لا اشعر بالسعادة وينتابني شعور دائم بالكآبة. واعتقد ان هذا الشعور سائد في المنزل ككل. فرغم اننا، كما نبدو، عائلة ناجحة، الاّ انني اكتشفت اخيرا ان هناك شيئا ينقصنا، وهو الاحساس بترابط الاسرة. فانا لست بصديقة لأولادي او لزوجي، مشاغلنا الكثيرة تبعدنا عن المنزل، فانا وزوجي في عمل دائم للنجاح والتقدم في عملنا. ولكننا، في المقابل، لم نعمل لننجح في المنزل، نسينا ان لدينا اولاداً وعائلة.
هذا ما باحت به لي سيدة تخطت الاربعين بسنوات عدة، وتشغل مركزا مرموقا في احدى الدوائر الرسمية بحكومة ميشيغن، ناجحة جدا في عملها وزوجها ايضا موظف كبير وناجح في عمله، لديهما ابنة تدرس العلاقات العامة واللغة والابن يدرس الاقتصاد في جامعة مرموقة. قالت لي: قد تقولين ان نجاح الاولاد يعني نجاحنا انا وزوجي، ولكن الحقيقة انه لم يكن الفضل لنا في ذلك، وانما يرجع الفضل كله للمدارس الخاصة ولوالد زوجي الذي كان يرعى شؤون الاولاد والسهر على نشاطاتهم، واصلت السيدة كلامها بحزن وقالت: بعد ان تابعت دراستي العليا وحققت نجاحا كبيرا في عملي وحصلت على مركز مهم كنت اصبو اليه منذ فترة، عدت للمنزل لاحتفل بنجاحي، ولكن للاسف لم استطع ان اجمع اسرتي الصغيرة معي للاحتفال، بدا لي هذا امر لا يخصهم وكل فرد منهم لديه أمور اخرى تشغله.
جلست وحدي استرجع شريط حياتي، وجدتها حياة كئيبة تخلو من المرح والسعادة، اكتشفت ان قد مرت فترة طويلة جدا لم تجتمع فيها العائلة في لحظات مرح حقيقية، ادركت انني وزوجي مهمومان دائما بالتنافس في العمل، تنافس استنفذ كل ما لدينا من طاقة نشعر بها فرح اللحظة، او ضحكة من اعماق القلب، نكتة بريئة، استغراق حالم وطمأنينة وألق داخلي، صفاء ذهني، القائمة طويلة، وقد تطول اكثر، لم نعد كما كنا، اختفت الابتسامة الحقيقية من ايامنا وانعدمت الضحكة التلقائية، من يعيد الينا ما فقدناه في غفلة الزمن؟
المفروض انني اعيش ربيع العمر كما يقولون وان اكون سعيدة ومنطلقة لا احمل هما للدنيا، لكن الحقيقة عكس ذلك، فانا تعيسة ومكتئبة وخائفة. والآن انا اعترف اننا فشلنا، انا وزوجي في بناء علاقات اسرية مترابطة واحاول ان اغير من هذه الحياة لتكون فعلا حياة فرحة وسعيدة، ولاكني لا اعرف كيف؟؟ وهل أن احداً من القرّاء بإستطاعته فك هذا الإشتباك؟؟
سألت احد الاطباء الاصدقاء حول الاسباب النفسية الحقيقية التي تؤدي الى الكآبة فقال الاحساس بالكآبة هو انعدام المزاج وهبوط المعنويات والاحساس بالتشاؤم بصفة عامة نتيجة ضغوط الحياة ورتابتها وفقدان الحس الجمالي في الحياة اليومية والعمل الدائم لتحسين العيش واللهاث وراء المصالح الخاصة والتنافس وعدم الاحساس بالطمأنينة والهدوء، وانه شعور عام يشعر به الافراد من مختلف المستويات.
الكآبة ايضا معدية والجو العام حاليا مشبع بهذا الشعور، والحياة المدنية لا تهدأ الزحام في الشوارع والسيارات مسرعة كأنها تطارد قطيعا من الخيول الشاردة، كل ذلك يؤدي الى التوتر، والتوتر يخلق حالة من الشحن لبطارية الانفعال السلبي.
في ايام اهلنا واجدادنا، كانت المشاكل قليلة ولم تكن الحياة معقدة، كانت الامور بسيطة ويتم حلّها ببساطة ايضا. الآن الفقير مهموم لا يستطيع ان يوفر لاسرته من احتياجات، والغني مهموم ومتوتر، خائف على امواله وصحته.
زمان كان يتحكم في الاسرة فرد واحد غالبا هو الاكثر وعيا، والآن كل افراد الاسرة عندهم نوع من الوعي او قلته، وكل واحد يحاول فرض رأيه، اختفى كبير العائلة مما باعد بين افراد الاسرة وادى الى حياة جافة خالية من المرح والمودة والوداعة.
Leave a Reply