ديترويت – تواصلت طوال الأسبوع الماضي في ولاية ميشيغن، التظاهرات السلمية ضد عنف الشرطة على خلفية مقتل جورج فلويد، حيث عمت التظاهرات معظم المدن الرئيسية في الولاية، وعلى رأسها ديترويت التي شهدت اعتقال مئات المتظاهرين ممن خالفوا حظر التجول الليلي دون تسجيل أية أضرار بالممتلكات، على عكس مدينة غراند رابيدز التي شهدت أعمال حرق وتخريب استدعت تدخل قوات الحرس الوطني لمساعدة الشرطة المحلية في استعادة زمام الأمن بعد عطلة نهاية أسبوع صاخبة في ثاني أكبر مدن الولاية.
ورغم استمرار وباء كورونا والتحذيرات من إمكانية حدوث «موجة ثانية»، اتسعت رقعة الاحتجاجات في مدن ميشيغن لتشمل –إضافة إلى ديترويت وغراند رابيدز– كلاً من لانسنغ، وورن، آناربر، فلنت، ديربورن، تروي، كالامازو، رويال أوك وغروس بوينت وودز، بحسب متابعة «صدى الوطن» للتظاهرات الاحتجاجية التي استهدفت مراكز الشرطة ورفعت شعارات «لا أستطيع التنفس» و«لا عدالة، لا سلام» «وحياة السود مهمة»، وسط مطالبات بإنزال أقصى العقوبات بحق قاتل فلويد، الشرطي ديريك شوفين، وثلاثة زملاء له في شرطة مينيابوليس لدورهم في حادثة مقتل فلويد يوم 25 أيار (مايو) الماضي.
وباستثناء غراند رابيدز، لم تسجل مدن ميشيغن أعمال شغب واسعة النطاق كما حصل في العديد من الولايات الأميركية التي عانت من أعمال سلب ونهب واشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن واحتراق العديد من سيارات ومراكز الشرطة، مما دفع العديد من حكام الولايات ورؤساء بلديات المدن المتضررة إلى إعلان حظر تجول ليلي واستدعاء عناصر الحرس الوطني، للسيطرة على الأوضاع.
تظاهرات ديترويت
في مدينة ديترويت، تواصلت الاحتجاجات في الداونتاون بشكل يومي منذ الجمعة 28 مايو، لكن من دون تسجيل أعمال تخريبية في ظل انتشار كثيف لقوات الشرطة التي قامت باعتقال أكثر من 300 شخص معظمهم أميركيون بيض مقيمون خارج المدنية، لمخالفتهم قرار حظر التجول الليلي الذي فرضه رئيس البلدية مايك داغن لمنع حدوث أعمال شغب في المدينة كما حصل في مدن أميركية أخرى مثل نيويورك ولوس أنجليس وفيلادلفيا.
وقال قائد شرطة ديترويت جيمس كريغ إن عناصر الشرطة وجهوا إنذارات متكررة للمتظاهرين قبل اعتقالهم بسبب إصرارهم على خرق حظر التجول، مشيداً بروح الصبر التي تحلى بها عناصر الدائرة في تعاملهم مع المحتجين.
واستخدمت شرطة ديترويت قنابل صوتية وغازات مسيلة للدموع لفض بعض الاحتجاجات التي لم تخفت وتيرتها طوال الأسبوع الماضي. وأكد كريغ أن الاعتقالات طالت المحتجين الذين أتوا من الضواحي لإثارة الشغب في المدينة، مشيراً إلى أن بعضهم قام برشق العبوات الفارغة ومقذوفات أخرى على عناصر الشرطة، في حين قام آخر بمحاولة دهس شرطي وقد تم توجيه تهم جنائية ضده من قبل مكتب الادعاء العام في مقاطعة وين.
ولفت كريغ إلى أن عدداً قليلاً من المعتقلين هم من سكان ديترويت، موضحاً أن أغلبيتهم جاؤوا من الضواحي في حين أتى بعضهم من ولايات بعيدة، مثل ماريلاند وكاليفورنيا ونيويورك والعاصمة واشنطن، بحسب ما أظهرت سجلات الشرطة.
ويوم الخميس، بادرت عدة مؤسسات تجارية في الداونتاون إلى وضع ألواح خشبية لتأمين ممتلكاتها، خشية تدهور الأوضاع، علماً بأن بلدية ديترويت لجأت إلى التساهل بتطبيق حظر التجول في الليلة السابقة مع حفاظ المتظاهرين على سلمية تحركاتهم في المدنية.
شغب
غراند رابيدز كانت أكثر مدن ولاية ميشيغن تضرراً من موجة الاحتجاجات، حيث نشطت عناصر تخريبية ليلة السبت الماضي في الاعتداء على الممتلكات الخاصة في وسط المدينة، مما دفع رئيسة البلدية روزالين بليس إلى إعلان حالة الطوارئ المدنية وفرض حظر التجول بمساعدة قوات الحرس الوطني التي انتشرت في اليوم التالي لاستعادة الأمن في المدينة الواقعة في غرب الولاية.
وبحسب المسؤولين في غراند رابيدز، تحولت تظاهرة سلمية أمام مقر الشرطة إلى أعمال شغب واسعة تم خلالها الاعتداء على حوالي مئة مؤسسة تجارية في وسط المدينة، كما تم إضرام النيران بسبع سيارات وثلاثة مبان من بينها متحف غراند رابيدز للفنون، وقد استعانت شرطة المدينة بدوائر المدن المجاورة لاحتواء التظاهرة التي خرجت عن السيطرة، باستخدام الغاز المسيل للدموع واعتقال سبعة من مثيري الشغب.
