سوريا فـي قمة النجاح دولة محورية غير معزولةلبنان غاب فلم تحضر ازمته بالمناقشات وبقيت تحت سقف المبادرة العربية
في الوقت الذي كانت الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة، تعلن مقاطعتها للقمة العربية، كنا نتجه الى دمشق لمتابعة اعمال الدورة العشرين لهذه القمة التي تنعقد للمرة الاولى في عاصمة الامويين، وعاصمة الثقافة العربية لهذا العام حيث يشعر الداخل اليها، لا سيما الاتي من لبنان، انه يدخل مدينة تاريخية، ويصل الى مهد المسيحية كما سماها البابا يوحنا بولس الثاني وزارها مع مطلع القرن الحادي والعشرين ليصلي في اول كنيسة بناها بولس الرسول قي القنيطرة.ففي سوريا تتعرف الى التاريخ، وفيها تعرف معنى الجغرافيا السياسية، وماذا تعني انك في دولة عربية محورية جاذبة، وقطب اقليمي، ومرجعية دولية، تعمل الادارة الاميركية الحالية ومن سبقها، الى تحطيم هذا الدور لسوريا، وتقليص حجمها، ومحاولة عزلها، وقد بدأت هذه الرحلة الاميركية منذ عقود، ولكنها تصاعدت قبل ثلاث سنوات، مع رفض القيادة السورية الرضوخ للشروط الاميركية، والاستجابة لمطالبها، في تغيير سلوكها الموصوم بدعم «الارهاب»، وفق القاموس الاميركي والمقصود تأييدها حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق.لم تلق الدعوات الاميركية اذاناً صاغية في المقر الرئاسي السوري سواء في قصر المهاجرين بدمشق، او قصر الشعب في قاسيون، لان الرئيس بشار الاسد وقبله والده الرئيس حافظ الاسد، رسما خطوطاً حمراء امام الثوابت الوطنية والقومية، ولم يقبلا التفاوض على ما يمسها، وهما كانا يعبران عن نبض الشعب السوري، الذي يعتب على الدول العربية التي لم يشارك ملوكها ورؤساؤها في القمة، وعلى لبنان الذي قاطعها فريق منه يتولى السلطة الان، ويسأل مواطنون سوريون، الم يضح الجيش السوري في سبيل وقف الحرب في لبنان، ويدافع عنه بوجه الغزو الصهيوني عام 1982، وتتعرض سوريا لكل هذه الضغوطات والعقوبات وقرارات الحصار والعزل، لانها تقف مع المقاومة في لبنان وتمدها بكل مقومات صمودها وانتصارها، اما مصر فانها كانت شريكة في حرب تشرين 1973، وجيشها خاض مع الجيش السوري حرباً مجيدة، والاردن لم تبخل عليه سوريا بالمياه وحتى بحبة القمح ترسلهما الى الشعب الشقيق، وتبقى السعودية التي تخاصمنا على تحالفنا مع ايران، في وقت يستقبل ملكها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد.هذا العتب السوري على غياب الرئيس حسني مبارك والعاهل الاردني الملك عبدالله الثاني والعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، لم يدفع بالرئيس الاسد الى القاء خطاب ناري والتوجه بالانتقاد نحوهم، بل كان هادئاً وحواريا لحل الخلافات، على عكس كلامه الذي قاله بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان في صيف 2006، عندما وصف بعض القادة العرب بـ«انصاف الرجال» وتسبب بأزمة مع السعودية التي شعرت ان قيادتها هي المقصودة ، وكان يرد على مواقفها المتخاذلة اثناء الحرب التي غطتها بوصفها عمليات المقاومة بـ«المغامرة»، وكان يريد ان يرسل رسالة، بان انهزامهم وتقاعسهم يضعهم في مصاف «انصاف الرجال».