وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بعد سلسلة أحداث دراماتيكية شهدتها الساحة الإيرانية، بدأت مع موجة احتجاجات خرجت في مدن عديدة، مروراً بالحدث الاستثنائي الذي تمثل في اغتيال الفريق قاسم سليماني، وصولاً إلى حادث سقوط الطائرة الأوكرانية وما تسبب به من إحراج لطهران، وهي التي ترزح تحت وطأة عقوبات اقتصادية لم يسبق أن تعرضت لها أية دولة في العالم… وسط كل ذلك، تنطلق العملية الانتخابية صباح يوم الجمعة 21 شباط (فبراير) الجاري، في مختلف المحافظات الإيرانية، حيث من المقرر أن يتوجه نحو 58 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع لاختيار نوابهم وأعضاء مجلس خبراء القيادة.
وكانت لجنة الانتخابات قد أعلنت أن7,157 مرشحاً بينهم 782 امرأة، سيتنافسون للفوز بمقاعد مجلس الشورى (290 مقعداً موزعة على 208 دوائر انتخابية).
أما مجلس خبراء القيادة الذي من مهامه تعيين وعزل قائد الثورة الإسلامية في إيران، فيتألف من 88 عضواً يتم انتخابهم عن طريق اقتراع شعبي مباشر لدورة واحدة مدتها ثماني سنوات.
استحقاقان يسبقهما صمت انتخابي توقفت خلاله الدعاية الانتخابية صباح يوم الخميس الماضي، في وقت أعلن فيه المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور عباس كدخدائي أن اللجنة المركزية في المجلس استعدت منذ أيام لمراقبة العملية الانتخابية وإعداد كل ما يلزم لإجراء انتخابات سليمة في كل المحافظات تعكس «قوة الإيرانيين».
سياسياً، يستعد الإصلاحيون لخسارة متوقعة بعد التطورات التي شهدتها إيران خلال السنوات الماضية منذ وقوفهم إلى جانب روحاني في الانتخابات الرئاسية عامي 2013 و2017، والذي فشل في تحقيق معظم وعوده الانتخابية سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي.
دعوات للمشاركة الكثيفة
يجمع المسؤولون الإيرانيون بكافة أطيافهم وتلاوينهم بمن فيهم المرشد الخامنئي على أهمية هذه الانتخابات ومحوريتها، ويستحثون الشعب على المشاركة الكثيفة فيها، معتبرين أنها الرد الأقوى والأكثر حزماً على «الأعداء».
وبالتزامن مع إعداد هذا التقرير،عرض التلفزيون الإيراني صوراً للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وهو يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع بطهران، قبل أن يدعو الإيرانيين للمشاركة بالانتخابات «بأسرع وقت».
وأضاف خامنئي أن المشاركة في الانتخابات التشريعية «واجب ديني» وفيها «ضمان لمصالح البلاد القومية».
في السياق عينه، كان «حرس الثورة» قد شدد في بيان له على أن المشاركة الكثيفة في الانتخابات «ستحبط مخططات الأعداء وآمالهم، وستنتج مجلساً قوياً وجديراً بالشعب الإيراني، يلبي حاجات الشعب الاقتصادية والمعيشية».
أما مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي فقد اعتبر أن «العقوبات الأميركية هدفها زعزعة أمن البلاد وإضعافها، وأن أعداء الشعب والنظام الإيرانيين يخططون لبث الفتنة».
وبالعودة إلى مجريات ووقائع الساعات التي تسبق الحدث الانتخابي، ترتفع حرارة التنافس بين المرشحين على اختلاف انتماءاتهم، مترافقة مع استمرار دعوات المسؤولين في البلاد للمشاركة في الانتخابات، فهي وفقاً لهم، السبيل الوحيد والأنجع للرد على «مؤامرات الأعداء وإفشال مخططاتهم».
وبعد أن كانت الخلافات قد عصفت بالتيار المحافظ في انتخابات سابقة، نجحت المشاورات في توحيده، وأنتجت قائمة موحدة ضمت ثلاثين مرشحاً بزعامة رئيس بلدية طهران السابق محمد باقر قاليباف.
وهي خطوة أسهمت في تعزيز موقف المحافظين المرشحين للفوز بغالبية المقاعد في البرلمان ولا سيما في دائرة طهران، على حساب الإصلاحيين الذين لم يتمكنوا من تأليف لائحة موحدة في العاصمة، فأعطى التيار الإصلاحي الأحزاب المنضوية فيه، حرية المشاركة تحت أسمائها الحزبية.
المشهد السياسي في إيران تغير إلى حد بعيد منذ الانتخابات البرلمانية السابقة التي جرت عام 2016.
ففي الانتخابات الماضية، نجح تحالف يضم الإصلاحيين والمعتدلين المؤيدين للرئيس روحاني في إلحاق الهزيمة بالمحافظين الذين كانوا يسيطرون على المجلس منذ عام 2004. ومثّل دخول الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية حيّز التنفيذ مع بداية عام 2016 نقطة تحوّل، انتعشت معها الآمال بتطبيع علاقات إيران مع الغرب، ورفع العقوبات المفروضة عليها، وبالتالي نهوض الاقتصاد الإيراني.
وقد ساعدت تلك الأجواء كثيراً أنصار روحاني في كسب المزيد من الأصوات في الانتخابات، وحصد نسبة كبيرة من مقاعد المجلس.
