وليد مرمر
بعد انتهاء العملية الانتخابية الأكثر غرابة وربما الأشد حدة في تاريخ الولايات المتحدة، ما يزال المشهد السياسي ضبابياً بل وينذر بتطورات غير مسبوقة في تاريخ البلاد. ففيما يعمل الفريق الانتقالي للمرشح الديمقراطي جو بايدن، على تشكيل الإدارة الجديدة وكأن الانتخابات قد حسمت فعلاً، لا يبدو أن الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في وارد التسليم بالنتائج التي نصبت على أساسها وسائل الإعلام، بايدن «رئيساً منتخباً».
لسان حال إدارة ترامب، لخصه وزير خارجيته مايك بومبيو، لدى إجابته على سؤال أحد الصحفيين عن مدى استعداد ترامب لتسهيل انتقال سلس للسلطة فأجاب: «نعم، سنسهل الانتقال السلس، للرئيس ترامب، نحو ولاية لأربع سنوات إضافية»!
فقد قرر الرئيس ترامب ومعه قيادات الحزب الجمهوري الاحتكام للقضاء عبر رفع دعاوى قضائية في معظم الولايات المتنازع عليها، وسط مزاعم بحدوث عمليات تزوير واحتيال واسعة النطاق، بينما تستعد ولايتان على الأقل –جورجيا وويسكونسن– لإعادة فرز الأصوات في ظل الهامش الضئيل الذي يفصل المرشحين.
دستورياً، يعتبر يوم 14 كانون الأول (ديسمبر)، موعداً نهائياً لاختيار مندوبي الولايات والمصادقة عليهم تمهيداً لرفع أصواتهم إلى الكونغرس الأميركي الذي تقع عليه مسؤولية المصادقة النهائية على الانتخابات.
وبغض النظر عن نتائج الانتخابات الرسمية، فإنه من المستبعد تماماً أن يكون هناك سيناريو هادئ لانتقال السلطة، أو التمديد لها، على حد سواء، وذلك بسبب الإنقسام العامودي الذي يشهده المجتمع الأميركي بين الجمهوريين أو الديمقراطيين. فمن وجهة النظر «الديمقراطية» فإن فوز بايدن هو أمر واقعي وأية محاولة لتغيير هذا «الواقع» سيعد انقلابا على العملية الديمقراطية وتهديداً للنظام الانتخابي برمته. فيما يطالب الجمهوريون بالتدقيق بنتائج الانتخابات اعتقاداً منهم بأن ترامب قد يكون الفائز الحقيقي في السباق وأنه قد تمت «سرقة» الانتخابات منه عبر التلاعب والغش وغيرهما من عمليات الاحتيال الانتخابي.
من هنا، لا يبدو أن أياً من جمهور الحزبين سيسلم بفوز غريمه بروح رياضية، بل من المتوقع أن تكون هناك اعتراضات واسعة قد تتطور لاحتجاجات وصدامات في الشارع وربما إلى نوع من الفوضى قد يتطلب تدخل الجيش الأميركي.
وربما كان هذا هو السبب الرئيسي الذي دعا ترامب إلى إعفاء وزير دفاعه مارك أسبر من منصبه واستبداله بمدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، كريستوفر ميلر، الذي أصبح وزيراً للدفاع بالوكالة.
والظاهر أن ترامب يريد إبعاد «متذبذبي الولاء» وإحاطة نفسه برجال أوفياء ومطيعين له كي لا يترك مع اشتداد وطأة الأزمة الدستورية المتوقعة وانتقال الاحتجاجات إلى الشارع.
وقد توقع موقع «ذا هيل» الأخباري نقلاً عن مصدر مطلع قبل أيام من إقالة أسبر، أن ترامب يعتزم إقالة وزير الدفاع إضافة إلى كل من مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي)، جينا هاسبل، ومدير مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي)، كريستوفر وراي.
وبرزت الخلافات بين ترامب وأسبر في عدة ملفات كان أبرزها عندما أعلن الأخير في الماضي أنه سيستقيل بشكل طوعي إذا ألغى ترامب موافقة البنتاغون على ترقية اللفتنانت كولونيل ألكسندر فيندمان، الذي استقال لاحقاً بعد أن أدلى بشهادته في تحقيقات الكونغرس بقضية عزل ترامب. ثم ظهر تباين واضح خلال الصيف الماضي في كيفية التعامل مع الاحتجاجات وأعمال الشغب التي اجتاحت العديد من كبريات المدن الأميركية عقب مقتل الإفريقي الأميركي جورج فلويد على يد شرطة مينيابولس. فقد أصدر أسبر –حينها– موقفاً علنياً برفضه لاستخدام قانون ردع التمرد لنشر قوات عسكرية للتصدي للمحتجين، وهو ما كان قد هدد به ترامب بعد أن وصلت الاحتجاجات إلى محيط البيت الأبيض.
