محمد العزير
أن تكون في عين العاصفة على الدوام يترتب عليك أن تكون دائم الاستعداد للمواجهة والتحدي في معارك ليست بالضرورة من اختيارك، لكن ليس لديك ترف قرار الخوض فيها من عدمه. عليك أن تواجه، وعليك أن تحاول ألا تنتهي مهزوماً. هذا هو حالنا كعرب أميركيين منذ أن أصبحت لنا هوية جامعة، على الرغم من كل العوائق والمطبات والأسافين والدسائس. هذا قدرنا، والمشجع فيه أننا أثبتنا وجودنا ودافعنا عن حقوقنا ورفعنا صوتنا، ولنا الحق في أن نتباهى بما حققناه دون منة أو مساعدة أو مكرمة من أحد (هذا «الأحد» المدجج بالمال والنفط والخدمات الأمنية، والذي لا يتخطى الحدود المرسومة له في واشنطن العاصمة).
ليس جديداً ولا غريباً على القوى الموالية للصهيونية والاحتلال ونظام الفصل العنصري في إسرائيل العمل الدؤوب والمحترف لضمان استمرار التأييد الأميركي الأعمى وغير المشروط لآخر مشروع استعماري في العالم. هي تعرف أن التحكم بموقع القرار في العاصمة الأميركية يعني التحكم بالعالم، وعلى هذا الأساس تعمل ليكون القرار في يد من يدين لها بالولاء. في أميركا، وفي الكونغرس على وجه التحديد، المال هو العنصر الأهم، لأن المال يشتري الدعاية الانتخابية والمنشورات والمراسلات والمناسبات. والمال هو لعبة قوى الضغط الكبرى من لوبي السلاح «المجرم» إلى لوبي النفط القذر، وصولاً إلى لوبي المليارديرات الذين لا يدفعون الضرائب، والأهم أنه لعبة المؤيدين لإسرائيل الأكثر فعالية، لأنه لا يمكن لهم أن يدافعوا صراحة عن سياسة إسرائيل (المستنسخة من سياسة النازية ضد اليهود والتي قادت إلى المحرقة).
كم ينطبق علينا في مجتمعنا الجديد قول فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة أبي العلاء المعري:
مشيناها خطى كتبت علينا
ومن كُتبت عليه خطى مشاها
في قصيدته الخالدة التي يستهلها بالقول:
إذا ضاق صدرك من بلاد
ترحّل طالباً أرضاً سواها
نحن من جاء إلى هذه الأرض، لأن صدرنا ضاق بأرض تسلط عليها الزبانية والأزلام والإقطاع الذي زال من بلدان العالم وبقي عندنا. ولأننا كذلك، ولأن علينا أن نمشي خطانا، ولأننا في مواجهة خصوم أقوياء وأثرياء وأشقياء لا يتورعون عن تركيب الباطل فوق الحق وعن تبرير المجازر والإبادات (إلا التي يستثمرون فيها مثل المحرقة «الاستثمار الأوروبي الأبيض الرائع» والعبودية وإبادة السكان الأصليين «المتوحشين»)، سيكون علينا هذا الصيف خوض معركة جديدة للدفاع عن وجودنا وحقوقنا. نحن لم نطلب هذه المواجهة ولم نخطط لها، لكن علينا أن نجعل هذه المعركة عنواناً رئيساً لجهودنا ومسارنا في المدى المنظور.
في الثاني من آب (أغسطس) المقبل، أي بعد أقل من سبعة أسابيع فقط، ستُجري ولاية ميشيغن انتخاباتها التمهيدية لتصفية المرشحين لحاكمية الولاية والمناصب التنفيذية والتشريعية والقضائية، بالإضافة إلى المرشحين لعضوية الكونغرس الأميركي عن الدوائر الثلاث عشرة المخصصة للولاية. لنا في هذا الأمر «ناقة وجمل». الأمر مصيري ويتجاوز عاديات الاقتراع والتصويت لأن أنصار إسرائيل ومباركي احتلالها وعنصريتها قرروا أن يجلبوا الحرب إلى عقر دارنا، إلى «الدائرة 12» ذات الحضور العربي الحاسم، والتي تشمل جغرافياً، غرب ديترويت ومدن ديربورن وديربورن هايتس وغاردن سيتي وإنكستر ووين ووستلاند ومليفليندل وهايلاند بارك وريدفورد وريفير روج وروميلوس.
وضعت «آيباك» –أكبر مؤسسات اللوبي الصهيوني في أميركا– هذه الدائرة نصب عينيها لإطاحة العربية الأميركية رشيدة طليب التي تسعى للاحتفاظ بمقعدها في مجلس النواب الأميركي لدورة رابعة.
«آيباك» تريد إزاحة طليب ليس لأنها لا تمتلك الكفاءة، أو لأنها تهمل ناخبيها، وبالطبع ليس لأنها ليست ديمقراطية كفاية في الدائرة ذات الميول الديمقراطية تقليدياً، وإنما لأنها تنتمي إلى التيار التقدمي في الحزب الأزرق فضلاً عن كونها عربية أميركية… والأنكى أنها من أصل فلسطيني. ففلسطين غير موجودة وفق التقويم الصهيوني، وبلدة بيت حنينا التي تتحدر منها رشيدة لا ينبغي أن تكون موجودة، شأنها شأن مئات آلاف الفلسطينيين الذين بحثت عنهم الوكالة اليهودية والمؤسسات الصهيونية ولم تجدهم عند إعلان تأسيس دولة إسرائيل (1948) فصادرت ممتلكاتهم وبيوتهم… وصنفتها في خانة لم يعرف التاريخ مثيلاً لها –ولا حتى في العهد النازي– «أملاك الذين لم يحضروا لإثبات حقوقهم».