ونجح روحاني، الذي يُحسب على التيار المعتدل، في تحقيق بعض التقدم على الصعيد الاقتصادي، إذ تراجعت نسبة التضخم من 40 بالمئة سنوياً الى 10 بالمئة.
وكان روحاني قد تمكن من إلحاق الهزيمة بالمرشح المحافظ إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية عام 2017. لكن شعبية روحاني لم تعمّر طويلاً، وعلت الأصوات التي تنتقده حتى في صفوف الإصلاحيين رغم وقوفهم إلى جانبه في مواجهة المحافظين.
الموقف الأميركي
في المقابل، قال وزير الخارجية الأميركية مارك بومبيو في تغريدة له على هامش زيارته السعودية، إن هناك حاجة للوقوف مع المملكة في مواجهة ايران وسلوكها الخبيث في المنطقة.
وفرضت وزارة الخزانة الأميركية، الخميس الماضي، عقوبات جديدة على خمسة مسؤولين إيرانيين يعملون في الهيئة المشرفة على الانتخابات التشريعية.
وشملت العقوبات أعضاء في مجلس صيانة الدستور الإيراني ولجنة الإشراف على الانتخابات التابعة له، والتي يتم تعيينها من قبل خامنئي.
وقال بيان لوزارة الخزانة إن مجلس صيانة الدستور يستغل سلطاته لإبعاد الإيرانيين عن التنافس في الانتخابات.
ونقل البيان عن وزير الخزانة ستيفن منوتشين قوله إن الولايات المتحدة «لن تتسامح مع عمليات التلاعب بالانتخابات التي تجري لصالح أجندة النظام الخبيثة». وأضاف أن «هذا الإجراء يكشف كبار مسؤولي النظام المسؤولين عن منع الشعب الإيراني من اختيار قادته بحرية».
وشملت العقوبات رئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي والمتحدث باسم المجلس عباس كدخدائي وعضو مجلس صيانة الدستور سيامك رابيك. وكذلك تمت معاقبة عضو مجلس خبراء القيادة محمد يزدي وعضو اللجنة المركزية للانتخابات محمد حسن صادقي مقدم.
من جهته وصف المبعوث الأميركي الخاص بإيران براين هوك الانتخابات الإيرانية بأنها «مسرحية سياسية» بعد حرمان آلاف المواطنين من حرية الانتخاب. وأضاف أن العقوبات التي طالت المسؤولين الإيرانيين الخمسة جاءت بسبب «منعهم عددا من المرشحين من المشاركة في الانتخابات».
عودة المحافظين
تجاوزت طهران أزمات كبيرة ومفصلية في تاريخها، فأسقطت ما كان يُعد لها من خطط تهدف إلى إسقاط النظام من خلال الاحتجاجات التي خرجت الى الشوارع في مناطق مختلفة من البلاد واستطاعت احتواءها، ولاحقاً تمكنت من امتصاص الضربة الكبيرة التي تلقتها باغتيال قائد قوة القدس الفريق قاسم سليماني، بل إنها استثمرتها لمصلحتها، حيث مثلت المشاركة الشعبية الكثيفة والحاشدة في تشييع سليماني رسالة قوية إلى أعداء إيران عن التفاف الشعب حول النظام، رغم ما يعانيه من ضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية هائلة.
الالتفاف الشعبي هذا أعطى طهران دعماً كانت في حاجة ماسة إليه لتنفيذ خطوتها التصعيدية اللافتة في مسار أزمتها مع واشنطن، والتي لم تسبقها إليها دولة منذ الحرب العالمية الثانية، وهي استهداف قاعدة أميركية، وقاعدة «عين الأسد»، الأكبر في العراق، رداً على اغتيال سليماني.
وأكثر من ذلك، بلغت الجرأة بالإيرانيين أن وجّهوا تحذيراً للأميركيين بعدم الرد.
ومقابل، القوة التي أظهرتها إيران على الساحة الإقليمية والدولية، تقول السلطات الإيرانية إن أعداءها يشنون عليها حرباً إعلامية ونفسية، تهدف إلى الضغط على المواطنين للعزوف عن المشاركة في الانتخابات، حيث تعوّل السلطة على المشاركة الكثيفة في الاقتراع، وعلى وعي الشعب وتجربته الطويلة في مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية والنفسية على مدى الأربعين عاماً الماضية.
وفي ظل دعوات المقاطعة من قبل المعارضة والدعوة إلى المشاركة الكثيفة من أعلى هرم النظام، فإن التوقعات بهزيمة الإصلاحيين وعودة التيار الأصولي المحافظ إلى الواجهة بقوة، ليست إلا مسألة وقت، مما يفسح المجال أمام تكهنات بتفاقم التوتر في العلاقة مع واشنطن، لا سيما لجهة مقاربة الملف النووي، الذي لطالما كان المحافظون غير راضين عنه، وهو الاتفاق الذي أبرمه فريق روحاني –ظريف.
ملفات شائكة وصعبة تنتظر أعضاء المجلسين الجديدين، واستحقاقات كبيرة في انتظارهم… الأيام القليلة المقبلة سترسم ملامح السلطة «الجديدة –القديمة» في إيران وستحمل معها الخبر اليقين عن وجه إيران الجديد ما بعد سليماني.
Leave a Reply