خطوة إقصاء أسبر، لم تكن الوحيدة التي اتخذتها الإدارة الأميركية «لتطهير» وزارة الدفاع من «أنصاف الموالين» واستبدالهم بآخرين أوفياء لترامب. فقد تم أيضاً إجبار وكيل وزارة الدفاع بالوكالة لشؤون السياسة والاستخبارات، جيمس أندرسون، يوم الثلاثاء الماضي واستبداله بـالجنرال اليميني المتقاعد أنطوني تاتا المعروف بمواقفه العدائية تجاه الإسلام. وتاتا هو من المؤيدين المتحمسين لترامب وكان قد وصف الرئيس السابق باراك أوباما، بأنه «إرهابي» و«مسلم»، وقد انتقده بشدة بسبب مشاركته بإبرام الاتفاق النووي مع إيران، فضلا عن نشره لتغريدات صرح فيها بأن الأسلام هو «الدين الأكثر عنفاً وجوراً» عام 2018.
كما طالت التغييرات المفاجئة في الكونغرس مناصب حساسة ومهمة أخرى في شؤون الاستخبارات ومكافحة الإرهاب بما فيها، جيمس جيفري، المسؤول عن ملفي سوريا ومحاربة «داعش».
لكن هل يستطيع ترامب الحفاظ على تضامن أقطاب الحزب الجمهوري معه في هذه المعركة الطويلة؟
منذ أيام قليلة غرّد دونالد ترامب جونيور، الابن الأكبر للرئيس مهاجماً بعض الجمهوريين القدامى ومؤكداً أن والده سيواصل معركته للتأكد من نزاهة الانتخابات بغض النظر عن عدم وقوف بعض الجمهوريين معه. وأشار إلى هؤلاء بالقول «لا تهتموا، فإن ترامب سيقاوم وسيكون بإمكانهم التفرج كالعادة».
وكما يبدو، فإن معظم مراكز القوى في الحزب الجمهوري أظهرت دعمها لترامب، ما عدا بعض المحافظين الجدد كالرئيس السابق جورج بوش الابن والسناتور ميت رومني اللذين سارعا إلى تهنئة بايدن بالفوز، الذي أعلنته وسائل الإعلام. ورغم ذلك، لا شك أن معركة ترامب ستكون صعبة وضارية، خصوصا في ظل اصطفاف معظم وكالات الإعلام خلف بايدن، وتخلي «فوكس نيوز» عن دعمها له.
ولكن هل لهذا «التطهير» داخل البتناغون علاقة بما يتناقله البعض عن رغبة الإدارة الحالية بشن حرب خاطفة على إيران؟ يبدو أن هذا الاحتمال مستبعداً تماماً نظراً لانشغال ترامب بمعركة داخلية معقدة واعتماده على خيار الحصار الاقتصادي بدلا من الحروب في التعامل مع الملفات الخارجية، لاسيما إيران.
فمنذ أيام قليلة فقط، أعلنت إدارة ترامب عن فرض عقوبات جديدة على طهران بعد انتهاء الانتخابات. وقد صرح موقع «أكسيوس» بأن الإدارة الحالية ستعمد إلى فرض عقوبات جديدة كل أسبوع حتى إعادة انتخاب ترامب أو تنصيب بايدن. وتابع الموقع قائلاً إن إليوت أبرامز، المبعوث الخاص لوزارة الخارجية لإيران وفنزويلا، التقى في إسرائيل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين كبار قبل انتقاله إلى السعودية والإمارات لمناقشة العقوبات.
إذن، من المتوقع أن تتزايد التشنجات والتعقيدات غير المسبوقة التي ترافق المشهد الانتخابي الأميركي خلال الأسابيع القليلة المقبلة في ظل انقسام حاد بين مؤيدي الحزبين، وهو انقسام قد ينذر بعواقب وخيمة إذا لم تتمكن الأطر الدستورية من حسم الخلاف، أو إن حسمته بطريقة ترضي طرفاً وتشعر الآخر بالظلم والغبن.
walidmarmar@gmail.com
Leave a Reply