واشنطن – عقب انجلاء غبار الانتخابات النصفية التي أسفرت –بعد طول انتظار– عن احتفاظ الديمقراطيين بأغلبية مجلس الشيوخ الأميركي، وانتزاع الجمهوريين للأغلبية في مجلس النواب، أعلن الرئيس السابق دونالد ترامب من مقرّ إقامته في ولاية فلوريدا، مساء الثلاثاء الماضي، عن ترشحه لسباق الرئاسة 2024، متعهداً بإلحاق الهزيمة بالرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن الذي أعلن اعتزامه الترشح لولاية ثانية من أربع سنوات إضافية.
وكان ترامب قد أعلن عن موعد الحفل الذي أقيم في منتجع «مارالاغو» قبل يوم الانتخابات النصفية التي لم تصدر نتائجها النهائية بعد، لكن الديمقراطيين ضمنوا حتى الآن 50 مقعداً في مجلس الشيوخ مقابل 49 للجمهوريين بينما تأجَّل الحسم في ولاية جورجيا حتى جولة الإعادة في 6 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، لعدم تمكن أي من المرشحين في الولاية الجنوبية من اجتياز عتبة 50 بالمئة من الأصوات، حسبما ينص الدستور المحلي.
وشكل فوز السناتور الديمقراطية كاثرين كورتيز ماستو، بمقعد ولاية نيفادا، مصدر ارتياح للديمقراطيين والرئيس جو بايدن الذين ضمن الاحتفاظ بالأغلبية الحزبية في مجلس الشيوخ بغض النظر عن نتيجة سباق جورجيا. وتفوقت ماستو –وهي أول سناتور لاتينية في مجلس الشيوخ الأميركي– بفارق تسعة آلاف صوت على منافسها الجمهوري آدم لاكسالت، فيما استغرق إعلان الفائز ستة أيام كاملة.
أما في مجلس النواب، فضمن الجمهوريون انتزاع أغلبية هشّة بعد اجتياز عتبة 218 مقعداً في المجلس المكون من 435 مقعداً، رغم أن النتائج النهائية لم تصدر بعد، في عدة دوائر انتخابية، لاسيما بولاية كاليفورنيا.
وبحلول الخميس الماضي، وصل رصيد الجمهوريين من المقاعد إلى 218 مقعداً مقابل 212 للديمقراطيين.
واختار النواب الجمهوريون المنتخبون، زعيم الأقلية الحالي كفين مكارثي (عن كاليفورنيا) لرئاسة مجلس النواب الأميركي خلفاً للديمقراطية نانسي بيلوسي، بعد حصوله على دعم 188 نائب في تصويت أجري يوم الثلاثاء الماضي، مقابل 31 صوتاً فقط للنائب الشعبوي عن أريزونا آندي بيغز.
ولضمان المنصب، يجب أن يفوز مكارثي بأغلبية أصوات مجلس النواب بكامل هيئته، 218 صوتاً على الأقل، في التصويت المقرر في كانون الثاني (يناير) القادم.
كما اختار الجمهوريون النائبة عن ميشيغن، ليزا ماكلين، لمنصب سكرتير الكتلة الجمهورية التي سيتزعمها النائب عن لويزيانا ستيف سكاليس، فيما سيتولى «السوط» الحزبي، النائب عن مينيسوتا، توم إمر.
أما على الجانب الديمقراطي، أعلنت نانسي بيلوسي (82 عاماً)، رئيسة مجلس النواب النافذة نيتها التخلي عن قياة الديمقراطيين بعد تزعمها للحزب الأزرق في في المجلس لنحو عقدين من الزمن، مفسحة بذلك المجال أمام النواب الديمقراطيين الراغبين بخلافتها، ومن بينهم زعيم الأغلبية الحالي ستيني هوي (عن ماريلاند).
وفي حين لم يختر الديمقراطيون بعد، قيادتهم الجديدة في مجلس النواب، من المتوقع أن يحتفظ السناتور اليهودي الأميركي تشاك شومر بزعامة الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ.
