واشنطن – بعد عامين من خروجه بصورة رسمية من فترة الركود، لا يزال الاقتصاد الأميركي يعاني من مشكلات أعمق بكثير من مسألة ارتفاع أسعار النفط أو أزمة الديون الأوروبية أو هبوط صناعة السيارات بسبب كارثة الزلزال في اليابان.
إذا يرى محللون اقتصاديون، حسب صحيفة “لوس أنجلوس تايمز”، مشكلات خطيرة تخنق سوق العمل بالولايات المتحدة وتعيق الانتعاش الاقتصادي في كل قطاع وإن الاقتصاديين ومسؤولي الشركات يرون أن هذه المشكلات تعيد تشكيل الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة وللأميركيين.
كما يؤكد محللون، حسب “سي أن أن”، إن خيبة الأمل التي أصابت المراقبين جراء الأرقام التي تظهر أن النمو الاقتصادي الأميركي قد خفّت وتيرته بحيث ما عادت تتجاوز 2 بالمئة ليست مجرد مشاعر وانطباعات عابرة، وإنما تعبر في الواقع عن أزمة قاسية سيشهد المتابعون آثارها على أكثر من قطاع وصعيد في الفترات القادمة.
وذكر المحللون أن أول آثار تراجع النمو ستظهر من خلال تراجع الضرائب، ما سينعكس بالتالي على الميزانية العامة التي ستعاني من اختلال يمنعها من معالجة العجز الكبير المسجل فيها.
وأضافوا أن لغة الأرقام تشير إلى أن النمو الاقتصادي بواقع 3,9 بالمئة على مدار عقد من الزمن كفيل بخفض الدين العام الأميركي من مستويات تعادل 10 بالمئة من الناتج القومي حالياً إلى أقل من 83 بالمئة من هذا الناتج، أما تراجع النمو إلى مستوى 1,8 بالمئة خلال الفترة عينها فسيرفع الدين إلى 14 بالمئة.
كما أشاروا إلى أن استمرار الوضع على ما هو عليه لفترات طويلة سيجعل من الصعب على الحكومة توفير أموال لمعالجة أزمة البطالة وتوفير فرص عمل جديدة، ولن يشجع، في الوقت عينه، شركات القطاع الخاص على عرض وظائف جديدة، وهذا سيفاقم أزمة البطالة الحالية.
وإلى جانب الأثر المباشر على الاقتصاد، يرى المحللون أن تراجع النمو إلى هذه المستويات سينعكس سياسياً من خلال الانقسام المتزايد بين رجال السياسة في واشنطن، إذ قد يتحول الاقتصاد إلى مادة أساسية في السباق إلى البيت الأبيض عام 2012. يشار إلى أن الميزانية الأميركية تعاني عجزاً كبيراً فاقمته الأزمة المالية العالمية، ويعتبر عدد من المراقبين الاقتصاديين في واشنطن أن تراجع سعر صرف الدولار قد يفيد واشنطن على الأمد القصير ويزيد من صادراتها بمواجهة المنتجات الصينية الرخيصة.
مشكلات هيكلية
وقالت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” في تحليل إن مشكلات خطيرة تخنق سوق العمل بالولايات المتحدة وتعيق الانتعاش الاقتصادي في كل قطاع وإن الاقتصاديين ومسؤولي الشركات يرون أن هذه المشكلات تعيد تشكيل الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة وللأميركيين. وجاء تحليل الصحيفة بعد إعلان عن ارتفاع معدل البطالة بالولايات المتحدة إلى 9,1 بالمئة في الشهر الماضي وهبوط معدل التوظيف في الشركات الأميركية.
وقالت الصحيفة إن من الصعب تصور احتمال عودة الاقتصاد الأميركي إلى نشاطه المعتاد دون تحسن سوق العمل وزيادة قوة الإنفاق لدى المستهلكين.
مشكلة التطور التكنولوجي
وأوضحت “لوس أنجلوس تايمز” أن أكبر تحد يواجه التحسن في سوق العمل وخفض معدل البطالة هو التقدم الكبير في قطاع التكنولوجيا خاصة في قطاع الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات.
وقالت إن هذا التقدم سهل على الشركات الأميركية عملية التوسع في الإنتاج دون الحاجة إلى زيادة عدد العمال. وهذا أحد أسباب انتعاش الاقتصاد دون تحسن في سوق العمل.
وأشارت الصحيفة إلى أن لهذه العملية جذورا تمتد إلى عدة عقود، لكن وتيرتها تسارعت في السنوات الأخيرة.
وفي العامين الماضيين أنفقت الشركات الأميركية مليارات الدولارات على معدات جديدة، لكن معدل البطالة في الولايات المتحدة بقي بالقرب من 10 بالمئة. واستطاع الاقتصاد الأميركي تعويض 1,8 مليون وظيفة فقط من 8,7 ملايين وظيفة فقدها أثناء الأزمة المالية بين العامين 2007 و2009.
المنافسة الخارجية
كما يرجع المراقبون ضعف سوق العمل الأميركي إلى تغير طبيعة التنافس الخارجي، ففي السابق كانت الأسواق الناشئة في الهند والصين وكوريا الجنوبية تستقطب وظائف أميركية لتعمل في شركاتها في الخارج بسبب هبوط مستوى مهارة العمال لديها. أما اليوم فإن تلك الدول أصبحت تؤهل الملايين من العمال المتعلمين، ليس فقط كمهندسين وعلماء كمبيوتر بل أيضا كباحثين في مجالات الطب وخبراء ماليين ومحامين ينافسون الأميركيين الذين طالما تمتعوا بميزة تنافسية في الخارج.
يضاف إلى ذلك أن أسواق الدول الناشئة استطاعت جذب الشركات الأميركية الواحدة تلو الأخرى.
فبين العامين 1999 و2009 زادت الشركات متعددة الجنسيات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها والشركات الأميركية الكبرى عدد عمالها في الخارج بمقدار 2,4 مليون، بينما خفضت عدد العاملين فيها في الولايات المتحدة بـ2,9 مليون، حسب وزارة التجارة الأميركية. وهذا الرقم لا يشمل عدد العمال الذي تستعيرهم بصورة مؤقتة تلك الشركات من شركات أخرى في الخارج.
Leave a Reply