قدموا حفلا موسيقيا فـي ديربورن ضمن جولة على عدة مدن أميركية وكندية
قد تكون حكاية الاخوة جبران مثل حكايات الليل الجميلة التي تروى للاطفال ليلا كي يخلدوا للنوم. وقد تكون ايضا مثل حكايات الصباح التي يرويها الثوار قبل ان يلقوا الزوادة على اكتافهم، يقبلوا ايدي امهاتهم، يحتضنوا الارض، وينحدروا مع الطريق ليحرثوا حجارة الانتفاضة. لكن من المؤكد ان حكايتهم تنفع سيناريو لا يحتاج الى اي اضافات ليصنع منه فيلما عن الحنين، عن عبقرية ارض تختلط بعبقرية موهبة.
وما يجمع الليل مع الثوار وقصص العبقرية امور نادرة: فرادة التجربة واصالة الموهبة. فآلة العود تشبه الى حد بعيد فرسا جنوحا ليس من السهل ترويضه، فكيف اذا اجتمع عودان اثنان، بل كيف الفرار وقد اصبحت الاعواد ثلاثة.
ورغم ان تجربة العودين قد تم اختبارها بنجاح من قبل مبدعين ارسوا للعود اصولا حديثة مع مارسيل خليفة في تجربة «جدل» وشربل روحانا، الا ان الاخوة جبران، عندما فكروا ولوج بحر العود، لم يكتفوا بالابحار، بل قرروا الغوص، في تجربة صوفية لا يعرف اعماقها الا من ولجها. وعندما ولجوها رأوا المراكب تغرق والالواح تسلم، ثم غرقت الالواح وقيل لهم في عالم العود لا يسلم من ركب.
لكن ما هي حكاية هؤلاء القادمين من ارض فلسطين المحتلة، حاملين في ايديهم أعوادا وفي قلوبهم حجارة من تلك التي انهكت اعتى آلات الاحتلال في عصر دمقرطة الشعوب بحد السيف. يجوبون العالم، يحملون في امتاعهم سواعد الاطفال البريئة، وبرتقال الجليل. يقول اكبرهم، سمير، بأنه عندما يسمع تصفيق الجمهور، يدرك انه لفلسطين، وعندما يبصر التماع دمعة من عين مشاهد، يدرك انها من اجل فلسطين.
وليس غريبا على الذي انجبل بقصائد محمود درويش وحاور ورقة توت، وادرك ان سر العواصف في المطر، وهز بأجمل كف على الارض غصن الزمان وسافر على ظهر برتقالة… وشرب حتى الثمالة، ان يفتح في غياهب العود فتوحات مكية.
لقد ابتدأ سمير جبران الرحلة باكرا وابدع البومين «تقاسيم» (1996) و«سوء فهم» (2001) قبل ان يكتشف على حين غرة ان ثمة موهبة ولدت من نفس الرحم التي خرج منها هو تتكافأ معه بشكل مذهل.
ففي يوم لم يدرك وقتها اهميته في مسيرته الفنية، عرض حفلا موسيقيا مع اخيه وسام، في الضفة الغربية، وكانا يعزفان على آلتي عود عزفا متسقا. عند انتهاء العرض التفت اليهما سيمون شاهين وهو احد عباقرة العود وكان بين الحضور قائلا «ارى فيكما شيئا غير اعتيادي، فلو تدرب عازفا عود على آلتين عشرين سنة ما استطاعا ان يصلا الى ذلك الانسجام والتوافق، ذلك لا يكون الا ان تكونا اخوين». وبالفعل، بدأت رحلة الاخوين جبران، سمير ووسام، واخرجا البوم «تماس». كانت تجربتهما تختلف قليلا عن تجربة العودين عند مارسيل الذي كان اول من كتب نوتة موسيقية لعودين اثنين. لكن «جدل» الذي الفه مارسيل صمم على الطريقة الغربية «الهارموني» وهي ان يعزف العودين معا وتكتب موسيقاهما وكأن كل عود منهما يد عازف بيانو والعودين عندما يعزفان يكملان بعضهما البعض وكأن احدهما يد عازف بيانو اليمنى والثاني يده اليسرى. لكن اسلوب الاخوة جبران يختلف، فهما يعزفان «ميلودي» ولا يقسمان الموسيقى بينهما بل يتجليان معا بطريقة يصعب وصفها. ولم يدم الامر طويلا حتى انضم اليهما الاخ الثالث، عدنان، ليبدأوا تجربة لم يسبقهم اليها احد: تجليات موسيقية لثلاثة اعواد، تنساب الموسيقى عند تأليفها بشبه ارتجال، ليبنى على كل جملة موسيقية جملة اخرى.
ثمة شيء غير اعتيادي في داخل هؤلاء الفتية وكأنهم يخرجون بأناملهم كل غضب القهر الفلسطيني من عنت الانسانية.
اما كيف تخرج موسيقاهم دون ان يكتبوها على غير ارواحهم فإن للتأليف طقوسا كما يروي سمير قد تستغرق ثمانية اشهر من العمل المتواصل يوميا في خلوات موسيقية يبلغون فيها مقامات التصوف. وكان اول من وصف لهم حالتهم وهم يغرقون في بحر التجلي، هو شاعر فلسطين محمود درويش، كما يروي سمير، ولم يكن واصفهم الا مثلهم؛ تجربة لا يعرفها الا من شهدها ولا يدرك روعتها الا من احتضن في يوم عودا.
اما آخر عمل لهم وهو بعنوان «مجاز» فقد احتل قائمة اعلى المبيعات في فرنسا وهم الآن يجوبون القارة الاميركية لتقديم عروض البومهم الجديد. ولقد قدموا عرضا مذهلا في ديربورن يوم الخميس الماضي برفقة عازف الايقاع يوسف حبيش الذي عزف على 10 آلات ايقاع. كان ذلك في المتحف العربي الاميركي.
لمزيد من المعلومات حول البوم «مجاز» المستوحى من اخر ديوان للشاعر محمود درويش «سرير الغريبة» وحول جولاتهم القادمة التي تشمل منيابوليس، وست فيرجينيا، فلوريدا، نيويورك، مونتريال وأتاوا: www.letriojoubran.com
Leave a Reply