في المقابل، تمكن السناتور عن كنتاكي ميتش ماكونيل من الاحتفاظ بزعامة الجمهوريين في مجلس الشيوخ رغم منافسته من قبل السناتور عن ولاية فلوريدا ريك سكوت، الذي مثل أول تحدٍّ فعلي يواجهه ماكونيل منذ 15 عاماً، وسط اتهامه من قبل أنصار ترامب بالمسؤولية عن نتائج الانتخابات المخيّبة بسبب امتناعه عن تمويل حملات معظم المرشحين المحسوبين على الرئيس السابق، مثل الدكتور محمد أوز في بنسلفانيا وآدم لاكسالت في نيفادا وبليك ماسترز في أريزونا وآخرين، مما أطاح بفرص هؤلاء أمام منافسيهم الديمقراطيين الممولين بمبالغ قياسية.
بل ذهب ماكونيل إلى حد إنفاق نحو ستة ملايين دولار لدعم إعادة انتخاب السناتور الجمهورية الحالية ليزا ميركاوسكي –التي صوتت لصالح عزل ترامب في يناير 2021– بمواجهة المرشحة الجمهورية المدعومة من الرئيس السابق، كيلي تشيبيكا، التي تتقدم على ميركاوسكي حسبما تظهر النتائج غير النهائية لسباق ألاسكا (حتى إعداد هذا التقرير، وبعد عشرة أيام من إجراء الانتخابات).
وعلى الرغم من أن ماكونيل تعهد بعدم التدخل في سباق الرئاسة 2024، والوقوف على مسافة واحدة من جميع المرشحين المحتملين، لاشك أن زعامة الجمهوريين في مجلس الشيوخ، تأتي في سياق التحضير لمعركة الرئاسة 2024، والتي على الأرجح ستشهد أكثر من منافس واحد لترامب الذي وضع «مؤسسة الحزب الأحمر» أمام الأمر الواقع، بإعلان ترشحه للرئاسة، يوم الثلاثاء الماضي.
ترامب ومنافسوه
استبق ترامب جميع منافسيه المحتملين في الانتخابات الرئاسية القادمة، بإعلان ترشحه للرئاسة بعد نحو أسبوع من الانتخابات النصفية وقبل سنتين من الاستحقاق الرئاسي، واضعاً منافسيه المحتملين أمام تحد صعب.
وأمام حشد من مؤيديه في مقر إقامته بولاية فلوريدا، قال ترامب: «من أجل جعل أميركا عظيمة مرة أخرى، أعلن الليلة ترشيحي لمنصب رئيس الولايات المتحدة»، مؤكداً أن البلاد «لن تنجو» إذا بقي بايدن رئيساً لأربع سنوات أخرى. وأضاف: «لا أقول هذا ضاحكاً، بل أتحدث بدموع».
وفي خطاب استمر لأكثر من ساعة، استعرض ترامب إنجازات إدارته وانتقد أداء «الرئيس الحالي الذي ينام في المؤتمرات»، متهماً إياه بالمسؤولية عن الأزمات التي تعيشها البلاد، بما في ذلك التضخم وأمن الحدود واستقلال الطاقة وارتفاع الجريمة وصولاً إلى إذلال الولايات المتحدة على المسرح الدولي بعد «ترك أميركيين في أفغانستان، وترك معدات بمليارات الدولارات هناك».
وأكد ترامب أن «حرب أوكرانيا لم تكن لتحصل لو كنت أنا رئيساً»، مذكّراً بأن إدارته لم تخض أية حرب على مدى أربع سنوات «وهو ما لم يفعله أي رئيس آخر منذ عقود طويلة»، وذلك على الرغم من اتهامات الإعلام له خلال حملته الانتخابية الأولى عام 2016، بأنه سيشعل الحروب فور دخوله البيت الأبيض.
وحول نتائج الانتخابات النصفية، قال ترامب إن 236 من مرشحيه للانتخابات النصفية فازوا بسباقاتهم، مقابل خسارة 22 منهم فقط، لكنه قال مع هذا إن أداء الجمهوريين في انتخابات مجلس الشيوخ «كان يجب أن يكون أفضل»، غامزاً من قناة ماكونيل.
وتعهد الرئيس السابق «بالقتال» من الآن وحتى يوم التصويت في نوفمبر 2024، «كما لم يقاتل أحد من قبل»، مشدداً على أن «عودة أميركا تبدأ الآن»!
وكان ترامب قد قدّم أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة قبل أربعة أيام من إعلان خوض السباق للبيت الأبيض للمرة الثالثة، بينما يتوقع المراقبون أن يشهد الحزب الجمهوري معركة قاسية لنيل بطاقة الترشح للرئاسة، في حال قررت شخصيات حزبية بارزة خوض السباق، مثل نائب الرئيس السابق مايك بنس، وحاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، اللذين لم يحسما قرارهما بعد، في حين يتجه حاكم ولاية فيرجينيا غلين يونغكين إلى إعلان ترشحه الأسبوع القادم.
