كمال ذبيان – «صدى الوطن»
أزال وزير الداخلية نهاد المشنوق، الشكوك الحذرة، التي كان اللبنانيون يعيشونها، لجهة إجراء إنتخابات البلدية والإختيارية، وحسم بقراره أنها ستحصل محدداً مواعيدها بدءًا من 8 أيار (مايو) المقبل، وعلى مدى أربعة أسابيع فـي المحافظات تنتهي عند الشمال فـي 29 منه.
ومن حق اللبنانيين أن ينتابهم هاجس تأجيل هذه الإنتخابات، والتمديد للمجالس البلدية التي يبلغ عددها حوالي 1036 فـي كل لبنان، والهيئات الإختيارية، وقد مروا فـي تجربة عدم إجراء إنتخابات نيابية، دون أي مبرر مقنع، سوى أن الظروف الأمنية لا تسمح بحصولها، وعدم الإتفاق على قانون لها، الذي هو السبب الأساسي والجوهري، لأن الخلافات حوله قائمة، ولم تنفع إجتماعات اللجنة النيابية المكلفة بدراسة إقتراحات ومشاريع قوانين الإنتخاب، من التوافق حول قانون يضمن التمثيل لشرائح المجتمع اللبناني السياسية والحزبية والطائفـية والمناطقية، لأن كل طرف سياسي يريد القانون على قياسه الإنتخابي، بما يؤمن له الفوز بكتلة نيابية وازنة، ويحصل على الأكثرية النيابية مع حلفائه، كمعبر للوصول الى رئاسة الحكومة.
فالخلاف على قانون الإنتخابات النيابية، هو ما فرض التمديد لمجلس النواب لدورة كاملة تمتد على أربع سنوات، وتمّ على مرحلتين، وتجرّعه المواطنون كالسُم، لأنهم حُرموا من ممارسة حقهم فـي الإنتخاب، وهو لن يغيّر كثيراً فـي التمثيل الحالي، إذا بقي القانون على ما هو عليه، ولم يتم استبداله بآخر يعتمد النسبية وليس النظام الأكثري، ويقوم على أساس الدائرة الإنتخابية الكبرى أو الواسعة، وهذا لم يحصل بعد ما أرجأ الإنتخابات النيابية، وهو غير متوفر فـي حيثياتها البلدية والإختيارية، لأن لا خلاف على القانون الذي بحاجة الى تعديلات عليه، كما أن الوضع الأمني مستقر، إلا بؤرة فـي عرسال، لا تعطل إجراء الإنتخابات حتى فـيها، لأن فـي داخلها، لا حوادث أمنية، بل فـي جرودها.
من هنا كان قرار وزير الداخلية بإجراء الإنتخابات، بعد استطلاع آراء ومواقف القوى السياسية الفاعلة، والتي صبّت مع حصولها، لأن أي جهة سياسية وحزبية، لا يمكنها أمام المواطنين، تحمل مسؤولية عدم الموافقة على إجراء هذا الإستحقاق الإنتخابي المحلي، الذي يعنى بإدارة شؤون المواطنين فـي مدنهم وبلداتهم، وهم بأمس الحاجة الى الخدمات الأساسية، لاسيما منها رفع النفايات التي شكّلت أزمة لتراكمها، وعدم توفر الحلول الدائمة، التي يقترح خبراء بيئيون إسقاط فكرة الطمر، والتوجه نحو الفرز، والإستفادة من المواد المفرزة بإنتاج الطاقة الكهربائية، وصناعة الأسمدة، وغيرها من المواد التي يمكن من خلال التسبيخ والتدوير، إنتاجها من جديد.
اختبار أحجام؟
وإن كانت البلديات حاجة إنمائية، على السياسة ألا تتدخل فـيها، غير أن كل القوى السياسية تحاول تسييسها، لإظهار حجم شعبيتها وحضورها السياسي، عبر فرز بلديات وهيئات إختيارية تابعة لهذا الطرف السياسي أو ذاك.
لذلك فإن الأطراف السياسية قد تكون قبلت بإجراء الإنتخابات، لتختبر أحجامها الشعبية، تمهيداً للإنتخابات النيابية.
