وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
أعلنت إيران، الأسبوع الماضي، رسمياً بدء عملية تخصيب اليورانيوم في منشأة «فوردو» في إطار خفضها المتدرج لالتزامها ببنود الاتفاق النووي.
هي الخطوة الرابعة التي تقدم عليها إيران منذ خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ومن خلالها تكون طهران قد تحررت من معظم شروط الاتفاق ربطاً بعدم التزام الأطراف الموقعين عليه بالتزاماتهم كما تقول طهران.
الرئيس روحاني أعلن بنفسه الثلاثاء الماضي تنفيذ «الخطوة الرابعة»، عبر ضخ الغاز الى أجهزة الطرد المركزي في منشأة «فوردو»، مؤكداً أن هذه الخطوة هي كسابقاتها، يمكن التراجع عنها، شرط عودة الشركاء في الاتفاق النووي الى تعهداتهم، وأنها ستكون تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا ما عادت وأكدته المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، مشيرة إلى أن ضخ غاز اليورانيوم قد بدأ في 1044 جهازاً للطرد المركزي يوم الخميس الماضي في منشأة «فوردو» النووية، مشددة على أن كل الإجراءات الخاصة بتخصيب اليورانيوم تُتخذ تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد عادت إلى مستويات ما قبل اتفاق فيينا.
فبعد أن فشلت الدول الأوروبية في الإيفاء بتعهداتها لإيران ضمن الاتفاق، وبعد أكثر من سنة ونيف من المهل المتلاحقة، دخلت إيران المرحلة الرابعة من تقليص التزامها بالاتفاق، واستأنفت ضخ الغاز في أجهزة الطرد المركزي في منشأة «فوردو» الواقعة جنوب طهران.
ماذا تعني الخطوة الرابعة؟
هذه الخطوة تشمل ضخ الغاز إلى ٦٩٦ جهاز طرد مركزي من مجموع 1044 جهاز طرد تم وضعها في محطة فوردو، كما تم نقل خزان بزنة 2,800 كيلوغرام يحتوي على نحو ألفي كيلوغرام من غاز سادس فلورايد اليورانيوم من مجمّع «نطنز» في أصفهان إلى منشأة «فوردو»، بإشراف كامل لمراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي عقد مجلس حكامها اجتماعه يوم الخميس الماضي لدراسة تقرير المدير الموقت السابق كورنيل فيروتا، للوكالة حول «إجراءات الضمان» في إيران.
الجدير ذكره أن إيران كانت قد اتخذت فيما سبق ثلاث خطوات في إطار خفض التزاماتها النووية في مقابل تقاعس أطراف الاتفاق الآخرين في تنفيذ التزاماتهم، وتخللت تلك الخطوات مهل لفترة شهرين لكل منها، إفساحاً في المجال أمام هؤلاء الأطراف للوفاء بالتزاماتهم، لكنهم لم يبادروا إلى القيام بأي شيء لثني إيران عن تحلّلها من الاتفاق تدريجياً. وشملت الخطوات السابقة زيادة أجهزة الطرد وتطويرها وزيادة إنتاج تخصيب اليورانيوم ورفع نسبة التخصيب.
إيران… وسياسة المواجهة
كعادتهم، اتسمت تصريحات المسؤولين الإيرانيين بالتحدي، فقد أكد أمين المجلس القومي الإيراني، علي شمخاني، أن الحقوق القانونية للشعب الإيراني غير قابلة للمساومة، وأن من يراهن على تراجع بلاده عن سياساتها سيندم قطعاً. أما مدير مكتب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمود واعظي فقد أكد بأن الأوضاع الاقتصادية في البلاد بلغت حالة الاستقرار النسبي، لافتاً إلى أن الأميركيين أنفسهم باتوا يعتبرون أن الحظر ضد إيران وصل إلى طريق مسدود.
وفي خبر لافت، أشارت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية إلى منع إحدى مفتشات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دخول موقع «نطنز». وفي شرحها لملابسات الموضوع، ذكرت الدائرة الإعلامية والدبلوماسية العامة التابعة لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أن هذا الإجراء جاء بسبب التخوف من احتمال اصطحاب مواد مشكوك فيها، حيث يتم إخضاع جميع المفتشين لدى دخولهم إلى أي من المواقع النووية لتفتيش دقيق، ويبدو أنه خلال دخول هذه السيدة، أظهرت أجهزة التفتيش علامات إنذار، ولذلك مُنعت من دخول الموقع، وقد تم إبلاغ الوكالة الدولية بالأمر وغادرت المفتشة المذكورة، الأراضي الإيرانية عائدة إلى فيينا.
الموقف الأميركي
وزير الخارجية الأميركي وفي تعليق له على الخطوة الإيرانية الرابعة حضّ المجتمع الدولي على التعامل مع التصعيد النووي، مشيراً إلى أن أفعال إيران تتطلب من كل الدول رفض ابتزازها النووي واتخاذ خطوات جادة لزيادة الضغط عليها، مؤكداً أن بلاده لن تسمح لطهران بامتلاك السلاح النووي، مجدداً اتهامه لها بمواصلة العمل على تقويض سيادة جيرانها.
