ترامب يقود أميركا إلى العزلة .. فهل يكون المخرج الإسرائيلي باستهداف إيران؟
لكأنّ الأمر منسّق بعناية… وإنما بأسلوب الهواة!
عرضان مسرحيان شكلا نقطة ارتكاز لمتغيّرات خطيرة قد يكون الشرق الأوسط شاهداً عليها خلال الفترة المقبلة، أوّلهما في تل أبيب، حيث وقف بنيامين نتنياهو ليكشف عن «صيد استخباراتي» عديم القيمة، للتأكيد على سعي إيران امتلاك سلاح نووي؛ وثانيهما في واشنطن، حيث وقف دونالد ترامب ليعلن الانسحاب الأحادي من «اتفاق فيينا» النووي.
بطبيعة الحال، الخطوة الترامبية جاءت وفق ما توقع كثيرون، ولكنّه بدا في الوقت ذاته صادماً، ليس لإيران، هذه المرّة، وإنما في صفوف حلفاء الولايات المتحدة الغربيين، الذين تسابقوا للإعراب عن خيبة أملهم من قرار سيد البيت الأبيض.
ليس الموقف الأوروبي نتاجاً عن رغبة في تحقيق السلام النووي، ولكنه ينبع من شعور متنام بأنّ كل الخطوات التي ينتهجها ترامب، بدءاً بفرض العقوبات على روسيا، مروراً بالانسحاب من اتفاقية المناخ، وصولاً إلى الانسحاب من الاتفاق النووي، باتت تطالهم بشكل مباشر.
على هذا الأساس، كانت المعارضة الأوروبية للخطوة الأميركية الأحادية بشأن إيران، مؤشراً على أن العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة قد وصلت إلى مستوى من الخلاف لم تشهده منذ الحرب العالمية الثانية.
هواجس أوروبية
هذا الخلاف أساسه اقتصادي، والخطوة الأميركية تستهدف على وجه الخصوص محاصرة الاقتصاد الأوروبي، وتضييق أفق نموّه، خصوصاً بعدما استبشرت الشركات الأوروبية خيراً في «اتفاق فيينا»، وراح رؤساء مجالس إداراتها، ومدراؤها المختصون، ناهيك عن وزراء الحكومات الأوروبية (الفرنسية، والألمانية، والإيطالية على وجه الخصوص)، يتسابقون إلى طهران، للفوز بهذه الصفقة أو تلك، وبالتالي محاولة تغيير مسار أزمة التباطؤ في النمو التي شهدتها القارة العجوز خلال السنوات السابقة.
لعلّ تلك الزاوية تبقى الأهم في فهم خلفيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وتداعياته المحتملة، فالاقتصاد بالنسبة إلى «تاجر» يحكم البيت الأبيض يبقى الأساس، الذي تنطلق منه الخيارات السياسية الاستراتيجية، على نحو يتجاوز الذرائع المعلنة، من تل أبيب إلى واشنطن، أو الحملات الدعائية التي يرفعها دونالد ترامب تحت عنوان «محو إرث باراك أوباما».
على هذا الأساس، يمكن فهم أسباب اختيار ترامب لتوقيت الانسحاب من «تسوية فيينا»، فهو انتظر عاماً ونصف العام على تنفيذ شعاراته الانتخابية، أملاً بابتزاز الأوروبيين للحصول على مكاسب اقتصادية منهم أو في أفضل الأحوال الحصول منهم على تنازلات تجعل الآمال الاقتصادية الأوروبية بعيدة عن عتبة المنافسة للاقتصاد الاميركي، ولعلّ قراره الأخير قد جاء نتاجاً لتعثر المفاوضات الشاقة، التي جرت مع الأوروبيين خلال الأشهر الماضية، والتي بلغت ذروتها في الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الولايات المتحدة الشهر الماضي.
ولا شك في أن الموقف الأوروبي اليوم يبدو أكثر صعوبة مما مضى، خصوصاً أن ألمانيا وفرنسا تعرّضتا لنكستين استراتيجيتين في عامين، الأولى تتمثل في استفتاء «بريكست» لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والثانية من خلال الهزّة الكبرى المرتقبة بعد أشهر، حين تجد الشركات الأوروبية نفسها غير قادرة على الاستثمار في إيران، بعد القرار الأميركي الأخير.
يضاف إلى ما سبق أن الأوروبيين قد أوقعوا أنفسهم –وبتحريض بريطاني معروف الأسباب– في فخ الانجرار وراء النزعة العدوانية ضد روسيا، والتي أفضت إلى توقيع سلسلة عقوبات على موسكو، سواء على خلفية الملف الأوكراني أو مؤخراً بعد قضية «التسميم» المشبوهة للجاسوس الروسي المنشق سيرغي سكريبال، بما جعل الاقتصاديين والسياسيين، حتى المناوئين منهم لروسيا، يحذرون من التداعيات الكارثية لتلك الخيارات على الاقتصاد الأوروبي.
ولكنّ ما جرى قد لا يشكل نهاية المطاف بالنسبة إلى الأوروبيين، الذين باتوا اليوم رأس الحربة في التصدّي للخيارات الانعزالية التي يعتمدها دونالد ترامب، فإجماع قادة أوروبا على رفض قرار الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وتلاقيهم في ذلك مع الموقف الروسي، يمكن أن تكون له تبعات تعاكس المخططات الأميركية.
