ديربورن – سامر حجازي وخليل رمَّال
هل حرامٌ على إمرأة محجَّبة أنْ ترقص فـي الأماكن العامة؟ هل هو حرام عليها أنْ تلبس آخر موضة من بنطلونات «الجينز»، أو طلاء وجهها بألوان المكياج الفاقعة؟ أو ينبغي عليها فقط البقاء فـي المنزل فـي حين أنَّ بعض زميلاتها المسلمات ينغمسن بحرية فـي الثقافة الغربية بكافة أشكالها؟
هذه الأسئلة وغيرها من الإشكاليات بين الإيمان والعصرنة هي قديمة قدم الأديان ولطالما ناقشتها الجاليات العربية المسلمة فـي الغرب ولفترة طويلة خصوصاً مسالة مظاهر وأشكال المرأة المحجَّبة الخارجية وسلوكها الإجتماعي. هذه المعضلات والحاجة الى وجود أجوبة عليها تفرض نفسها كل يوم مع استمرار اضمحلال الحدود بين ما يُعتبر سلوكاً متواضعاً أو محتشماً ومقبولاً وما هو ليبرالي جداً ومبالِغ فـي الإفراط الحداثوي.
فـي بعض أجزاء من الولايات المتحدة، يستثير ظهور المرأة المنقَّبة أو المحجَّبة أمام العامَّة، فـي كثير من الأحيان، نظرات وهمسات غريبة نظراً للبيئة السياسية والنظرة العامة إلى المسلمين فـي وسائل الإعلام. حتى فـي ديربورن التي تضم أكبر تجمع للمسلمين والعرب فـي البلاد، يمكن للمرأة المحجَّبة أيضاً أنْ تستدر تحديقات وهمسات غريبة من قبل أفراد مجتمعها لا سيما إذا كانت ترتدي زيَّاً على آخر طراز من الموضة تزينها اكسسوارات عصرية مزركشة وتعتمر غطاءاً للرأس مؤلفاً من ألوان فاقعة برَّاقة.
جبهة الرافضين لهذه السلوكية صاغوا مصطلحاً لها هو «محجَّبات الألفـية» مخصصة لهذه النوعية من النساء المسلمات. ويبدو أن هذا المصطلح قد جاء كتعبير عن النساء اللواتي يتزين بزي عصري فـي مطلع الألفـية الثالثة، وبدأت العديدات من النساء المسلمات فـي جميع أنحاء العالم بالتعبير عن أنفسهن من خلال ملبوسات الماركات وآخر تقليعات الموضة والتصميمات التجارية المشهورة مقابل ترك الألوان الباهتة التقليدية وراءهن.
على المستوى المحلي، تمكن المهاجرون من الشرق الأوسط، بنجاح منقطع النظير، من ضخ ثقافتهم فـي جنوب شرق ميشيغن، كما يتضح من خلال تعدُّد المساجد وصالات الشيشة والمطاعم الشرق أوسطية.
وفـي حين أن الجالية العربية والإسلامية قدمتا بنجاح ثقافة الشرق الأوسط إلى المجتمع الغربي الأميركي، فإنَّ من الطبيعي والمنطقي ان يكون التأثير ذا وجهين أيضاً، حيث أن المسلمين والجالية العربية تعلَّموا أن يتكيفوا مع الثقافة الأميركية سواء من ناحية التسوق فـي مراكز تجارية أو حضور الحفلات الموسيقية أو الأحداث الرياضية أو الرقص فـي الملاهي الليلية.
ولكن هل هو أمرٌ مقبول لامرأة ملتزمة بالحجاب الشرعي أنْ تشارك فـي هذه الأنشطة؟
إشتعل الجدل مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي حول السلوك المتوقع من قبل النساء المسلمات الأميركيات الملتزمات بالحجاب، عندما صدر، فـي الشهر الماضي، كليب فـيديو موسيقي فـي ديربورن من تأليف وإخراج مغني «الراب» المحلي العربي الاميركي واسمه الفني «بيز» «BAZE»، يتضمَّن لقطات لمسلمين أميركيين عرب وهم يتراقصون فـي صالة أراكيل. وفـي الفـيديو بدت اثنتان من النساء المحجَّبات وهن تتراقصان أيضاً على أنغام الموسيقى وتتفاعلان مع الرجال. وأدى هذا الكليب الموسيقي إلى جملة من ردود أفعال متباينة وغاضبة فـي الجالية.
