التنافس على ثلاثة أو أربعة مقاعد بين الموالاة والمعارضة لكسب الأكثرية
الإنتخابات النيابية تجري تحت سقف المصالحات العربية
اتفاق جنبلاط -أرسلان فـي عاليه يشبه اتفاق الدائرة الثانية فـي بيروت
لن تكون الانتخابات النيابية المقبلة مصيرية ومفصلية، كما يصفها بعض اقطاب قوى “١٤ آذار”، ويذهب البعض منهم الى حد القول انها “حياة او موت”، فيما تنظر اليها قوى “٨ اذار” او المعارضة على انها استحقاق طبيعي، يسعى كل طرف الى الفوز بالأكثرية النيابية، التي ستؤثر في تسمية رئيس الحكومة المقبل، وفي التشكيلة الحكومية، لكن لن يحصل تغيير “دراماتيكي” في التركيبة النيابية الحالية، اذ ان فارق الاصوات لن يكون كبيراً، بل قد تحصل الموالاة على اغلبية بفارق ما بين ثلاثة او خمسة اصوات، وهي ما تمثله اليوم، وكذلك المعارضة التي قد ترفع عدد نوابها الى١٢ نائباً لتحصل على اكثرية ما بين ٦٧ او ٧٠ نائباً.
ولن تكون هناك معارك قاسية سوى بدوائر محدودة جداً، ولا تتعدى الخمس في كل لبنان، واذا ما نجحت الائتلافات او التفاهمات التي حصلت او قد تحصل بين قوى سياسية وحزبية من الطرفين في بعض المناطق، فان الانتخابات ستحصل في جو هادئ جداً، وقد تتراجع حدة المنافسة، كما حصل ما بين النائب وليد جنبلاط والوزير طلال ارسلان في عالية، اذ ترك كل منهما مقعداً درزياً شاغراً على لائحته، ليؤمن الفوز للآخر، وكان متوقعاً ان يترك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي مقعداً شاغراً لرئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، وهو ما فعله في دورتي ١٩٩٦ و ٢٠٠٠، لكنه لم يقدم على ذلك في الدورة السابقة ٢٠٠٥، ورشح عضو المكتب السياسي السابق في حزب ارسلان فيصل الصايغ الذي فاز بالمقعد الدرزي الثاني في عاليه على لائحة جنبلاط، وخسر ارسلان مع لائحته، وفي هذه الدورة وبعد الدور الذي لعبه الاخير في تهدئة الوضع في الجبل اثناء احداث ايار من العام الماضي بين المعارضة والموالاة، وتحديداً بين “حزب الله” والحزب التقدمي الاشتراكي، والحوار الذي جرى بين الطرفين برعاية ارسلان في خلده، وفي ظل هذه الاجواء، قرر جنبلاط ترك المقعد الدرزي الثاني شاغراً على لائحته ومثله فعل ارسلان الذي يبرر اتفاقه بالقول انه اضطر الى الاتفاق مع جنبلاط، لان حلفاءه في المعارضة لم يعطوه المقعد الدرزي في حاصبيا، ولا المقعد الدرزي في بعبدا، واضطر لان يتجه نحو “زعيم المختارة” ليحجز له مقعده، على ان يصب “الارسلانيون” اصواتهم في الشوف وراشيا وبعبدا، لصالح المرشحين “الجنبلاطيين”.
ويبدو ان الاتفاق الجنبلاطي-الارسلاني، قد حصل بـ”قبطة بط” من بعض حلفاء ارسلان لاسيما “حزب الله”، الذي سبق له وانجز اتفاقاً شبيها في الدوحة العام الماضي حول الدائرة الثانية في بيروت بتقاسم مقاعده، ومن ضمن التسوية التي كانت تطبخ لحل الازمة اللبنانية بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية واقرار قانون انتخاب على اساس قانون العام ١٩٦٠ مع اجراء تعديلات عليه في بيروت، وان ما حصل في الجبل هو “اتفاق خلدة” على غرار اتفاق الدوحة، لكن المستفيد منه هو ارسلان فقط، الذي أمّن مقعداً له، ولو انه اكد على تشكيل لائحة منافسة.