تعاطت سوريا بروية وهدوء لنجاح القمة، وقد تعرضت لضغوطات كثيرة، لتأجيل عقدها، ريثما تتم تنقية الاجواء العربية وفق نصيحة من الرئيس المصري، وازالة الخلافات العربية- العربية من امامها، وتأمين انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان كما اشترطت السعودية، ليشارك في القمة، التي لا يمكن ان تعقد من دونه، فتم ربط حصولها بالانتخاب، وجرى استخدامها محطة لفرض الشروط على سوريا لتضغط على المعارضة في لبنان التي لها فيها حلفاء، لتقديم الاستحقاق الرئاسي كاحد بنود المبادرة العربية على تشكيل الحكومة، لكن الرئيس السوري رأى انه لا يمكن الربط بين الاستحقاقين، ولكل منهما ظروفه، وسوريا لم تتأخر في دعم اي توافق لبناني، لان الحل هو في يد اللبنانيين، ولا يجوز التدخل بشوؤنهم، وهذا ما قاله الرئيس الاسد امام القمة واكد ان من يتهم سوريا بالتدخل في لبنان وعرقلة الحل فيه، هو من يطالبها ان تتدخل ولن تفعل ذلك، وكل ما تقدمه هو التشديد على الوفاق اللبناني، ودعم المبادرة العربية التي هي خطة متكاملة، لقيت اجماعاً عربياً، وقد شددت مقررات القمة عليها، وايدت مساعي الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في تنفيذها.فلم ينجح من سعى الى الغاء القمة في دمشق، او نقلها، او تعطيلها ومن ثم شلها، بان تكون الازمة اللبنانية، هي بابه للولوج منه، في محاولة لعزل سوريا، او تحجيمها بتخفيض مستوى حضور القمة، هو ما عملت عليه الادارة الاميركية التي وظفت كل جهودها وامكاناتها مع عربها، للتهويل على سوريا، وعلى الدول العربية لاعلان عدم مشاركتها، او ارسال مندوبيها في الجامعة العربية فقط، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل، وحضر 11 رئيساً وملكاً واميراً القمة، اضافة الى ولي العهد المغربي ونائب الرئيس اليمني ونائب الرئيس العراقي.
الاسد افشل تعطيل القمة العربية وترأسها بخطاب حواري لحل الخلافات
فالحضور كان طبيعياً قياساً على قمم سابقة، كان الغياب عنها اكبر بكثير، ومن هذه الزاوية، فان القمة كانت ناجحة، واستطاعت دمشق ان تسجل انتصاراً على خصومها، وظهرت انها دولة ليست معزولة، كما كانت تروج الادارة الاميركية وحلفاؤها، وان العرب التفوا حولها، فحضر جميع رؤساء دول المغرب العربي الكبير، وثلاثة امراء من دول الخليج مع حضور عال لليمن والبحرين ومسقط، باستثناء السعودية التي تمثلت بمندوب مثل مصر والاردن، وحضر السودان من وادي النيل، اما من المشرق العربي، فغاب لبنان، وخفض الاردن حضوره الى مستوى المندوب، بعد ان كان ملك عبدالله الثاني قد وعد بالحضور، وتم تحضير «البروتوكول» لاستضافته، لكن ضغوطاً اميركية وسعودية مورست عليه فسار في ركاب حليفيه السعودي والمصري، بالرغم من ان اتفاقات اقتصادية تربطه بسوريا، والعلاقات تحسنت بينهما، اما الرئيس اليمني، فان عدم حضوره كان لاسباب داخلية، والبعض ربط غيابه بالضغط الذي مارسه العاهل السعودي على الرئيس علي عبدالله صالح مع وعود بدعم مالي، واشارت المعلومات ايضا الى ان غياب صالح في اللحظة الاخيرة يعود الى تعثر تنفيذ اتفاق صنعاء الذي رعاه بين حركتي «حماس» و«فتح»، وحاول البعض الايحاء ان سوريا تقف وراء «حماس» لعدم تنفيذه، وتبين من خلال المناقشات في اجتماع وزراء الخارجية العرب او جلسات القمة، ان هذا الاتفاق نال دعماً اساسياً من سوريا، واحتل موقفاً متقدماً في مقررات القمة.