل الكفيلة بذلك. وبحسب الدستور، لا يمكن تعليق رواتب القضاة، لكن السؤال سيطرح بالنسبة للمأمورين والمترجمين ومحامي الدفاع المعينين حكما والمحلفين.
Leave a Reply