كان هؤلاء وبتوثيق أكاديميين ومؤرخين إسرائيليين ضحايا مجازر العصابات الصهيونية التي حمتها وأيدتها سلطات الاحتلال البريطانية بوقاحة قل نظيرها.
الحملة على طليب ليست منفردة، بل تأتي في إطار مساعي «آيباك» لضرب الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، لأن هذا الجناح بدأ في اجتذاب صوت الشباب الأميركي وبصورة خاصة ذوي الأصول اليهودية الذين سئموا من أسطوانة الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه من فظائع إسرائيلية. لكن «آيباك» التي جرّها بنيامين نتنياهو إلى أقصى اليمين لا تجرؤ على الإفصاح عن أهدافها، فتفتقت قريحتها عن اختراع مؤسسات وهمية تحمل أسماء لا علاقة لإسرائيل بها وترفع شعارات مضللة لا تنطلي على أي متابع، وتخدم أهدافاً الغاية منها ضرب الأقليات الإثنية ببعضها البعض، أو حتى افتعال معارك داخلية فيها، خصوصاً الأميركيين السود وذوي الأصول اللاتينية.
أبرز تلك الواجهات التي فرّخت عشية الاستحقاق الانتخابي، منظمة «التمكين الحضري» في ولاية جورجيا Urban Empowerment Action، والتي خصصت مبدئياً مبلغ مليون دولار لهزيمة طليب وعدد آخر من المرشحين السود (معظمهم من النساء) بينما تقول في بياناتها المعدّة بعناية أنها تسعى لتمتين العلاقات التحالفية بين السود واليهود.
أما الواجهة الثانية فاطلقت عليها اسم «مشروع الديمقراطية المتحدة» United Democracy Project التي أنفقت وفق الأرقام الرسمية 2.3 مليون دولار في الانتخابات التمهيدية في ولاية بنسلفانيا فقط لإسقاط المرشحين التقدميين، كما أنفقت مليوني دولار في ولاية نورث كارولاينا لضمان هزيمة الأميركية المسلمة ندا علّام التي كانت ضمن إدارة الحملة الرئاسية للسناتور بيرني ساندرز.
والملفت في حملة «آيباك» الجديدة أن معظم التبرعات للواجهات «الديمقراطية» تأتي من أثرياء جمهوريين، وأن معظم كوادر هذه المؤسسات من الجمهوريين «السابقين»، ويقابل اندفاع «آيباك» التي تبدي حرصها على الحزب الديمقراطي ومستقبله من خلال الدمى المفبركة، عدم تورعها عن تزكية ترشيح 37 من أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين رفضوا المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة. هذه الازدواجية والأساليب الاحتيالية في العمل الانتخابي لفتت نظر مكتب صحيفة «الغارديان» البريطانية في واشنطن التي لخصت الموقف في خبر بعنوان «مجموعة الضغط المؤيدة لإسرائيل «آيباك» تصرف الملايين من أجل هزيمة التقدميين الديمقراطيين… لجنة العمل الإسرائيلية الأميركية العامة تموّه جهودها لإضعاف المرشحين المؤيدين لفلسطين». ولاحظ الخبر أن «آيباك» حرصت على «عدم ذكر إسرائيل أو الإشارة إلى علاقتها بتلك الجهود».
هذه مواجهة ينبغي أن نتطلع إلى خوضها، ليس فقط لأنها مفروضة علينا، لكن لأنها تأتي في إطار يبدو أنه نهج جديد لمؤيدي إسرائيل من أجل إعادة تلميع صورة دولة الاحتلال، وإعادة الحزب الديمقراطي إلى ما كان عليه قبل سنوات قليلة، حزب صهيوني بامتياز، لا بل أكثر تأييداً للاحتلال من الكنيست نفسه.
هذه المعركة لا تستهدف رشيدة طليب لأنها فلسطينية أو عربية أو مسلمة فقط، ففي الانتخابات التمهيدية في كاليفورنيا الأسبوع قبل الماضي، كانت المرشحة للكونغرس التقدمية اليهودية الأصل والناشطة في مجال الحقوق المدنية سارة جاكوبس هدف الواجهات الديمقراطية المزيفة، لكنها نجحت رغم دعم «آيباك» لمرشحة من أصول لاتينية في مواجهتها.
كذلك في ميشيغن، تنخرط «آيباك» بقوة في السباق التمهيدي عن مقعد «الدائرة 11»، بين النائبين الديمقراطيين آندي لفين وهايلي ستيفنز، حيث قررت المنظمة الصهيونية إلقاء ثقلها خلف ستيفنز رغم أن لفين يهودي أباً عن جدّ، إلا أن «عيبه» على مايبدو أنه تقدميّ مناصرٌ للحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني.
لا عذر لأحد منا في ألا يساهم في هذه المعركة المصيرية. صحيح أن الانتخابات التمهيدية ستكون في عز الإجازة الصيفية، وصحيح أن كثيرين سيكونون خارج الولاية أو خارج البلاد، لكن الصحيح أيضاً أن بإمكانهم الآن وقبل الغد طلب التصويت المبكر عبر البريد. أما الباقون، فهناك الكثير من السبل للمشاركة بفعالية إلى جانب الإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع، وذلك عبر حض الناس على أوسع مشاركة ممكنة، لاسيما من المسؤولين المنتخبين حديثاً بأصوات العرب الأميركيين من رؤساء وأعضاء مجالس بلدية إلى القضاة وجميع المناصب التي رسمت خريطة الإنجاز العربي الأميركي الباهر، السنة الماضية.
Leave a Reply