تباينات داخل كل فريق حول الترشيحات وتوزيع المقاعد
الظروف التي رافقتها فـي 2005 تبدلت وقوى «14 آذار» خسرت حلفاء
بيروت – كمال ذبيان
ستشكل الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، تحولاً مفصلياً في لبنان، وستلقى الاهتمام والمتابعة من مراكز القرار العربية والإقليمية والدولية، مثلما كانت الانتخابات السابقة في عام 2005 التي نظر إليها الرئيس الأميركي جورج بوش، على أنها من ضمن مشروعه «للشرق الأوسط الجديد» وإحياء الديموقراطية، وقد استعجل حصولها في موعدها الدستوري، لتحقيق نصر له في المنطقة مع هزيمته في العراق وتعثر مشروعه فيه، سوى نهب ثرواته النفطية والطبيعية، ولم يعط فرصة للبنانيين لمراجعة قانون الانتخاب الذي وضعه رئيس جهاز الاستخبارات السورية في لبنان اللواء غازي كنعان في عام 2000 على قياس من كان يجاريه في أدائه في لبنان، وقد خدم الرئيس رفيق الحريري في بيروت بمواجهة الرئيس سليم الحص، ووليد جنبلاط في الجبل بمواجهة القوى المعارضة له، وتم تركيب تحالفات انتخابية تصب في هذا التوجه، وقد سقط كل الذين يؤيدون عهد الرئيس إميل لحود.
جرت الانتخابات على أساس قانون كنعان، بالرغم من رفض الكثير من القوى السياسية والحزبية له، وتحديداً في ما كان يسمى «لقاء قرنة شهوان» الذي رأى أنه يهمش المسيحيين ويأتي بممثلين عنهم بأصوات المسلمين، ولما انقلبت التحالفات وأصبح «تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» في صفوفهم، قبل به «مسيحيو شباط»، وفازوا بأصوات المسلمين رغم رفض البطريرك الماروني نصر الله صفير له ووقوفه ضده، ودعوته هؤلاء المسيحيين إلى عدم القبول به، لكنهم أصرّوا عليه، ونجحوا في الانتخابات وشكلوا أغلبية نيابية، بعدما حصل التحالف الرباعي بين حركة «أمل» و«حزب الله» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«تيار المستقبل»، وتمكنت هذه الاغلبية من تأليف الحكومة والسيطرة على القرار فيها، وهذا ما خلق تناقضاً مع شركائها في التحالف الثنائي الشيعي فاستقال وزراؤه من الحكومة، وتضامن معهم زالتيار الوطني الحرس الذي أخرجوه من التشكيلة الحكومية، وهو يمثل 70 بالمئة من المسيحيين ولديه كتلة نيابية مع حلفائه تضم 23 نائباً.
استطاع فريق 14 شباط بقانون غازي كنعان وبالتحالف الرباعي، أن يخطف مجلس النواب، وهذا ما كانت تريده الإدارة الأميركية، أن يتمكن حلفاؤها من إخراج «النفوذ السوري والإيراني» من القرار اللبناني، وتحويله نحوها، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال الممارسات اليومية لهذا الفريق، الذي انحاز إلى المشروع الأميركي وسار في ركابه، وهو ما دفع بالرئيس بوش إلى إطلاق التصريحات اليومية المؤيدة للرئيس فؤاد السنيورة، والتعاطي معه فقط، دون الالتفات إلى وجود الرئيس إميل لحود في رئاسة الجمهورية، باعتباره حسب زعمهم من بقايا «النظام الأمني اللبناني السوري السابق» وهو من مؤيدي المقاومة، ومناهض للسياسة الأميركية، كما تم التعاطي بسلبية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أغلق أبواب المجلس في وجه الحكومة الفاقدة للشرعية الدستورية والميثاقية.
لم تكن فرحة قوى 14 شباط الفوز بانتخابات 2005 لتكتمل، لأنها لم تتمكن من أن تحكم، أو أن تنفرد بالحكم، حيث واجهت معارضة من أكثرية اللبنانيين الذين مثلتهم المعارضة الوطنية، وتمكنت من أن تفرض خيارها وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية بثلث ضامن لها.