لقد اجتازت سوريا بنجاح القمة العربية، وفرضت على من حاول تفشيلها ان يقر بانها دولة غير معزولة، وهذا ما اعلنه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، في مؤتمر صحافي عقده تزامناً مع افتتاح القمة، واعترف بان لا احد يعمل لعزل سوريا التي هي دولة محورية واساسية، وتوجه اليها بكلام ايجابي ودعاها للمساعدة في حل الازمة اللبنانية بالضغط على المعارضة اللبنانية التي يتهمها بأنها تعرقل المبادرة العربية ويريد الفيصل ان لا تأخذ المعارضة حقها في ان تشارك بحكومة وحدة وطنية وفق نسبة ما لها من مقاعد في مجلس النواب، وهذه قاعدة طبيعية، وما اعلنه الوزير السعودي انه يقف مع مطالب الفريق الحاكم ويدعو كما الادارة الاميركية، ان لا يتنازل امام المعارضة كشف ايضاً المندوب السعودي في الجامعة العربية احمد القطان الذي مثل بلاده في القمة، ان المملكة لا يمكن ان تسلم الحكم للمعارضة.فحل الازمة اللبنانية تتحمل السعودية مسؤولية عرقلته، كما تقول المعارضة عندما ترفض قيام حكومة وحدة وطنية، فتشدد قوى 14 شباط، وكانت تنقض الاتفاقات التي تعقدها مع المعارضة، من خلال جلسات الحوار التي حصلت بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري، او في «اللقاء الرباعي» الذي جمع العماد ميشال عون عن المعارضة والرئيس امين الجميل والحريري عن الموالاة، عندما قبل الفريق الحاكم بحكومة من ثلاث عشرات، ثم تراجع عن مواقفه امام الامين العام للجامعة العربية.وامام غياب لبنان، لم يتمكن القادة العرب من مناقشة تقرير عمرو موسى حول المبادرة العربية، لحل الازمة، فخسر اللبنانيون فرصة ذهبية لعرض قضيتهم، بسبب قرار السنيورة مقاطعة القمة، والذي كان يتوقع ان يثير بقاء مقعد لبنان شاغراً تحريك القمة لمعالجة ازمته، لكن حساباته لم تكن موفقة، وورطته الادارة الاميركية بالغياب فغابت ازمته وبقيت في عهدة المبادرة العربية وتحت سقفها، التي تم تعويمها، حيث من المتوقع ان يقوم عمرو موسى بحركة اتصالات عربية واقليمية، وتحديداً باتجاه السعودية وسوريا، مستفيداً من الهدوء والغزل القائم بينهما، لا سيما من الخطاب الهادىء للرئيس الاسد، الذي بدأ يتصرف كرئيس للقمة العربية، حيث دعا الى حل الخلافات بالحوار، وهو سيسلك هذا الطريق الذي قد يفتح الحل في لبنان.وفي موازاة تحرك موسى، فان الرئيس بري الذي اعلن انه ستكون له مبادرة اذا ما توقفت المبادرة العربية، فهو وبعد نتائج ومقررات القمة العربية بدعم المبادرة العربية وقطع الطريق على التدويل الذي كانت تعمل له واشنطن مع بعض الدول العربية ةاطراف لبنانية في السلطة، فان رئيس المجلس سوف يتحرك تحت سقفها، واعتبارها ما زالت قادرة على تأمين الحل، وهو سيواكب اتصالات الامين العام للجامعة العربية، من خلال فتح حوار داخلي، بالرغم من انها لم يلق التجاوب من قبل اطراف في 14 شباط، التي اشترطت الحوار بعد انتخاب رئيس للجمهورية الذي يكون هو راعيه، الا ان النائب وليد جنبلاط كان له موقف لافت، عندما رحب بدعوة بري للحوار وان يتم تنفيذ ما اتفق عليه على طاولة الحوار.