بقلم: طالب الجبوري
انّ من أهم مميزات الإعلام الإلكتروني هي تزويد الجماهير بالمعلومات المختلفة وذلك من خلال استخدام وسائل تكنولوجية متقدمة كالكمبيوترات الرقمية والهواتف الخلوية والحواسب الآلية، هذه الثورة المعلوماتية الجديدة تجاوزت حواجز الزمان والمكان ونسفت المسافات واختزلت الأزمنة وتوسعت من خلالها المفاهيم العلمية والمعرفية، هي ثورة علمية مهمة في حياة الناس تفوق بكثير ما كانت تفعله وسائل الإعلام التقليدية، أصبح الإنترنت اليوم جزءاً مهماً في حياة الناس ومن الصعوبة الاستغناء عن هذه الخدمة الإلكترونية لما لها من تأثير مباشر وحيوي في مختلف النشاطات الاجتماعية.
رغم الفوائد الكبيرة التي أعطاها الإعلام الإلكتروني للجمهور، لكنه أيضا أصاب المجتمع ببعض المفاسد، وأول هذه المفاسد هي اثارة الفتن والنعرات الطائفية والثورات الفوضوية التي ساعدت وتساعد على تقويض الأمن والأمان خصوصا في المجتمعات ذات الأنظمة الضعيفة.
وقد تخصصت بعض الجهات والقنوات والمواقع الإلكترونية المأجورة في الترويج للأكاذيب والشائعات وإشاعة حالة الفوضى والقتل والنهب في المجتمعات، ولا تزال بعض البلدان اليوم تعاني من تراكمات الغزو الإلكتروني الخارجي المدجج بالفكر التسقيطي المشبوه والذي تسبب في فقدان الأرواح وتخريب الممتلكات وتشريد الناس.
أما ثاني مفسدة من مفاسد الإعلام الإلكتروني هي إشاعة الدجل والشعوذة في المجتمعات البسيطة، لطالما أستخدمت هذه المفسدة كسلاح عدواني في تدمير الأمم والشعوب، انتشار الخرافة بين الناس هو داء خطير يصيب الأمم نتيجة الجهل والاستخفاف بالعلم وانتشار الأمية والبطالة والحالة الاجتماعية المزرية التي يعيشها الفرد، هذا الداء يصيب المرأة بسهولة وذلك لأنها تعيش تحت هيمنة بيئة رجولية وبسبب وقوعها تحت رحمة التقاليد والأعراف الاجتماعية البالية، حيث يشير تقرير مركز البحوث الجنائية في القاهرة إلى أن نصف نساء العرب يعتقدنَ بالخرافة والشعوذة وبقدرة الدجالين على حل مشاكلهن، وتؤكد نفس الدراسة أن العرب ينفقون حوالي خمسة مليارات دولار سنويا عل السحر والشعوذة التي يروّج لها الإعلام ألإلكتروني المأجور.
أما ثالث مفسدة للإعلام الإلكتروني هو انتشار الثقافة الإباحية في المجتمع، والمرتبطة بالرذيلة والانحراف الخلقي، حيث يعاني الكثير من شبابنا اليوم من المشاهدة المزمنة للأفلام الإباحية ومن الانخراط الكامل في غرف الانترنت اللاأخلاقية، تلك الغرف التي لا تملك أقل درجات الحياء والحشمة، حيث تستخدم فيها الألفاظ النابية والعبارات المخجلة واللغة السوقية في التخاطب وفي بناء العلاقات، هذه الثقافة الشبابية تقود إلى الإفلاس الروحي والأخلاقي في المجتمع، وكما يقول أرنولد توينبي المؤرخ الإنكليزي المشهور «إنّ أحد أهم أسباب انهيار الأمم والحضارات هو الانحطاط القيمي والأخلاقي والذي يقود إلى قتل القدرة الروحية على الإبداع والتجديد، لذا فإنّ الأمم لا تموت قتلا بل تموت انتحارا».
هذا الغزو الفكري الإلكتروني يحتاج إلى مواجهه وتطويق مجتمعي وعائلي منظم، يحتاج إلى تهيئة العقول فكرياً وثقافياً وتعبئة النفوس أخلاقياً حتى يستطيع الشباب من احتواء هذا الوباء، وبما أن العائلة هي المؤثر والموجه والباني الأول والأساسي للأفراد، فأنّ أهم الخطوات التي يجب اتباعها عائليا، هو التحصين الديني والبناء القرآني وبناء الشخصية المؤمنة للمجتمع الذي يستطيع أن يحمي شبابنا من الكثير من الأخطار الإلكترونية الفاسدة، هذا التحصين هو بمثابة طوق النجاة الذي يجب أن يتمسّك به الشباب ليحميهم من الغرق سواء الفكري أوالأخلاقي، انّه الطوق القادر على تجاوز موجات العصف الفكري الشبكي المعادي. البناء الروحي الديني سوف يحمي الإنسان من الوقوع في المحرمات والرذائل ويعصمه من ارتكاب الأخطاء ويوفر له مناعة ضد الكثير من الميكروبات الفكرية المعادية، انّه خير علاج ووقاية للإنسان من أحظار الغزو التسقيطي المبرمج الذي تقوده ماكينات الكفر العالمية.
ورغم كامل احترامنا لحرية الرأي والتعبير فإن ثاني الخطوات التي يمكن اتباعها لحماية شبابنا وكذلك لإيقاف نزفهم الأخلاقي والقيمي، هي بمطالبة مؤسسات الدولة المعنية بحجب المواقع الإلكترونية الفاسدة والمغرضة وتشريع القوانين القادرة على منع مواقع الإعلام الإلكتروني الرخيص والمفسد أو إعطاء القدرة الفنية المجانية للمواطنين على حجبها تماما من الظهور، لانها تتعارض مع قيم المجتمع الدينية والاجتماعية.
Leave a Reply