فنتائج الإنتخابات في أقضية الشوف وعاليه، باتت محسومة سلفاً، بفوز لائحة جنبلاط في الشوف كاملة، ولم يطرأ عليها أي تعديل، سوى دخول رئيس حزب “الوطنيين الأحرار” دوري شمعون إلى اللائحة، والذي كاد أن يطيّر النائب جورج عدوان، لكن الحفاظ على وحدة قوى “١٤ آذار” أعادته إلى اللائحة التي كان النائب السابق غطاس خوري يسعى ليحل محل عدوان عليها، لكن فقط “القوات اللبنانية” على رئيس “تيار المستقبل” النائب سعد الحريري، فرض عدم تغطية ترشيح خوري والطلب منه الإنسحاب من المعركة، واضطرار جنبلاط للتخلي عن مرشح من آل البستاني، لأنه خشى ان تذهب أصوات مسيحيي “١٤ آذار” إلى اللائحة المنافسة.
وقد شعر جنبلاط أنه مطوّق بـ”الصوت السني” في “اقليم الخروب” الذي يتحكم به “تيار المستقبل”، واضطراره إلى “الصوت المسيحي”، كما أنه بدأ يتحسر على تعزيز دور “الأحزاب المسيحية” الفاعلة في الشوف، والتي ستكون على حساب كتلته النيابية، التي تقلصت إلى خمسة بعد أن كانت ثمانية نواب، وأيضاً في عاليه، يواجه مطالب حلفائه المسيحيين لا سيما من الكتائب للحصول على مقعد على لائحته، واذا استجاب فإن كتلته ستقتصر على ثلاثة نواب بدلاً من خمسة، وهو لن يضمن عودة النائب أيمن شقير عن المقعد الدرزي في بعبدا، كما قد لا يضمن أن يحصل على مقاعد مسيحية في هذه الدائرة التي قد يكتسبها تحالف المعارضة وتحديداً “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وحلفائهما، حيث ستشهد هذه الدائرة معركة على اكتساب الصوت المسيحي، ولان المعركة فيها، كما في المتن الشمالي ستكون الإنتخابات مصيرية، لأنها ستحدد الأكثرية النيابية، وان انفكاك التحالف بين النائب ميشال المر مع “التيار الوطني الحر”، قد يؤثر على النتائج، ولكن بقاء حزب الطاشناق على تحالفه مع عون دون أن يقطع بعد مع المر، فإن احتمال الخرق يبقى قائماً من قبل لائحة المرّ-الجميل، بمقعدين وهو ما انتهت اليه نتائج العام ٢٠٠٥، التي عدّلتها الإنتخابات الفرعية بخسارة الرئيس أمين الجميل لمقعد ابنه بيار أمام مرشح “التيار الوطني الحر” النائب كميل خوري في الإنتخابات الفرعية التي جرت في آب ٢٠٠٧ بعد حوالي العام على اغتيال بيار الجميل.
فالمتن الشمالي سيكون من الدوائر التي ستحصل فيها معركة حادة، مثلها مثل زحلة، وعلى ضوء نتائج انتخاباتهما تتحدد الأكثرية النيابية، لأن المعارضة تنطلق من أن عدد مقاعدها النيابية الحالية، هو ٥٧ نائباً من ضمنها المتن الشمالي وزحلة، وهي تعمل للفوز بمقاعد زغرتا (٣) والكورة (٣) وبعبدا (٥)، والدائرة الثانية في بيروت (١) أي ما مجموعه ١٢ مقعداً، فتحصل على أكثرية من٦٩ ، وحسب توزيع الدوائر والتحالفات الإنتخابية، واستطلاعات مكاتب الإحصاء والخبراء الإنتخابيين، فإن النتائج ستكون لصالح تحالف “حزب الله”-“أمل” وحلفائهما في دوائر الزهراني (٣)، النبطية (٣)، صور (٤)، بنت جبيل (٣)، مرجعيون-حاصبيا (٥)، جزين (٣)، وان الدائرة الأخيرة يجري التفاوض بين “التيار الوطني الحر” و”حركة أمل” حول مقاعدها، بعد أن تنازل “حزب الله” عن أحد المقعدين المارونيين فيها الذي يشغله النائب بيار سرحال لصالح زياد أسود، ويبقى التفاوض قائماً على المقعد الكاثوليكي الذي اذا أعطي لـ”عون”، سيحصل بري على مقعد آخر مكانه، قد يكون المقعد الشيعي في بعبدا أو زحلة أو جبيل، بحيث ينطلق بري من مقولة أنه لا يريد تصغير حجم كتلته النيابية، في حين ان عون يطمح إلى رفع عددها من ٢٢ إلى ٣٥ نائباً، وتحديداً في الدوائر المسيحية في جزين وبعبدا والبترون والكورة، وهي الدوائر التي لم يتمثل فيها في الدورة السابقة.
