نبيل هيثم
بسرعة كبيرة انتقلت الانتخابات الإسرائيلية من كونها حدثا جامدا ورتيبا إلى حدث بالغ الحيوية والإثارة. خاصة بعد النتائج التي تمخضت عنها وابرزت تقدما لبنيامين نتنياهو حددته النتائج غير النهائية لهذه الانتخابات بحصول فريقه على 29 مقعدا فـي الكنيست, الامر الذي حدا بنتنياهو الى اعلان فوزه على التحالف الصهيوني الذي حل ثانيا فـي هذه الانتخابات, الا ان المفاجأة الكبرى التي تأتت عن هذه الانتخابات تجلت بالفوز الواضح للائحة العربية التي حلت كقوة ثالثة فـي البرلمان الاسرائيلي, بحصولها على 14 مقعدا فـي وضع هو الاول من نوعه..
ويمكن القول بناء على هذه النتائج، ان حزب الليكود بزعامة نتنياهو حقق فوزا مفاجئا فـي الانتخابات الإسرائيلية العامة المبكرة التي جرت الثلاثاء.
وكانت استطلاعات خروج الناخبين من مراكز الاقتراع قد توقعت نتائج متعادلة، لكن مع فرز معظم الأصوات أظهرت النتائج تقدما واضحا لحزب الليكود، الذي ينتمي إلى تيار اليمين، مقارنة بأقرب منافسيه حزب المعسكر الصهيوني، الذي ينتمي إلى تيار يسار الوسط.
وتعطي النتائج رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو فرصة قوية من أجل تشكيل ائتلاف حكومي يميني. وتضع النتيجة نتنياهو على طريق تولي رئاسة الحكومة للمرة الرابعة، ليصبح صاحب أطول مدة فـي رئاسة الحكومة الإسرئيلية على الإطلاق. وأشارت آخر الإحصاءات إلى حصول الليكود على 30 مقعدا، من بين 120 مقعدا هي إجمالي عدد مقاعد الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، وحصول حزب المعسكر الصهيوني على 24 مقعدا.
وفـي كلمة أمام مؤيديه فـي تل أبيب بعد إغلاق مراكز الاقتراع الثلاثاء، وصف نتنياهو مؤشرات النتائج بأنها «نصر عظيم جاء رغم كل الصعاب» التي واجهها الليكود الذي جاء بعد حزب المعسكر الصهيوني فـي استطلاعات الرأي السابقة على الانتخابات. وقال بيان لحزب الليكود إن نتنياهو «يعتزم فورا البدء فـي مشاورات تشكيل الحكومة، بهدف الانتهاء من ذلك فـي غضون أسبوعين أو ثلاثة».
وأضاف البيان أن نتنياهو تحدث إلى الأطراف التي يُحتمل مشاركتها فـي الائتلاف الحكومي، بما فـي ذلك الأحزاب اليمينية والمتشددة وحزب كولانو الوسطي الذي حصد عشرة مقاعد.
وأشار نتنياهو الى أن حكومته ستعبر عن مطالب الناخبين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فـي إشارة على ما يبدو إلى إمكانية ضم أحزاب مثل حزب المستقبل بزعامة يائير لابيد، وحزب كولاني بقيادة موشيه كحلون.
وقالت شيلي يحيموفـيش إحدى قيادات حزب العمل إن الحزب سيعمل فـي المعارضة، ولن ينضم الى حكومة وحدة وطنية حسب توصيات رئيس الدولة روفـين ريفلن.
فـي المقابل ، أقر زعيم المعارضة الإسرائيلية، إسحق هرتسوغ، بالهزيمة فـي الانتخابات البرلمانية أمام منافسه نتنياهو. واتصل هرتسوغ صباح الأربعاء بنتنياهو ليهنئه بالفوز وأعرب له عن تمنياته بـ«التوفـيق». ونقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عنه قوله: «لا شيء تغير، سنستمر فـي الكفاح من أجل مجتمع عادل».
وقال هرتسوغ وتسيبي ليفني الزعيمة المشاركة لحزب المعسكر الصهيوني فـي بيان: «هذا الصباح ليس سهلا بالنسبة لنا ولمن يؤمنون بطريقنا».
وكان نتنياهو قد تعهد بعدم السماح بقيام الدولة الفلسطينية، بينما أعرب حزب المعسكر الصهيوني عن تأييده لحل الدولتين، وتعهد بإصلاح العلاقات مع الفلسطينيين والمجتمع الدولي.
وكان نحو 72 فـي المئة من الناخبين المؤهلين قد شاركوا فـي الانتخابات التي جرت الثلاثاء، وبذلك تزيد نسبة المشاركة بنقطتين عن الانتخابات السابقة التي جرت فـي عام 2013.