ومع دخول لبنان في مرحلة الانتخابات النيابية، فإن المواقع والمواقف لن تتبدل لطرفي الصراع الموالاة والمعارضة، إذا أعلن كل منهما، أنه باق على تحالفاته وخياراته السياسية، وأن كل فريق سيخوضها في كل المناطق اللبنانية، وقد كشف النائب مروان حمادة أن قوى 14 شباط سترشح 128 شخصاً في كل الدوائر الانتخابية، وستقابلها المعارضة بلوائح موحدة أيضاً، لكن داخل كل طرف هناك مشكلة كثرة مرشحين، وهناك خلاف على المقاعد كما على الحصص الانتخابية، ولكن لم تظهر هذه المشاكل والخلافات إلى العلن، وتجري اتصالات من أجل تذليل العقبات، وتقديم التنازلات داخل كل فريق، وقد برز تباين مثلاً في زغرتا عندما أعلن رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية لائحته وضم إليها حليفه سليم كرم الذي خاض معه الانتخابات عام 2005، وكان في نية «التيار الوطني الحر» ترشيح منسقه في الشمال العميد المتقاعد فايز كرم، ولم يعلن العماد عون سحبه من المعركة، وهو سبق له أن ترشح عام 2005 في دائرة طرابلس، وبقيت الأزمة عالقة، وما يحصل مع فرنجية وعون ينطبق أيضاً على تحالف نائلة معوض وسمير فرنجية، الذي أخرجه نجل معوض ميشال من اللائحة التي أعلنها، وبات على سمير فرنجية أن يترشح في طرابلس، وهي الدائرة التي سبق له أن ترشح فيها في دورتي 1996 و2000، وسيشكل ترشيحه فيها مواجهة مع النائب الياس عطا الله الذي نقل النائب وليد جنبلاط ترشيحه من الشوف إلى عاصمة الشمال إرضاءً له.
وهذا النموذج من الخلافات حول الترشيحات والمقاعد، موجود في قوى 14 شباط والمعارضة، وقد يتعمم على عدد لا بأس به من الدوائر، وقد تؤدي الخلافات إلى انفراط عقد بعض التحالفات الانتخابية، لكن يجري تأجيل البحث في توزيع المقاعد إلى ما بعد مطلع العام المقبل، لتتبلور أكثر التطورات السياسية الداخلية المربوطة أيضاً بتحولات خارجية.
فالظروف التي تجري فيها الانتخابات المقبلة، تختلف عن تلك التي جرت في الدورة السابقة، والتي حصلت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بثلاثة أشهر، وجرى استغلال دمه من قبل قوى 14 شباط، وكذلك خروج القوات السورية من لبنان، والاتهامات التي سيقت ضد حلفاء سوريا من سياسيين وحزبيين وأمنيين أنهم ضالعون في الجريمة.
فبعد أربع سنوات تغيرت الأوضاع بنسبة كبيرة، وسقطت كل شعارات مرحلة الانتخابات السابقة، فلم تتوصل لجنة التحقيق الدولية إلى كشف مرتكبي عملية تفجير موكب الحريري سوى التأكيد أن المنفذ إسلامي أصولي انتحاري، ولم يعد يفيد قوى 14 شباط استغلال الجرائم والاغتيالات، لأن التحقيقات كشفت أن بعضها قام بها تنظيم «فتح الإسلام» ومنظمات أصولية، وجاء اعتقال الشبكات الإرهابية من قبل مخابرات الجيش والتحقيقات القضائية مع هذه الشبكات، ليثبت أن الاتهامات التي كان يروّجها الحريري وجنبلاط وجعجع وحلفاؤهم، قد سقطت وفقد هؤلاء صدقيتهم أمام الرأي العام، ولم تعد تنطلي مزاعمهم على أنصارهم ولم يعد بإمكانهم توظيف دم الشهداء في المعارك السياسية والانتخابية، من أن سوريا تقف وراء أعمال التفجير، وهي التي خرجت في عام 2005، وباتت كل الأجهزة الأمنية والعسكرية بعهدة قوى 14 شباط هذا في الشأن الداخلي، أما على صعيد سوريا فإن وضعها مختلف كلياً عن المرحلة السابقة، إذ حافظت على دورها العربي والإقليمي، وهي رئيسة القمة