نبيل هيثم – «صدى الوطن»
«الاتفاق فـي متناول اليد». تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حسم كل التكهنات فـي الوقت الذي كانت مباراة التفاوض النووي فـي فـيينا تدخل الوقت المستقطع، والذي حدده المفاوضون بأسبوع اضافـي بعد انتهاء المهلة الاصلية فـي 30 حزيران (يونيو) ٢٠١٥.
ولعل هذا الاسبوع الاضافـي للمهلة النهائية لتوقيع الاتفاق التاريخي بين ايران ومجموعة 5+1 يكاد لا يذكر، اذا ما قورن بجولات التفاوض الماراثونية التي استمرت على مدار 20 شهراً، وافضت الى اتفاق إطاري خلال جولة لوزان فـي نيسان الماضي.
وانطلاقاً من تصريحات القائمين على الشأن النووي، سواء فـي الجمهورية الاسلامية او فـي الولايات المتحدة، فإن الاتفاق آت لا محال، وهو ينتظر حسم بعض التفاصيل، منها المعقّد، والمرتبط بتفتيش المنشآت النووية العسكرية الايرانية واستجواب الخبراء الايرانيين، ومنها ايضاً الجانب السياسي، المتصل بالترتيبات الاقليمية لفترة السلام النووي.
ولعلّ الحراك السريع الذي يجريه المفاوضون على كلا الجانبين، يعكس ان ثمة رغبة جدية فـي تجاوز التعقيدات العسيرة، المتأرجحة بين الشروط الغربية والخطوط الحمر الايرانية. واذا ما اراد المرء اختزال طبيعة المواقف المرتبطة بالمسار التفاوضي، لا بد له ان يتوقف عند ثلاثة تصريحات، الاول للمرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية السيد علي خامنئي، والثاني للرئيس الاميركي باراك اوباما، والثالث لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
المرشد الاعلى كان واضحاً بقوله إنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة لرفع العقوبات من خلال أي اتفاق نووي مستقبلي، وإنه يجب على طهران بدلا من ذلك تطوير «اقتصاد مقاومة».
اما الرئيس باراك اوباما فكان اقل وضوحاً حين قال، تزامناً مع تمديد المهلة النووية: «آمل فـي ان يتوصل المفاوضون الى اتفاق، لكن تعليماتي واضحة للغاية، فقد قلت منذ البداية انني ساغادر طاولة المفاوضات اذا كان الامر يتعلق باتفاق سيء».
ولكن بين الموقفـين النقيضين للمرشد الاعلى والرئيس الاميركي، ينبغي التوقف عند تصريحات سيرغي لافروف، واهم ما فـيها ان «المفاوضات تتقدم فـي الاتجاه السليم. بالرغم من بقاء قضايا تتصل فـي شكل رئيسي بمشاكل ذات طابع اجرائي اكثر منه تقنيا. ولكن لدينا كل الاسباب للاعتقاد ان النتائج باتت فـي متناول اليد».
وفـي العموم، فإن اكتفاء المفاوضين النووين بتمديد المفاوضات سبعة ايام فقط، يوحي بأن نقاط الخلاف، او بلغة المفاوضات «القضايا الاكثر صعوبة»، باتت ضيقة، وبالتالي يمكن حسمها خلال اسبوع واحد، وذلك فـي مناخ يجعل ديبلوماسيين غربيين يقولون بوضوح ان احتمالات النجاح اكبر من احتمالات الفشل، وهو ما عبّر عنه الرئيس الايراني حسن روحاني بقوله ان «جزءا كبيرا من النقاط قد تمت تسويته، لكن ما زال هناك جزء من دون حل»، قبل ان يستدرك «يمكن تسوية البعض خلال الايام المقبلة ان لم تكن هناك مطالب مبالغ فـيها وان بقينا فـي اطار الاتفاقات المرحلية المبرمة سابقا».
ومن المؤكد ان الوقت المستقطع للمباراة النووية سيكون الاكثر صعوبة، حيث ينبغي حسم قضايا عدّة، يمكن حصرها على النحو التالي:
1 – رفع العقوبات، وهي المسألة الرئيسية بالنسبة الى ايران التي يعاني اقتصادها من العقوبات الدولية الاقتصادية والتجارية. وترغب الجمهورية الاسلامية فـي رفع كافة العقوبات بسرعة كبيرة بعد التوقيع على اتفاق، وهو ما عبّر عنه السيد علي خامنئي، الذي يمتلك الكلمة الفصل فـي الملف النووي، حين قال إن «كافة العقوبات الاقتصادية، المالية والمصرفـية، أكانت عقوبات مجلس الامن الدولي او الكونغرس والحكومة الاميركيين، يجب ان تلغى على الفور عند توقيع الاتفاق كما يتوجب رفع العقوبات الاخرى فـي مهل زمنية معقولة»، وهو ما ترفضه الدولة الكبرى، التي تسعى الى فرض رفع تدريجي للعقوبات على مراحل تبعا للخطوات التي تقوم بها ايران.
2- تفتيش المواقع الايرانية بما فـيها العسكرية، وهو ما كررت طهران خلال الفترة الماضية رفضها اياه، لاسباب تتعلق بالسيادة، فـيما رفض المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية المطالبات الغربية باستجواب العلماء الايرانيين من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فـي حين تشدد بعض الدول، وابرزها فرنسا، على ضرورة ادراج هذا الشق تحديدا فـي الاتفاق.
3- آلية عودة العقوبات، والتي تسمح باعادة فرض العقوبات الدولية بشكل تلقائي فـي حال لم تحترم ايران التزاماتها النووية، وهي مسألة ترفضها ايران، ويصر عليها الغربيون، فـيما يبدو ان الروس قد رفعوا تحفظهم ازاءها.