ولعله فـي ظل هذه الاجواء من الضروري التنويه الى أن كل الانتخابات الإسرائيلية منذ العام 1996 وحتى اليوم كانت معروفة النتائج سلفاً وخلت تقريباً من الإثارة. الا ان الانتخابات الحالية التي بدأت رتيبة تحولت بسرعة إلى واحدة من أشد الانتخابات إثارة،حتى أن مستطلعي الآراء فـي إسرائيل لاحظوا أن التغييرات كانت تجري حتى مساء يوم الانتخابات ذاته.
ومن المؤكد أن هذه الانتخابات تشكل خسارة لليمين و «الليكود» على حد سواء، رغم أنها منحت «الليكود» ما فاق التوقعات. فقد كان نتنياهو ينعم بائتلاف، رغم الخلافات بين مكوناته، إلا أنه كان مستقراً وقادراً على البقاء حتى اليوم الأخير من ولايته بعد حوالي عامين. لكن الجشع الذي ميز نتنياهو، و «الليكود» من خلفه، دفعه إلى محاولة استباق الظروف وتكريس ولاية لأربع سنوات دفعة واحدة مع تأديب بعض شركائه. وهكذا كانت النتيجة: خسارة لليمين، حتى وإن لم تكن كبيرة إلا أنها كانت كافـية لنقل الجميع إلى مربع التعادل وانعدام الحسم.
النتائج الأولية اظهرت تعادلاً بين «الليكود» و «المعسكر الصهيوني» وإن بتقدم طفـيف لليكود على المعسكر الصهيوني فـيما سجلت النتائج الاولية حصول «هناك مستقبل» على 11-12 مقعدا و «كلنا» على 10 مقاعد، فـي حين تراجعت بشدة قوة «البيت اليهودي» حيث نال 8-9 مقاعد. أما «شاس» فنالت 7 مقاعد، و «يهدوت هتوراه» 6-7 مقاعد. ونالت قائمة «إسرائيل بيتنا» 5-6 مقاعد، و «ميرتس» 5 مقاعد.المؤكد أن «الليكود» سيعرض هذه النتيجة على أنها انتصار حاسم، وتأكيد على استمرار نتنياهو فـي رئاسة الحكومة.
لكن هذا التعادل بين الحزبين يكاد يفقد قيمته عند قياس الائتلاف الذي بوسع كل منهما تكوينه لتشكيل الحكومة المقبلة، خصوصا فـي ظل نتائج القوى الأخرى. وقال نتنياهو، عبر حسابه على موقع «تويتر»، «رغم كل الصعاب: انتصار عظيم لليكود.. انتصار عظيم للمعسكر القومي بقيادة ليكود.. انتصار عظيم لشعب اسرائيل». الا ان نتنياهو عبر عن استيائه من جهة ثانية حول فوز القائمة العربية بهذا الحجم من المقاعد.
فـي كل الأحوال، وإذا بقيت النتائج النهائية على حال النتائج الأولية هذه، فقد يكون مستحيلاً تشكيل حكومة يمين ضيقة، أو حتى حكومة يمين – وسط ، نظراً الى تاريخ العلاقة القريبة بين هذه القوى. فـ «الليكود» كحزب حاكم دخل الانتخابات وهو و «إسرائيل بيتنا» يملكان 30 مقعداً فـي الكنيست، فـي حين أن «حزب العمل» وحركة تسيبي ليفني اللذين يشكلان «المعسكر الصهيوني» كانا يملكان حوالي 17 مقعداً فقط.
وبديهي أن يعتبر «الليكود» نفسه حافظ على قوته، لكن هذا لا يسمح له بتشكيل ائتلاف، لا كما يريد ولا أفضل مما كان. ووفق التوقعات فإن «الليكود» و «البيت اليهودي» الذي نال 8 مقاعد، و «إسرائيل بيتنا» خمسة مقاعد، و «يهدوت هتوراه» ستة مقاعد، و «شاس» سبعة مقاعد، لا يستطيعون تشكيل ائتلاف حكومي إذا لم ينضم إليهم زعيم «كلنا» موشي كحلون. وحتى مع كحلون سيكون هذا ائتلافا فائق الهشاشة نظراً للخلافات العميقة بين «الليكود» و «البيت اليهودي» و «إسرائيل بيتنا»، وحتى مع كحلون من دون ذكر الخلافات بين الحريديم وكل من «البيت اليهودي» و «إسرائيل بيتنا». وعدا ذلك ستتوفر معارضة قوية جداً، ممثلة بـ «المعسكر الصهيوني» 27 مقعداً، والقائمة العربية 13، و «هناك مستقبل» 12، و «ميرتس» 5 مقاعد، بمجموع 57 مقعداً.
وإذا اختلفت النتائج قليلاً، أو أفلح «المعسكر الصهيوني» فـي اجتذاب الحريديم وحزب كحلون فمن شبه المؤكد أن بوسعه تشكيل حكومة أكثر استقراراً، خصوصا أنه يمكن للقائمة العربية دعم هذا الائتلاف من الخارج لمنع اليمين من العودة إلى الحكم. ولكن ائتلافاً من هذا النوع سيعجز كثيراً عن مواجهة صخب المعارضة اليمينية فـي الشارع، وكذلك فـي المستوطنات.