ولم تقتصر أعمال التخريب على مدينة غراند رابيدز، حيث تم الاعتداء أيضاً على الممتلكات الخاصة والمباني الحكومية بعاصمة الولاية، لانسنغ، يوم الأحد، فيما وقعت صدامات عنيفة بين شرطة مدينة كالامازو والمتظاهرين، يوم الثلاثاء.
وفي لانسنغ، اندلعت أعمال الشغب حوالي الساعة التاسعة مساء، على بُعد بلوك واحد من مبنى الكابيتول، وذلك بعدما باشرت الشرطة بتطبيق قرار فوري بحظر التجول، فيما أقدم مخربون على تحطيم واجهات عدة متاجر في وسط المدينة، كما قاموا بتكسير نوافذ أحد فروع مصرف «تشيس بنك» وبرج «بوجي»، أطول مبنى في المدينة. وقدرت السلطات حجم الأضرار بعشرات آلاف الدولارات.
أما في كالامازو، فقد طالت أعمال التخريب أكثر من 25 مؤسسة تجارية في وسط المدينة فيما أصيب شرطي بجروح وتم اعتقال ستة أشخاص.
في المقابل حافظت التظاهرات في المدن الأخرى على سلميتها، وقد انضم بعض رؤساء البلديات وقادة الشرطة إلى المتظاهرين وقام بعضهم بالركوع تخليداً لذكرى فلويد.
رد فعل الحاكمة
تجنّبت حاكمة ميشيغن، غريتشن ويتمر، التعليق على التظاهرات التي اجتاحت مدن الولاية رغم تخوفها سابقاً من «موجة ثانية» من وباء كورونا، بل أبدت الحاكمة الديمقراطية تضامنها مع المتظاهرين واصفة غضبهم بـ«المبرر» قبل أن تنضم يوم الخميس الماضي إلى مسيرة احتجاجية تخليداً لذكرى فلويد في مدينة هايلاند بارك برفقة نائبها غارلين غيلكريست.
وجثت ويتمر أثناء المسيرة على ركبتها نزولاً عند طلب المتظاهرين تكريماً لذكرى فلويد.
وكانت لافتةً مخالفة ويتمر لأوامرها التنفيذية المتعلقة بمكافحة وباء كورونا حيث سارت كتفاً إلى كتف مع مئات المتظاهرين الذين كان بينهم أيضاً رئيس بلدية ديترويت.
وأكدت تيفاني براون، المتحدثة باسم الحاكمة في بيان، أن لا شيء في أوامر ويتمر يجب أن يستعمل لانتهاك الحقوق المكفولة بالدستور الأميركي ودستور ميشيغن، بما في ذلك «الحق بالتظاهر السلمي».
وكانت ويتمر قد دعت في بيان صحفي، الأربعاء الماضي، إلى إجراء تغييرات في سياسات الشرطة لمنع تكرار حادثة مقتل فلويد وغيره من الضحايا السود، مطالبة بتحديث التشريعات الخاصة بسلوك الشرطة وتدريبهم على مكافحة التحيز الضمني وأساليب التهدئة.
كما حثت ويتمر وكالات الشرطة على تبني سياسة تلزم العناصر بالتدخل إذا رأوا زميلاً لهم يفعل شيئاً غير لائق أو غير قانوني.
وقالت ويتمر في بيان إن «وفاة فلويد في مينيسوتا وأحمد أربيري في جورجيا وبرونا تايلور في كنتاكي.. كانت نتيجة لمئات السنين من الظلم والعنصرية المتجذرة ضد الأميركيين السود». وحثت إدارات الشرطة على تشديد تدريبها وتحديث سياساتها، معربة عن استعدادها للتعاون مع السلطة التشريعية وأجهزة الشرطة لسن قوانين جديدة لتحسين عملية تجنيد العناصر الجدد.
ولم تدفع ويتمر في بيانها، لإجراء تغييرات فورية على ضوابط استخدام القوة من قبل الشرطة.
في المقابل سارع مجلس شيوخ الولاية، ذي الأغلبية الجمهورية، إلى تبني –بالإجماع– مشروع قانون يلزم عناصر الشرطة بالخضوع لتدريبات ضد التحيّز.
بدوره، قال نائب الحاكمة، وهو أميركي من أصل أفريقي، «إننا ندرك أوجه القصور في الأنظمة المعمول بها اليوم –الأنظمة التي تركت السود واللاتينيين والمجتمعات الملونة الأخرى يعانون من نقص الخدمات والشعور بالتهديد من قبل الشرطة».
يشار إلى أن أول تعليق من ويتمر على التظاهرات جاء في اليوم الثالث حيث قالت في فيديو مشترك مع غيلكريست: «أنا غاضبة، ليس من المتظاهرين السلميين الذين اجتمعوا اقتناعاً بقضيتهم ، لكنني غاضبة من الناس الذين يستغلون هذا الألم من أجل أجنداتهم الخاصة».
من جانبه قال غيلكريست «إن الحل لا يأتي من خلال تكسير النوافذ والتغريدات عبر تويتر، ولا من خلال الاستخفاف بالوباء مهما كان ذلك مغرياً».
وختمت ويتمر الفيديو بمقولة مشتركة مع غيكلريست: «سوف نتجاوز هذا معاً».
وكانت ويتمر قد انتقدت في تصريح آخر، رد فعل الرئيس دونالد ترامب على التظاهرات التي تجتاح البلاد، ووصفت موقفه بأنه «مزعج للغاية» و«خطير». وكان ترامب قد هدد باتصال هاتفي، ويتمر وبقية حكام الولايات بإرسال الجيش الأميركي لاستعادة الأمن في ولاياتهم في حال اندلاع أعمال شغب وتخريب للممتلكات الخاصة.
Leave a Reply