وإن كان مازال الطابع العائلي يطغى على الإنتخابات البلدية، إلا أن حضور الأحزاب فـي المناطق، حدّ من العائلية فـي الإستحقاق البلدي، دون أن يلغيها كلياً، ويحاول كل طرف سياسي، فـي البداية تحييد نفسه عن الدخول بالأسماء، وترك العائلات أن تختار، وللتوافق أن يتقدم، للتخفـيف من التشنجات بين العائلات ومنع الإحتقان، وعدم الإنزلاق الى أزمات ومشكلات بين العائلات، التي أحياناً يكون ولاؤها السياسي الى زعيم معين أو حزب أو تيار، فـينقسم المرشحون حتى من الفئة السياسية الواحدة، أو الحزب والتيار الواحد، وهو ما يشكل إحراجاً للزعماء السياسيين، كما للأحزاب والتيارات، لذلك قال النائب وليد جنبلاط عن هذه الإنتخابات إنها «مصيبة قد حلّت»، لأنه سيقضي وقته للتوفـيق بين العائلات والأحزاب، وهو ما يفقده من رصيده السياسي والشعبي، إذا لم يُوفق وهو ما ينطبق على غيره من المرجعيات.
التحالفات
وفـي قراءة للتحالفات السياسية، سواء داخل الطوائف أو على المستوى الوطني العام، فإن الثنائي الشيعي (حركة «أمل» و«حزب الله»)، يسعى من خلال التحالف القائم بينهما على مر حوالي ثلاثة عقود، فـي الإنتخابات النيابية، أن يتم تكريسه دائماً فـي البلديات، ومحاولة التفاهم الواسع بينهما فـي الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وبيروت، وعدم خلق توتر فـي أماكن تواجدهما، وقد شكلا لجنة للإنتخابات البلدية مركزية، ولجاناً فـي المناطق للتنسيق فـيما بينهما، والوقوف منهما على رأي العائلات والفاعليات، حيث يؤكّد الطرفان، أنهما مصممان على تأمين الهدوء لهذه الإنتخابات، وأن تعكس تمثيلاً صحيحاً لأبناء البلدات والقرى، وأن يكون الإنماء عنواناً لها، حيث كانت التجارب السابقة مشجعة، وستكون فـي هذه الدورة، أكثر نجاحاً فـي التعاون والتنسيق.
ولا يختلف الوضع داخل الطائفة الدرزية، إذ يحاول النائب وليد جنبلاط، تأمين التوافق بينه وبين النائب طلال إرسلان والنائب السابق فـيصل الداوود، وتوسيعه نحو الحزب السوري القومي الإجتماعي الذي له حضور تاريخي فـي الجبل، وهو ما باشره من خلال إتصالاته مع هذه الأطراف، وقد تتوسع لتشمل «حزب التوحيد العربي» برئاسة وئام وهاب، حيث يتواجد، لأن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي ينطلق من مقولة الحفاظ على الإستقرار فـي الجبل عموماً ولبنان خصوصاً، وسبق فـي الدورة السابقة من الإنتخابات البلدية أن حصلت توافقات فـي العديد من المناطق، وفـي البلدة التي لا يحصل فـيها توافق لأسباب عائلية أو سياسية، تجري فـيها المنافسة بين المرشحين.
إلا أن فـي الجبل، تدخل فـي هذه الدورة، معادلة مسيحية جديدة، وهي المصالحة التي تمّت بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، التي ومنذ «إعلان النوايا» بينهما حصلت تطورات عمّقت العلاقة بين الطرفـين، كان من نتائجها ترشيح سمير جعجع للعماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وانسحابه من المنافسة ضده، إذ فرض ذلك على الحزبين خوض الإنتخابات البلدية فـي لوائح مشتركة، وهو ما سيفرض فـي المناطق المسيحية والدرزية المختلطة، حسابات أخرى، لجهة ترك التسمية للمرشحين المسيحيين من قبل القوات والتيار، وما المدى الذي يمكن للقوى السياسية الأخرى فـي الجبل، أن تتقبله، إذ سيخسر جنبلاط بعض البلديات فـي المناطق المسيحية.