ولكن ما صوَّره الكليب لا يبدو بعيداً جداً عن الواقع. فمن الشائع جداً فـي ديربورن حضور النساء المحجبات للقاءات وأنشطة إجتماعية فـي صالات الأراكيل أو إظهار مهاراتهن على حلبة الرقص فـي حفلات الزفاف.
وقالت سهيلة أمين، إحدى الناشطات المحجبات فـي ديربورن، انها لا ترى ضيراً بحضور امرأة محجبة حفلاً موسيقياً أو الذهاب إلى أحد المقاهي، «طالما أنها تعكس سلوكاً محتشماً». وذكرت «أنا لا أرى مشكلة فـي تمتع الناس بحياتهم، فقط عليهم أن يكونوا واعين لنتائج تصرفاتهم. ولاحظت أني كلما كبرت بالسن كلما أدركت أنني يُنظر إلي اكثر فاكثر كممثلة لمعتقدي وجاليتي وكلما كنت بحاجة للتأكد من أني أبرز الصورة المناسبة. أنا لا أريد من الناس أنْ ينظروا الي ومن ثم يفكروا سلباً بجاليتي وثقافتي».
وأضافت أمين «بعض النساء الملتزمات بالحجاب يمكن أن يشعرن فـي كثير من الأحيان وكأنَّ الحجاب سلاح ذو حدين، فهن يتعرضن للتدقيق والانتقاد فـي مجتمعاتهن الخاصة وفـي المجتمع الغربي على حد سواء».
واستطردت «لسوء الحظ، يضع المجتمع تسميات لنا، وعلينا أن نكون متوافقات مع حقيقة أن هذا خارج عن إرادتنا. بصفتي امرأة مسلمة ترتدي الحجاب، لا أستطيع أن أقول للغير «الغرب» لا تنظر لي باعتباري أمثل «الدين والثقافة»».
وتعتقد أمين انه بغض النظر عما إذا كانت النساء محجَّبات أو سافرات، فعليهن جميعاً عرض السلوك المناسب فـي الأماكن العامة. وختمت قائلة «الشابات يجب أن يكن على علم بأنهن ممثلات لجنسهن والمهنة والعرق والإثنية، يجب أن نذكر الشابات أنهن باستمرار يجري النظر إليهن ومراقبتهن لذا عليهن ان يظهرن بمظهر راقٍ، ويكنن احتراماً لأنفسهن وللآخرين».
وقالت زينب الشامي، وهي امرأة عربية مسلمة أخرى ترتدي الحجاب، إنَّ لديها آراءها الخاصة حول ما هو نوع السلوك الذي يعبر حدود التقاليد الاجتماعية المألوفة ولكنها ليست مخوَّلة لإصدار الأحكام على الناس. وأضافت «أنا لست فـي وضع يسمح لي بالقول ما اذا كان الحجاب لامرأةٍ ما هو صحيح أم لا».
وأشارت الشامي «يبدو أن هناك معايير مزدوجة بين الرجل والمرأة فـي المجتمع الإسلامي ولكن يجب تساوي كلا الجنسين من حيث الأهلية فـي الإسلام. إسلامياً، يفترض فـي الجنسين تجنب البيئات التي هي حرام. وكشخص بالغ انتِ تختارين الذهاب الى صالة الاراكيل، ولكن عندما ترقصين فـي مثل هذه البيئة مع الجنسين، بالنسبة لي هذا يعبر بوضوح عن تخطي الحدود. هل هذا يعني أنكِ ستحترقين فـي نار جهنم بسبب ذلك؟ من أنا لأقول ذلك؟»
وأردفت الشامي «أن النساء المحجبات يحملن حِملاً إضافـيا بأنهن ممثلات طبيعيات عن دينهن والمجتمع، بسبب البيئة السياسية فـي الولايات المتحدة» غير أنَّ ترجمتها لمصطلح «المرأة العصرية» يختلف عن التفسير الذي عادة ما يُستعمل لوصف المرأة المحجبة التي «تعبر خط التقليد الاجتماعي المألوف». واستطردت «اعتقد ان المرأة المتعلمة والمستقلة مالياً والتي لا تخاف من التعبير عن رأيها ينطبق عليها مفهوم الحداثة والعصرنة. وليست الحداثة بالرقص على الطاولات أو الذهاب الى النوادي الليلية. إذا كان شخص ما يتبدى له ويفكر أني قديمة الطراز أو متخلِّفة عن مسايرة الركب، فهذا يعني أنه لم يأخذ أي وقت لمحاولة التعرُّف علي. وأنا أعرف الكثير من النساء اللاتي يرتدين الحجاب وهن ذوات عقول منفتحة،ونيرة وتعلمن جيداً عن الأيديولوجيات التي اخترنها. كما اعرف من بين النساء الطبيبات والمحاميات، أو حتى ربات البيوت اللواتي اخترن البقاء فـي المنزل كأمهات، وهذا هو مفهوم المرأة الحديثة بالنسبة لي».