ردود الفعل الدولية والأممية
الاتحاد الأوروبي كعادته أعرب عن قلقه الشديد واعتبر أن الدفاع عن الاتفاق النووي يزداد صعوبة، وحثت الناطقة باسمه فيديريكا موغيريني إيران على عدم اتخاذ إجراءات جديدة يمكن أن تقوّض الاتفاق النووي بنحو إضافي.
أما باريس، فدعت طهران إلى العودة عن خطوتها الأخيرة، مؤكدة استمرارها في الالتزام بالاتفاق النووي، وانتظار تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، أبدى أسفه لاتخاذ أي خطوة يقوم بها أي طرف بعيداً عن الاتفاق النووي، بوصفه إنجازاً دبلوماسياً هائلاً.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان قد أعلن في 8 من أيار (مايو) 2018، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، وكذلك استئناف العقوبات الاقتصادية ضد طهران، على أثر ذلك، أعلنت دول الاتحاد الأوروبي عزمها على تعويض إيران عن الخسائر الناجمة جراء العقوبات الأميركية، ملوّحة بإمكانية تجاوز العقوبات الأميركية التي قيّدت التجارة مع إيران.
واتخذت كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة قرارها، بإنشاء آلية دعم للتبادل التجاري مع إيران، تهدف إلى الحفاظ على التبادل التجاري القائم بين الدول الأوروبية المذكورة وبين طهران، وتحمل تلك الآلية اسم «إنستكس» وهو اختصار لمصطلح «آلية دعم التبادل التجاري». غير أن الدول الأوروبية لم تتمكن، أو ربما «لم تشأ» تنفيذ هذه الآلية، وأثبتت مرة جديدة أنها عاجزة عن تجاوز الإرادة الأميركية وأنها ستبقى مجرد تابع لها، وهذا ما يدفع الإيرانيين باستمرار إلى توجيه اللوم للأوروبيين بشدة، بل ويعتبرون أنهم أخلفوا كل وعودهم، وهم يحمّلونهم مسؤولية كبيرة في هذا المجال.
في السياق، وزير الخارجية الروسي، صرّح بأن آلية دعم التبادل التجاري مع إيران «إنستكس» لا تزال فقط على الورق، ولفت إلى أنه ولفترة طويلة، توافقت الدول الأوروبية على هذه المسألة، وفي المحصّلة، أعلنت أن مثل هذه الآلية أُنشئت، لكنها ستبقى على الورق فقط.
هل انهار الاتفاق النووي؟
خطوات إيران الأربع، جاءت بعد أكثر عام على التنصل الأميركي من الاتفاق النووي، وكانت تحرص قبل تنفيذ أي خطوة تمنح شركاءها الأوروبيين مهلة شهرين للوفاء بالتزاماتهم المالية تجاهها، ولاسيما في قطاعي النفط والمصارف، من دون تجاوب يُذكر، وبقيت الأمور في إطار الكلام المعسول، ولم تفعّل الدول الأوروبية سوی الضغط علی إيران من أجل البقاء في الاتفاق النووي
وفيما اكتفى الأوروبيون بالمماطلة لكسب الوقت، واصلت واشنطن فرض مزيد من العقوبات، آخرها كان منذ أيام على تسعة أشخاص مقرّبين من المرشد الإيراني علي خامنئي، بينهم نجله ومدير مكتبه ورئيس السلطة القضائية، كما شملت تلك العقوبات هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، وهو ما قوبل بالكثير من السخرية في الأوساط الإيرانية على اعتبار أن أياً ممن شملتهم العقوبات لا يملك رصيداً أو أصولاً مالية، الأمر الذي ينفي أصل لزوم هذه العقوبات.
يترنّح الاتفاق النووي بعد الخطوة الرابعة للجمهورية الإسلامية، وهو إن لم يكن كذلك، فهو في أحسن الأحوال دخل في غيبوبة. البعض يعتقد أن ما تفعله إيران، يثير الأوروبيين ضدها ولا يصب في مصلحتها، بل قد يستجرّ عقوبات جديدة عليها، وبالتالي على طهران التريث.
في المحصّلة، وفي نظرة واقعية، يبدو أن الاتفاق النووي قد انهار بعد الخطوة الإيرانية الأخيرة، ولم يبقَ منه شيء من الناحية العملية، علماً بأن الأوروبيين كانوا على علم مسبق بالخطوة ولم يتداركوها، ما يطرح تساؤلات عديدة… ماذا بعد؟ يقول أحد المحللين الاستراتيجيين إن إيران قد تصدم الجميع من خلال قفزة غير متوقعة تصل فيها بالتخصيب إلى 60 بالمئة، فالوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تحدد سقفاً لنسبة التخصيب بل هي فقط تحظر تصنيع السلاح النووي. فهل تفعلها إيران ليبلغ التحدي ذروته؟ الجواب رهن بوقائع المقبل من الأيام.
Leave a Reply