العربية وأعادت أوروبا العلاقات معها وأن الإدارة الأميركية الجديدة بعد انتخاب الرئيس الديموقراطي باراك أوباما، سيكون أداؤها مختلفاً عن الإدارة الراحلة من البيت الأبيض، إذ قرر الحزب الديموقراطي فتح حوار مع سوريا، ولم يتمكن الحصار الذي حاول فرضه عليها الرئيس بوش من أن يؤثر عليها، وهي في مرحلة من يقرر في المنطقة وعبرها تمر الحلول إلى لبنان. وقد استشعر فريق 14 شباط هذا التحول العربي والإقليمي والدولي تجاه سوريا، وأنها باتت في صلب المعادلة، وتقف الدول على رأيها، وهو ما أعطى حلفاءها في لبنان مزيداً من القوة التي أثبتوها في أكثر من محطة، سواء في صد المقاومة للعدوان الإسرائيلي في صيف 2006 والانتصار الذي حققته وغيّرت مجرى التاريخ في المنطقة وأفشلت قيام «الشرق الأوسط الجديد»، أو من خلال تحرك المعارضة في 7 أيار الماضي، وقلبها المعادلة الداخلية وموازين القوى، وهذه عوامل ستفرض نفسها على الانتخابات النيابية التي تدخلها المعارضة بأجواء مختلفة كلياً عن تلك التي سادت في 2005 حيث تبخر التحالف الرباعي وقفز إلى الواجهة التفاهم الثنائي بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، الذي هو قلب المعارضة مع حركة أمل وتيار المردة، إضافة إلى أسامة سعد والوزير عبد الرحيم مراد، وعدنان عرقجي وكمال شاتيلا وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية والأحزاب الوطنية والإسلامية.
ولا ترى الموالاة أنها في موقع من سيخسر الانتخابات، بالرغم من التحولات الدولية التي حصلت، بخروج الرئيس الفرنسي جاك شيراك من الاليزيه وانتهاء ولاية بوش وخسارة حزبه الجمهوري الانتخابات الرئاسية، فإن قوى 14 شباط ترى أن خطّها السياسي مستمر، ويتابع مسيرته في بناء الدولة بعد استرداد السيادة والاستقلال، وأن المعركة هي حول الدولة، لكن هذا الشعار تتعاطى معه المعارضة بكثير من السخرية ولأن مفهوم بناء الدولة مختلف عليه منذ الاستقلال بين من يريد إخراج الدولة من منطق المحاصصة والمزرعة والنظام الطائفي إلى دولة المؤسسات والقانون والمجتمع المدني، وبناء الدولة القوية والقادرة على مواجهة الأخطار المحدقة بلبنان وفي مقدمها الأطماع الصهيونية والاعتداءات الإسرائيلية.
لقد وضع كل فريق شعاراً لمعركته الانتخابية خلال ما يدلي به الموالون والمعارضون، إذ تظهر في مواقفهم الاختلاف السياسي بين مشروعين تم التعبير عنهما بأن المعارضة مع دولة قوية يتكامل فيها الجيش والمقاومة، وتبنى على ثقافة المقاومة ووعي الأخطار الإسرائيلية، ومشروع الموالاة المهادن لإسرائيل الذي يستعيد نظرية قوة لبنان في ضعفه، وأن الدبلوماسية وصداقاته الدولية تحميه وقرارات الأمم المتحدة تعيد له أرضه المحتلة.
لقد بدأت الحملات الانتخابية وتتركز الهجمات على العماد عون وتياره السياسي، لأن المعركة هي على الصوت المسيحي الذي يرجح الأغلبية النيابية، وإن المال الانتخابي دخل إلى جيوب الناخبين مع الإعلام الذي يصنع الرأي العام ويوجهه، لكن لن تتوضح العودة قبل شباط حيث ستبدأ تظهر التحالفات، لا سيما أن هناك من يتحدث، وعلى رأسهم النائب ميشال المر، عن ضرورة خلق كتلة نيابية حيادية أو وسطية لرئيس الجمهورية، الذي يؤكد أنه لن يتدخل بالانتخابات وليس له مرشحون، لكنه لا يمانع أية كتلة نيابية تؤيده وتقول إنها له ومعه.
Leave a Reply