4- مدة الاتفاق النووي، حيث تريد القوى العظمى الحد من البرنامج النووي الايراني خلال عشر سنوات على الاقل او حتى اكثر، فـي حين تصر ايران، وكما عبّر السيد خامئني مؤخراً، على «عدم القبول بالحد لفترة طويلة من10 و12 عاماً». وينص الاتفاق الاطاري، الذي ابرم فـي لوزان فـي نيسان الماضي، على حد برنامج تخصيب اليورانيوم الايراني خلال فترة عشر سنوات، فـي حين تشدد ايران على استمرار البحث والتطوير خلال هذه الفترة.
ولكن تصريحاً ديبلوماسياً مقتضباً من فـيينا عكس ان الامور الاكثر اهمية تتعلق بالنتائج السياسية المترتبة على الاتفاق وليس المسائل الفنية فحسب، ما يعني ان الايام السبعة المقبلة ستشهد مفاوضات سياسية موازية للمفاوضات النووية.
واذا كانت المسألة النووية تشكل مصدر القلق الرئيس لاسرائيل، التي ما زالت تواصل التشويش على المفاوضات النووية، فإن الجانب السياسي هو اكثر ما يقلق الخليجيين.
ومن الواضح ان خروج ايران من العزلة الدولية وفك العقوبات الغربية عاملان يدفعان دول الخليج، وفـي مقدمتهم السعودية الى اتخاذ تصرفات تقارب الجنون، وهو ما تعكسه التصرفات الخليجية منذ توقيع الاتفاق الاطاري فـي لوزان، ومن بينها شن العدوان الجوي على اليمن ودعم المجموعات المسلحة فـي سوريا، ومحاولات الانفتاح على موسكو وباريس.
وتشعر الدول الخليجية بالقلق أيضا من أن يكون سعي الرئيس الأميركي باراك أوباما الحثيث لإبرام اتفاق نووي مع إيران مقابل تخفـيف العقوبات عنها يحمل فـي طياته دلالة على أن أقوى حلفائها قد لا يساعد من الآن فصاعدا فـي كبح جماح طهران.
ويبدو ان الدول الخليجية باتت تتصرف انطلاقاً من فكرة الاستسلام للامر الواقع، وتعتبر ان الاتفاق النووي امر محسوم، قد يتأخر اسبوعاً او اثنين او حتى شهراً، ما يجعلها متخبطة فـي خياراتها السياسية والعسكرية على هذه الجبهة او تلك.
وتشعر السعودية وجيرانها بالقلق من تأثير الاتفاق النووي على العلاقات مع الولايات المتحدة، كفـيلتهم العسكرية الرئيسية بما لها من مجموعة مرافقة لحاملة طائرات فـي الخليج وقاعدة بحرية فـي البحرين وقاعدة جوية فـي قطر.
ويزيد حديث الدول الخليجية عن فكرة بناء تحالفات بديلة تحل محل الدور الاميركي، وجسدت ذلك بتشكيل تحالف فـي اليمن وجددت التعاون مع تركيا فـي ما
يتعلق بسوريا، ولعل ابرز تجليات ذلك، الزيارتان اللتان قام بهما ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لروسيا وفرنسا، واللتان تضمنتا صفقات عسكرية واقتصادية بمليارات الدولارات.
وبانتظار ما ستؤول اليه الاوضاع، يبقى ان ننتظر انتهاء الوقت المستقطع من مباراة التفاوض فـي فـيينا لترشح بعضها ملامح اولية للمشهد الاقليمي الجديد.
الخطة الخمسية الايرانية: تركيز على الدفاع والاقتصاد
كشف المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية فـي ايران السيد علي خامنئي عن الخطوط الكبرى للخطة الخمسية المقبلة بين العامين 2016 و2021، والتي تركز على قدرات الدفاع والنمو الاقتصادي.
وبحسب مقتطفات من المرسوم نشرتها وكالة الانباء الرسمية فان احد محاور الخطة هو تخصيص خمسة فـي المئة على الاقل من الموازنة الوطنية للقدرات الدفاعية للبلاد فـي اطار التوازن الاقليمي للسلطات» وبهدف «حماية المصالح القومية». وتلحظ الخطة خصوصا تطوير «القدرات والتكنولوجيات البالستية وانتاج الاسلحة والمعدات الدفاعية الرئيسية الحديثة».
وعلى الصعيد الاقتصادي، أمَّل خامنئي بنمو «سريع ودائم» بنسبة ثمانية فـي المئة على خمسة اعوام.
ولتحقيق هدفها، تأمل ايران باجتذاب الرساميل الاجنبية واموال الانتشار وتعطي الاولوية «لتغيير فـي النهج» لجهة عائدات النفط والغاز مع تحويل ما بين 30 و38 فـي المئة من هذه العائدات الى صندوق التنمية الوطنية، الصندوق الايراني السيادي.
قوننة المكاسب النوَوية
فـي خضم النزال النووي فـي فـيينا، تبنى مجلس الشورى الاسلامي (البرلمان) نهائيا مشروع القانون الرامي الى الحفاظ على «مكاسب البلاد وحقوقها النووية».
ويؤكد النص ان الالغاء الكامل للعقوبات الدولية يجب ان يحصل «يوم بدء تطبيق تعهدات ايران»، فـي حين ترغب الدول الغربية فـي رفع تدريجي للعقوبات. ويحظر القانون على الوكالة الدولية للطاقة الذرية «الوصول الى كافة الوثائق العلمية والمواقع العسكرية او الامنية والمواقع الحساسة غير النووية» لكنه يترك هامشا من المرونة عندما يذكر انه «يجب احترام قرارات المجلس الاعلى للامن القومي».
Leave a Reply