والدعم الذي ناله موسى من القمة العربية لمبادرته، لم يمنعه من ان يرمي الكرة في الملعب اللبناني ويعتبر ان للبنانيين الدور الاساسي في الحل، الذي لا يبدو متفائلاً كثيراً بحصو له في انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد الجديد الذي حدده الرئيس بري في 22 نيسان الحالي، ويخشى ان تمتد الازمة الى ما بعد الصيف المقبل الذي يتوقعه موسى ساخناً في المنطقة، انطلاقاً من لبنان واحتمال وقوع عدوان اسرائيلي عليه، او انفجار حرب اقليمية تبدأ من ايران.فالتشاؤم الذي يرسمه موسى للمنطقة، يخشى ان تضيع المبادرة العربية مع ما قد يحصل من تطورات دراميتيكية، فيفقد لبنان الاهتمام العربي به بعد اعتبار حل ازمته مسؤولية عربية، كما ستختفي المساعي الدولية، مما يعني دخول لبنان في نفق مظلم، ووقوعه في «الستاتيكو»، الذي قد تحركه توترات سياسية مترافقة مع تفجيرات امنية، ومعارك متنقلة.فالقمة التي غيبت مناقشة الازمة اللبنانية، بغياب اصحابها، فان الصراع الفلسطيني-الفلسطيني حضر بقوة، واعتبر اعلان صنعاء السقف الذي يمكن ان يتحاور تحته كل من «حماس» و«فتح»، لكن لا يبدو ان الطرفين سيتجهان الى الحوار، حيث رفع كلاً منهما تفسيراً للاتفاق، وهو نفس ما يعانيه اللبنانيون ايضاً في تفسير المبادرة العربية، حيث تتشابه الازمتان اللبنانية والفلسطينية، والخلاف يدور حول الصراع مع العدو الاسرائيلي.لم تخرج قرارات القمة عن ما سبقها من قرارات القمة السابقة وما سبقها من قمم لجهة دعم مبادرة السلام العربية، مع البحث في استراتيجية السلام التي انتهجتها الدول العربية، واجراء تقويم لها، وما تحقق، لا سيما وان اسرائيل لم تقدم اي تنازل، ولم تطبق اي اتفاق وقع معها، ولم تلتزم بروحية مؤتمر مدريد وتراجعت عن الاسس التي قام عليها وهي مبدأ «الارض مقابل السلام»، ولا بدّ من ايجاد بدائل موازية تردع العدو الاسرائيلي الذي يمارس ارهابه ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني من خلال اعتداءاته المستمرة، وكان آخرها العدوان على غزة.وخرجت القمة بقراءة جديدة لاستراتيجية السلام، وهي التمسك بها ولكن مع امتلاك القوة، بعد ان اثبتت المقاومة في لبنان وفلسطين انها تستطيع
تغيير المعادلات وتتجه الاستراتيجية الجديدة، الى حمل البندقية بيد وغصن الزيتون بيد اخرى، وهو الشعار الذي رفعه ياسر عرفات قبل 53 عاماً في الامم المتحدة.فالقمة التي تميزت بالشفافية والمصارحة والمكاشفة، سواء في الكلمات العلنية او الجلسات المغلقة، سيطرت عليها واقع العالم العربي الذي فنده الرئيس الليبي معمر القذافي وكان نجم القمة، لانه تحدث بلغة المواطن العربي، ولم يخبئ شيئاً، وكشف عن الخلافات التي تعصف بين الدول العربية، التي لم تغب عن كلمة الرئيس الاسد، الذي دعا الى معالجتها بالحوار وروح الوفاق العربي، للوصول الى ان يصبح العالم العربي تجمعاً قومياً واحداً، في ظل الوحدات القارية، وعصر العولمة وفتح الحدود والتجارة الحرة.وربط الاسد ذلك، في تحقيق الاصلاح الداخلي لكل دولة، وهذه مسألة توقف عندها المراقبون، لمنع حصول اختراق خارجي كما تسعى الولايات المتحدة، من خلال مشروع رئيسها، عبر طرح ما يسمى نشر الديمقراطية، وشن حروب على العالم العربي كما حصل في العراق.
Leave a Reply