وكان ترامب قد حذر ديسانتيس، الذي حقق فوزاً كاسحاً في الانتخابات النصفية ونجح في تحويل فلوريدا إلى «ولاية حمراء»، من الترشح لانتخابات 2024، قائلاً إن ذلك سيضر بالحزب الجمهوري.
من جانبه، قال بنس في مقابلة تلفزيونية إن الأميركيين ستكون لديهم «خيارات أفضل» من ترامب في الانتخابات المقبلة في 2024، كاشفاً أنه يدرس إطلاق حملته الرئاسية.
ورداً على سؤال عما إذا كان ينبغي على ترامب (76 عاماً)، أن يصبح رئيساً مرة أخرى، قال بنس إنه يعتقد أن «الأمر متروك للشعب الأميركي.. لكنني أعتقد أنه ستكون لدينا خيارات أفضل في المستقبل».
وعما إذا كان بإمكانه هزيمة ترامب، قال بنس: «هذا أمر يقرره الآخرون.. وسيكون لنا أن نقرر ما إذا كنا نرغب في اختبار ذلك أم لا».
من جانب آخر، رد الرئيس بايدن، الأربعاء الماضي، على إعلان ترشح ترامب عبر «تويتر» قائلاً إن سلفه «خذل» بلاده خلال توليه منصبه.
وقال بايدن في تغريدة من بالي حيث كان يحضر قمة مجموعة العشرين: «دونالد ترامب خذل أميركا».
وأرفق جو بايدن التغريدة بفيديو يقول إن ترامب خلال رئاسته تربع على «اقتصاد مزور لصالح الأثرياء، وأضعف النظام الصحي، ودلّل المتطرفين، وهاجم حقوق المرأة وحرّض العصابات العنيفة، من أجل محاولة قلب فوز عام 2020 إلى خسارة».
بدورها، اعتبرت صحيفة «واشنطن بوست» أن الرئيس السابق الذي حاول مجلس النواب بزعامة بيلوسي عزله مرتين، كان حريصاً على إعادة الترشح، حاملاً آمال التفوق على منافسيه وحماية نفسه من التهم الجنائية التي تلاحقه، مشيرة إلى أن هذا «أمر غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة». وأبرزت الصحيفة أن ترامب الرافض لنتائج انتخابات 2020، يعود للترشح «في لحظة ضعف سياسي»، بعد النتائج السيئة التي حققها المرشحون الموالون له في الانتخابات النصفية، الأسبوع الماضي.
أجندة الجمهوريين
في النتيجة الأبرز للانتخابات النصفية، إلى جانب التخلص من زعامة بيلوسي في الكونغرس –حسب ترامب– نجح الجمهوريون في انتزاع الغالبية من الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي، ما يضمن لهم قاعدة تشريعية تتيح لهم عرقلة برنامج عمل بايدن خلال العامين المقبلين،.
ومع توليهم السلطة في 3 يناير القادم، سينتزع الجمهوريون رئاسة جميع اللجان النيابية، مما يمهد لحقبة من التحقيقات الموسعة التي انطلقت بالفعل يوم الخميس الماضي، بإعلان مجموعة من النواب الجمهوريين، عن نيتهم فتح تحقيقات في أنشطة هانتر بايدن نجل الرئيس الديمقراطي وسط شبهات بتربح الرئيس من صفقات تجارية ضخمة مع جهات أجنبية بينها الصين.
وتمنح الأغلبية الضئيلة الحزب الجمهوري «السلطة لوقف أجندة الرئيس بايدن»، لكن هامشهم الضئيل كان بمثابة خيبة أمل لحزب اعتمد على نتائج انتخابات حاسمة كنقطة انطلاق للسباق الرئاسي 2024، وفقاً لوكالة «بلومبرغ».
وتمنح أغلبية مجلس النواب الجمهوريين سلطة الاستدعاء للسيطرة على اللجان، مما يسمح لهم بالوفاء بتعهدات الحملة للتحقيق في إدارة بايدن وعائلته، وكذلك ممارسات وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) وشركات وسائل التواصل الاجتماعي التي يزعم المحافظون أنها متحيزة ضدهم.
Leave a Reply