نبيل هيثم – «صدى الوطن»
«يجب أن ننتظر»؛ هذه الجملة القصيرة التي علّق بها يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، تكاد تكون لسان حال العالم، بدءاً من روسيا نفسها، التي تدور فيها التساؤلات حول ما إذا كان انتهاء المعركة الانتخابية سيهدئ «الهستيريا» السياسية السائدة في موسكو، مروراً بإيران التي تستعد لجولة جديدة من التصعيد الأميركي بعد العقوبات الأخيرة عليها، وصولاً إلى السعودية التي تترقب يومياً ما يمكن أن يصدر من البيت الأبيض حول «كابوس» قضية خاشقجي.
ثمة أسباب كثيرة للترقب الحذر. طوال عامين بدا خلالهما الرئيس الأميركي دونالد ترامب أسيراً للصراعات الداخلية بين الديمقراطيين والجمهوريين، وضمن المعسكر الجمهوري نفسه أيضاً، وذلك بعد الانتصار المثير للجدل الذي حققه في انتخابات الرئاسة 2016، وهو الحدث الذي لم تُرفع فيه الرايات البيضاء من قبل خصوم الرئيس–التاجر.
في ما يتعلق بالسياسات الداخلية، لا يبدو أن الترقّب سيطول، فنتائج الانتخابات النصفية كبّلت من دون أدنى شك قدرة ترامب على التحرّك بحريّة، مع احتفاظه بهامش معيّن –بحكم المبادئ الدستورية والتوازن الحاصل في الكونغرس– يجعل السنتين المقبلتين تتسمان بعلاقة رئاسية–تشريعية معقدة، قد تشهد تصعيداً هنا وتهدئة هناك، وتتطلب تقديم تنازلات متبادلة، وهو ما يصطلح بعض المحللين الأميركيين على وصفه بـ«الحرب الباردة».
ومع ذلك، لا يمكن القول بأن ما حدث في انتخابات التجديد النصفي يمثل «انقلاباً» على ترامب، بحسب ما تذهب إليه بعض وسائل الإعلام، لا سيما في العالم العربي، إلى وصف الحالة الراهنة.
بشكل عام، لا يمكن الحديث، اليوم، عن «هزيمة» ترامبية في الانتخابات النصفية، فـ«الموجة الزرقاء» التي بشّر بها الإعلام الأميركي لم تحدث، فحسابات الحقل بالنسبة للجمهوريين كانت دقيقة إلى حد كبير في توقع فوز الديمقراطيين في انتخابات مجلس النواب، فأداروا الحملة الكبرى في انتخابات مجلس الشيوخ، التي جاءت لصالحهم، وفق ما أظهرت حسابات البيدر الانتخابي، وهو ما دفع ترامب إلى اعتبار النتائج «نجاح هائل».
الهروب إلى الخارج
بعبارة أخرى، فإنّ ما جرى لترامب كان «نكسة» وليس «هزيمة»، خصوصاً أن الانتخابات الأخيرة لم تشذّ في نتائجها عن قاعدة شبه ثابتة في السياسة الأميركية، حيث عادةً ما يخسر الحزب الحاكم في البيت الأبيض الانتخابات النصفية، باستثناء ليندون جونسون (1966) وجورج بوش الابن (2002) نتيجة لأسباب خاصة جداً متصلة بـ«حالة الحرب» التي كانت قائمة في عهدهما (فيتنام وهجمات 11 أيلول).
انطلاقاً من ذلك، سيسير ترامب على طريق معظم أسلافه الذين واجهوا ابتداءً من منتصف ولايتهم وضعاً كهذا، حيث غالبية موالية في مجلس الشيوخ، وغالبية معارضة في مجلس النواب، على نحو يؤثر بشكل خاص في تعطيل أو كبح الأجندات الداخلية.
كل ما سبق يعني أن ثمة واقعاً داخلياً في الولايات المتحدة بعد الانتخابات الأخيرة، سيدفع ترامب، كما فعل الرؤساء السابقون إلى الهروب من الداخل إلى الخارج، بمعنى التركيز على السياسات الخارجية، بالنظر إلى محدودية قدرة الكونغرس على تقييد الصلاحيات الرئاسية.
ليس الأمر بجديد، فباراك أوباما على سبيل المثال، سلك الطريق ذاته بعد خسارته في الانتخابات النصفية عام 2010، اتجهت السياسات الأميركية نحو المنطقة العربية، في خضم ما سمي بالربيع العربي الذي شهد تدخلين عسكريين للولايات المتحدة، في ليبيا بداية، ومن ثم في سوريا. والأمر نفسه تكرر بعد هزيمة الانتخابات النصفية عام 2014، التي قادت أوباما نحو فيينا، لإبرام الاتفاق التاريخي مع إيران.