وفي صيدا، ستكون المعركة قاسية، اذا أقفل “تيار المستقبل” لائحته وضم مرشحاً إلى جانب النائب بهية الحريري وتردد أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة سيكون المرشح عن المقعد السني الثاني، في حين تسعى “الجماعة الإسلامية” أن يكون من نصيب رئيس مكتبها السياسي علي الشيخ عمار، وتربط تحالفها مع “تيار المستقبل” على الحصة التي ستحصل عليها والتي تؤكد أنها لن تقبل أقل من ثلاثة مقاعد في لبنان، وأن يكون من بينها مقعد أو اثنين في دوائر الشمال (طرابلس والضنية)، لأنه خزانها البشري، وترفض تمثيلها في بيروت فقط، كما عرض عليها الحريري، وأن عدم الإتفاق بين الطرفين، وخروج “الجماعة الإسلامية”، عن تحالفها مع “المستقبل” سيضعف الأخير سنيّاً، وسيعطي خصومه حظوظ النجاح عليه، اذا انقلبت التحالفات لا سيما في الشمال والبقاع، اذ ان انتخابات العام ٢٠٠٩ مختلفة كلياً عن العام ٢٠٠٥، وان استغلال دم الرئيس رفيق الحريري لم يعد ممكناً بعد أن انكشفت الكثير من الحقائق حول اغتياله، واطلاق سراح عدد من الموقوفين، والابقاء على الضباط الاربعة فقط، والذي اصبح توقيفهم سياسياً، وان الافراج عنهم قبل الانتخابات سيحدث زلزالاً سياسياً، وسيغير من نتائج الانتخابات، كما ان الشعارات السياسية التي رفعت في الدورة السابقة، وكان خروج القوات السورية حديثاً، والتدخل الاميركي في ذروته لإجراء الانتخابات كما ارادها الرئيس الاميركي السابق جورج بوش لإنجاح “ثورة الأرز” التي توجّت بتعزيز الديمقراطية في لبنان، برأي الادارة الاميركية السابقة بالانتخابات النيابية التي اصرّ عليها بوش ان تجري في موعدها.
فالظروف تغيرت سياسياً، وبدأ المحور الاميركي-العربي المعتدل، في تراجع، وان موازين القوى الداخلية باتت تميل الى المعارضة وتحالفاتها العربية والاقليمية منذ ايار الماضي، وهي تدخل الى الانتخابات النيابية بإطمئنان من انها ستفوز بالأكثرية، وهو ما دفع بالنائب جنبلاط الى الخطاب الهادئ الذي يتبعه، ودعوته للتهدئة، واتفاقه مع ارسلان، واعلانه انه سيعيد بري رئيساً لمجلس النواب، ولا يمانع في تشكيل حكومة وحدة وطنية، مع التوقف عند موضوع الثلث المعطل داخل الحكومة.
وهذه الاشارات الايجابية من جنبلاط، كانت المعارضة ترد عليها بالمثل، كقول الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بان لا اعتراض يكون سعد الحريري رئيس الحكومة المقبلة، حيث رد الأخير بالرفض، لكن التطورات المتسارعة والمصالحات العربية، وانعقاد القمة العربية في الدوحة في اجواء هذه المصالحات، ستنعكس ايجاباً على الانتخابات، التي ربما ستشهد ائتلافات في بعض الدوائر، لا سيما في الشمال، وتحديداً في طرابلس، قد تعيد خلط الأوراق، وتبعثر التحالفات، وتتبدل المواقع بعد ٧ حزيران المقبل.
Leave a Reply