والثنائي «القواتي» و«العوني» إذا ثبّت تحالفه فـي البلديات، ستكون له إنعكاسات فـي المناطق ذات الكثافة المسيحية، وستكون تجربة لهما، قد تشبه «الثنائية الشيعية»، غير أنها وإن كانا يمثلان أكثرية مسيحية، لكن توجد قوى حزبية وعائلات سياسية، لها حضورها التاريخي كحزبي «الكتائب» و«الوطنيين الأحرار» و«المردة» و«الكتلة الوطنية»، وشخصيات مسيحية مستقلة، ومرجعيات روحية أيضاً، مما سيصعب على هذا الثنائي الناشىء أن يختصر الساحة المسيحية، ولا بدّ من حصول معارك بلدية فـي جبل لبنان وأقضية فـي الشمال والجنوب وتحديداً جزين، إضافة الى البقاع وعاصمته زحلة، عبوراً الى البقاعين الغربي والشمالي.
وفـي المدن والبلدات ذات الكثافة السنّية، حيث يتصدّر «تيار المستقبل» البلديات فـيها، لا سيما فـي بيروت وطرابلس وصيدا، فإنه خلال هذه الدورة، بات يحسب حساباً للآخرين، مع تراجع شعبيته فـي الكثير من المناطق، وتوقف الخدمات، وانحسار الدعم المالي بسبب سياسة التقشف، وتقدم شخصيات وفعاليات أخرى، كما فـي طرابلس حيث يبرز تحالف أعلن عنه بين الرئيس نجيب ميقاتي والوزيرين محمد الصفدي وفـيصل كرامي، حيث يحاول الحريري استمالتهما، ولم ينجح بعد، مع إنقطاع التواصل بينه وبين الرئيس ميقاتي، الذي لا يمانع من لقاء الحريري مع حلفائه للتوافق على إنتخابات بلدية طرابلس، أو أن المواجهة ستقع، لتكون إختباراً لقوة الأطراف فـي عاصمة الشمال، التي ليست وحدها ما ينتظر «تيار المستقبل» من معارك، إذ فـي الضنية يتمتع النائب السابق جهاد الصمد بقوة شعبية مكّنته من الفوز بالعديد من البلديات، وهو ما ينطبق على عكار، كما على البقاعين الغربي والأوسط، مع الإنفتاح الذي أبداه الحريري على الوزير السابق عبدالرحيم مراد، وإتفقا على التنسيق فـي الإنتخابات البلدية فـي البقاع الغربي.
أما فـي بيروت، فإن «تيار المستقبل» سيسمي الأعضاء السُنّة، من عديد أعضاء البلدية الـ24، الذين يتوزعون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وسيسمي تفاهم «حزب الله» و«أمل» العضو الشيعي، ويُترك للحريري تسمية الشيعي الثنائي، أما الدرزي فـيسميه النائب جنبلاط، ليبقى الأعضاء السُنّة التسعة من حصة الحريري ومن بينهم رئيس البلدية، لكنه لن يتمكن من الحصول على أي مقعد مسيحي، بعد المصالحة القواتية-العونية، إذ ستتوزع المقاعد على عضوين للقوات وعضوين «للتيار الحر»، وعضو لحزب الكتائب، وثلاثة أعضاء للأرمن، وعضو للنائب ميشال فرعون وثلاثة أعضاء يسميهم المطران الياس عودة عن الأرثوذكس.
وفـي صيدا لا يبدو أنه ستحصل فـيها معركة، إذا تمّ حجز مقاعد «للتنظيم الشعبي الناصري» برئاسة أسامة سعد وأخرى للدكتور عبدالرحمن البزري، و«للجماعة الإسلامية».
فأحادية القرار داخل الطائفة السُنية، لم يعد كما فـي السابق، وبات لـ«تيار المستقبل» شركاء فـي القرار. والإنتخابات البلدية، التي هي الرابعة منذ توقف الحرب الأهلية، وبعد إتفاق الطائف، ستجريها الحكومة، لتؤكد للعالم، أن ما حصل فـي التمديد لمجلس النواب، لن يتكرر مع المجالس البلدية، وهو إمتحان للديمقراطية وتداول السلطة، وتفعيل عمل المؤسسات.
Leave a Reply