على هذا الأساس، يمكن توقع اندفاعة جديدة لدونالد ترامب في السنتين المتبقيتين من ولايته الرئاسية. هذه الاندفاعة من المرجح أن تنطلق بعد أيام، حين يستقل الرئيس الأميركي طائرته لأول زيارة خارجية بعد الاستحقاق الانتخابي الأخير، لتقوده إلى فرنسا، حيث الاحتفال العسكري لمناسبة الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى، إذ يلتقي «هامشياً» الحلفاء والخصوم على حد سواء، قبل أسبوعين من «اللقاءات الشاملة» التي يفترض أن تجري خلال قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين، بما في ذلك اللقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
مؤشر أولي
برغم تضارب التوقعات بشأن طبيعة السياسة الخارجية الأميركية خلال السنتين المقبلتين، فإنّ اللقاء بين ترامب وبوتين سيشكل فرصة لرصد المواقف والتعامل معها من قبل الطرفين، خصوصاً أن الرئيس الروسي سبق أن ألمح إلى ذلك، في كلمته الأخيرة امام منتدى فالداي، حين حاول تمرير مواقف إيجابية باتجاه نظيره الأميركي، حين عزا سبب التذبذب في العلاقات الى الصراعات الداخلية، ولا سيما الحملات المتبادلة بين الجمهوريين والديمقراطيين عشية انتخابات الكونغرس.
اللقاء المرتقب، سيشكل فرصة لاختبار تفاهمات قمة هلسنكي التي عقدت بين الرجلين، والتي «تمّ التشويش عليها» داخل الولايات المتحدة –والعبارة هنا لبوتين نفسه– وبالتالي فإنّ ما سيخرج عنه سيكون بمثابة الخطوط العريضة للعلاقات الثنائية خلال الفترة المقبلة.
علاوة على ما سبق، فإنّ ثمة خيوطاً يمكن تتبعها لاستشراف السياسة الخارجية الأميركية في مرحلة ما بعد التجديد النصفي تجاه الملفات الدولية المهمة.
ومما لا شك فيه ان احتفاظ الحزب الجمهوري بأكثرية مجلس الشيوخ وفوز الحزب الديمقراطي بأكثرية مجلس النواب، ستكون له تداعيات مباشرة وغير مباشرة على السياسة الخارجية، وخصوصاً في الشرق الأوسط. أضف إلى ذلك، أن ثمة تغييرات حملتها الانتخابات الأخيرة داخل المعسكر الجمهوري نفسه، وهي بشكل عام لصالح ترامب، لا سيما بعد وفاة رئيس لجنة القوات المسلحة جون ماكين وتقاعد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بوب كوركر مع احتفاظ الرئيس بالأصوات المؤثرة في السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ.
أما مجلس النواب فسيقتصر تأثيره في السياسة الخارجية على الاستدعاءات وجلسات استماع علنية، هادفة للضغط على ترامب، أكثر منه التأثير المباشر على سياساته.
ملفات المنطقة
انطلاقاً من ذلك، من غير المحتمل أن تشهد المرحلة المقبلة تغييراً متصلاً بالملف الإيراني مثلاً، لاسيما أنّ ثمة توافقاً جمهورياً على التصعيد تجاه طهران، في مقابل تضاؤل حماسة الديمقراطيين للدفاع عن إرث باراك أوباما في هذا الملف.
أما في ما يتصل بالسعودية، فمن المرجح أن يشهد الموقف الأميركي تبدّلات متفاوتة المستوى، خصوصاً بعد فضيحة خاشقجي، التي قد تدفع ترامب باتجاه موقف صارم تجاه المملكة، في إطار التنازلات المتبادلة مع الكونغرس الذي يرجح أن يشهد ضغطاً تشريعياً لوقف الدعم الأميركي للحرب على اليمن، علماً بأن الجانب المالي للسياسات الخارجية يبقى ورقة قوة في يد المشرّعين الديمقراطيين.
وربما تفرض التغييرات في الكونغرس ضغوطاً أكبر على ترامب في ملف عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، حيث سيصبح من الصعب معاقبة السلطة الفلسطينية لدفعها إلى المفاوضات، ما يعني أن الكونغرس قد يتجه لتبني سياسة أكثر تقليدية في هذا الملف.
أما باقي الملفات الشرق أوسطية، فلا يبدو أنها على جدول التغييرات، فسوريا لم تعد أولوية لترامب، بعدما نجحت روسيا في فرض معادلتها، وبالتالي فإنّها لن تكون أولوية للكونغرس. والأمر ذاته ينسحب على الأزمة الخليجية بين السعودية وقطر، التي باتت في أدنى الأولويات عند صناع القرار في واشنطن. أما الدعم التقليدي للحكومات العربية الحليفة (مصر، العراق، الأردن) فالمرجح ألا يشهد تعديلات جوهرية.
بشكل عام، فإنّ ما جرى في الولايات المتحدة كان استحقاقاً لن تتأخر تداعياته في الظهور، خصوصاً أن الوقت لن يطول حتى يدخل الأميركيون المعركة الكبرى، أي الانتخابات الرئاسية عام 2020، والتي يفترض أن تكون قد بدأت منذ اللحظة الأولى لصدور نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
Leave a Reply