لقد كان نتنياهو واثقا يوم فكك حكومته وطرد يائير لبيد و «هناك مستقبل» أنه ذاهب إلى انتخابات يريدها، وهو يضمن نتائجها، فبادر الى حل الكنيست وتحديد موعد الانتخابات المبكرة. ويوم الانتخابات كان واضحا أنه حتى لو نجح نتنياهو بالفوز وشكل الحكومة الرابعة فإنه لن ينال ائتلافاً أفضل. وحسب خبراء فإن نتنياهو باع ائتلافاً «غير معقول» من أجل شراء ائتلاف «مستحيل».
لكن خطوة نتنياهو هذه جعلت كثيرين ينظرون إليه على أنه «عربيد سياسي»، وبالتالي عملوا على الوقوف ضده. وتشكل ما يشبه الائتلاف الواسع بعنوان «المهم ألا يكون نتنياهو»، وهو ما أفاد تقريبا خصوم نتنياهو وليس حلفاءه «الطبيعيين». فقد جرت الانتخابات وكأنها استفتاء على نتنياهو، وليس بالضبط على سياسته، فـي ظل نوع من الضجر المتزايد منه ومن أساليبه فـي الحكم. المهم انه فـي ظل هذه النتائج, ليس مستبعداً أن تشهد الأيام المقبلة توترات وصراعات شديدة للتأثير على طبيعة الترتيبات لتشكيل ائتلافات متوقعة. وإذا بقيت هذه هي النتيجة فإن كحلون، الذي على الرغم من ماضيه «الليكودي»، شكل قائمة غالبيتها من الوسط الذي يميل إلى اليسار قد يغدو «متوج الملوك» والرجل الذي يقود نتنياهو إلى صفوف المعارضة أو اعتزال الحياة السياسية. والكثير سيعتمد على تقدير الرئيس الإسرائيلي رؤوفـين ريفلين عند قراره بتكليف نتنياهو أو زعيم «المعسكر الصهيوني» اسحق هرتسوغ لرئاسة الحكومة.
الى ذلك دعت الرئاسة الفلسطينية الحكومة الاسرائيلية القادمة إلى الالتزام بحل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية للمضي قدما فـي عملية السلام.
وقال نبيل أبو ردينة المتحدث الرسمي باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس:لسنا معنيين من يكون رئيس الحكومة فـي إسرائيل، ما نريده من الحكومة الاسرائيلية أن تعترف بحل الدولتين وأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. وأضاف «على هذه القاعدة سنستمر فـي التعامل مع أية حكومة إسرائيلية تلتزم بقرارات الشرعية الدولية».
من جهته، اتهم كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات المجتمع الاسرائيلي بالتصويت ضد خيار حل الدولتين. واشار عريقات فـي حديث لإذاعة «صوت فلسطين» الى انه «من الواضح جدا أن المجتمع الاسرائيلي صوت لدفن عملية السلام. صوت ضد خيار الدولتين. صوت لاستمرار الاحتلال والمستوطنات».
وأضاف «هذا يتطلب التسريع فـي تنفـيذ الاستراتيجية الفلسطينية والانضمام للمؤسسات الدولية ومراجعة العلاقة مع اسرائيل، لأن العالم أجمع سيكون معنا ولن تستطيع أميركا أو الكونغرس الاميركي توفـير الحماية لدولة ترتكب جرائم حرب عام 2015، وبهذه الطريقة المكشوفة وفـي عالمنا اليوم الذي أصبح فـيه كل الامور معروفة للقاصي والداني».
اضاف عريقات مع ظهور نتائج الانتخابات وعودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة «أصبح واضحا أنه لا يوجد شريك فـي اسرائيل، وهذا يؤكد صواب النهج الفلسطيني الدبلوماسي بالتوجه الى المحكمة الجنائية الدولية والانضمام إلى باقي المؤسسات والمواثيق الدولية والمعاهدات الدولية الاخرى كون مكانة فلسطين الان فـي الضفة وغزة والقدس الشرقية هي دولة تحت الاحتلال».
وتابع عريقات «العالم أجمع وتحديدا الولايات المتحدة الاميركية مطالب هذا العالم أن يكف عن التعامل مع إسرائيل كدولة فوق القانون وتوفـير الحماية لنتنياهو»، وأوضح أن «هذه الجرائم تتمثل فـي استمرار الاستيطان والاغتيالات وفرض الحقائق على الأرض وحصار وإغلاق لن يصنع السلام. الذي سيصنع السلام هو العدل». وقال «بالتالي الاستراتيجية الفلسطينية يجب أن تنفذ ويسرع فـي تنفـيذها سواء أكان قرارات المجلس المركزي الاخيرة أو التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لوضع الأمور فـي نصابها الصحيح».
Leave a Reply