امرأة مسلمة محجبة محلية أخرى، لم ترغب فـي الكشف عن هويتها، وصفت نفسها بأنها «زائرة معتادة» لمقاهي الاركيلة، وقالت فـي حديثٍ مع «صدى الوطن» أن أبناء الجالية لديهم هذا التصور «الخاطئ» بأن المرأة المحجبة يجب أنْ تبقى فـي المنزل «حتى يأتي لنجدتها فارس الاحلام فـي دروع مشرقة. أنا اقترب من عمر الثلاثين عاماً ولدي مهنة وأنا لست متزوجة، ولكن الناس تصدر باستمرار أحكامها علي».
وأردفت «سواء كنت أذهب لتناول العشاء أو أستمع إلى الموسيقى أو أحمل أحدث موضة من ماركات «لويس فـيتان»، تبقى نظرة الناس الي وكأنني أقوم بارتكاب جريمة، ولكني أعرف نفسي وأتقرب دوماً إلى خالقي وأنا أصلي خمس مرات فـي اليوم. أنا قلقة من أن كل هذا التحريم فـي مجتمعنا من شأنه دفع جيل الشباب إلى إبعادهم أكثر عن ديننا».
الشيخ محمد علي إلهي، مرشد دار «الحكمة الإسلامية» فـي ديربورن هايتس، أكد «أنَّ المقصود بالحجاب أنْ يكون شكلاً من أشكال الحماية لكل من النساء والرجال وأن من المتوقع أنْ يكون سلوك المرأة الملتزمة بالحجاب وشكلها يعبران عن الحشمة لحماية النقاء والبراءة بين الجنسين».
وقال «سبب الفصل بين الجنسين يتعلق بالاحتشام، إنَّ ثقافة الصديق والصديقة تدمر مؤسسة الزواج من خلال ولادة الأطفال خارج إطار الرباط الزوجي والتي تأتي مع كافة المشاكل الاجتماعية. يمكن للنساء الرقص معاً فـي حفل زفاف، ولكن الإشكالية تقع فـي الرقص المختلط بين الرجال والنساء. اذا كان هناك جمع بين السيدات أنفسهن فقط وأردنَ الرقص، من دون وجود الرجال، يصبح هذا مقبولاً وعلى ما يرام».
وأضاف إلهي أنه لا توجد مشكلات فـي انخراط امرأة محجبة فـي محادثة متواضعة مع الرجال أو أن تكون فـي نفس المكان مع الجنس الآخر. وقال «هناك مفاهيم خاطئة حول ما يمكن للنساء المسلمات القيام به أو عدمه، سواءً كنَّ محجَّبات أم سافرات. يبدو أن الثقافة الغربية قد أساءت مفهوم ما يُسمَّى «قمع المرأة»».
وأوضح «بعض الناس يعتقدون أن الحجاب يمنع المرأة من حضور المناسبات الاجتماعية، ولكن لا توجد مشكلة على الإطلاق أنْ تشارك المحجبات على المستوى الاجتماعي. لا ينبغي أن يمنع الحجاب النساء من تلقي العلم أو الحصول على مهنة».
وأضاف «فـي القرآن الكريم، موضوع الحجاب واسع، كما هو مذكور ومشار إليه فـي عدد من السور. على السطح، يشير الحجاب لهوية المرأة والالتزام بإيمانها. ولكن على المرأة القيام بالاستثمار الروحي قبل تبني هذا الالتزام». وخلص إلى القول «إن كل مفهوم ورسالة الحجاب يتضمن التواضع والاحتشام ونقاء العقل ونقاء القلب. النقاء الروحي يجب أن يكون داخلياً قبل أن يكون خارجياً. ثم يأتي الإحتشام من خلال التعبير بالسيطرة على الشهوات والعواطف. الغرض هو حماية النقاء فـي العلاقات الإنسانية وتوفـير السلامة والأمان بينها».
Leave a Reply