فرص ضعيفة
الفترة المقبلة ستشهد بالتأكيد حراكاً أوروبياً لرأب الصدع الذي تسبب به قرار ترامب. هذا الحراك سيذهب الى بذل جهود دبلوماسية على خط طهران–واشنطن، لتقريب وجهات النظر، والتوصل بذلك إلى صيغة توافقية لاتفاق نووي معدّل. ولكن طالما أن الأهداف الأميركية تتخطى بنود اتفاق فيينا نفسه، بحسب ما يجمع عليه المحللون الغربيون، فإنّ فرص نجاح الدبلوماسية ستكون ضعيفة هذه المرّة، ما يعني أن العالم سيشهد، عاجلاً أم آجلاً، حرباً اقتصادية على ضفتي الأطلسي، قد تنتهي بتموضعات جيوسياسية جديدة، تقلب موازين الصراع العالمي، وتقلب السحر الترامبي على ساحره.
وفي هذه الحالة، ستكون الولايات المتحدة أمام تحدّيات جدّية، تنذر بعزلة دولية غير مسبوقة.
هذا السيناريو ليس خيالياً، فالؤسسة الأميركية الحاكمة نفسها باتت تستشعر خطراً كهذا، منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، حيث باتت السياسات الخارجية للولايات المتحدة مفتقدة، بنظر حلفائها، إلى الثوابت والمصداقية، ما يطرح علامات استفهام جدية حول قدرة المنظومة العميقة على الالتزام بضمانتها التقليدية للاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
الاتفاق لم يمت
الحديث عن تلك «الضمانات» و«الالتزامات» يقود إلى حديث آخر حول سيناريو تجاهل الأوروبيين للخطوة الأميركية الأخيرة، وبالتالي الإبقاء على الاتفاق النووي، بصرف النظر عن بقاء الأميركيين فيه من عدمه. والواقع أن القانون الدولي يجعل هذا السيناريو –الذي ينطوي بدوره على شكل من أشكال العزلة للولايات المتحدة– أمراً ممكناً، فاتفاق فيينا قد تم باستخدام صيغة المعاهدات متعددة الأطراف، التي تتضمن، وفق بنودها، طريقة الانضمام والانسحاب منها، والالتزامات المترتبة على أي من الخيارين.
لكنّ الاحتمال الأكثر ترجيحاً، بالنسبة إلى تكريس عزلة الولايات المتحدة، يبقى في ميدان الاقتصاد، الذي يمثل الحيثية الأهم في الخلاف القائم حول الاتفاق النووي بين واشنطن من جهة، وبرلين وباريس ولندن من جهة ثانية، فما جرى يعزز فرص «التحوّل الاستراتيجي» بالنسبة إلى الأوروبيين، الذين سيجدون مصلحتهم أكثر تقاطعاً، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، مع كل من الصين وروسيا بشكل غير مسبوق.
ومما لا شك فيه ان الظروف الدولية تبدو اليوم مهيّأة لانقلاب كهذا في المشهد العالمي، فالزيارات ذات البعد الاستراتيجي على خط أوروبا–الصين مستمرة، وثمة قناعة راسخة لدى الاقتصاديين بأن الاقتصاد العالمي بدأ ينتقل تدريجياً خلال السنوات الماضية من الغرب إلى الشرق، مع بروز مشاريع متعددة في هذا السياق، كتكتل شانغهاي وطريق الحرير الجديد.
من الشطرنج إلى القمار
انطلاقاً مما سبق فإنّ العالم يبدو اليوم على مفترق طرق يمر في واشنطن، وتحديداً من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، فإمّا أن يترجّل دونالد ترامب عن طاولة القمار التي حلّت مكان رقعة الشطرنج في مقاربة الإدارة الأميركية للملفات العالمية ومحاولات بسط نفوذها في العالم، أو أن يستمر في مقامرته، ويخسر «الصولد» الكبير!
ومع ذلك، فإنّ الأمر قد لا يكون على ذلك القدر من بساطة لعبة «البوكر» أو «الروليت»، فمن يحكم أميركا اليوم هو «مدمن قمار» قد يقوده تهوره إلى خطوات مكلفة وغير محسوبة النتائج.
إحدى تلك الخطوات تتمثل في شن حرب عسكرية مباشرة على إيران، وهو بالنسبة للإسرائيليين المخرج الوحيد من سيناريو العزلة المحتملة مع توجه ترامب للانسحاب من سوريا في ظل توزانات إقليمية ودولية جديدة.
ليلة الصواريخ
وعلى هذا الأساس، يمكن فهم التصعيد الإسرائيلي الأخير في سوريا، فما جرى فجر الأربعاء الماضي، يتجاوز بكثير، الحديث عن «تعديل قواعد الاشتباك»، وتعويض الخسارة التكتيكية التي تكبّدتها إسرائيل، يوم أسقطت مقاتلتها الأميركية الصنع «أف–16» في سماء سوريا، فما يدور في أروقة السياسة والعسكر والأمن في إسرائيل أبعد من ذلك بكثير، والاستفزازات الإسرائيلية الأخيرة لا شك أن الهدف منها جر إيران والمنطقة إلى المواجهة واستجرار ترامب إلى حرب جديدة.
بهذا المعنى، يمكن فهم سبب الاتهام الإسرائيلي السريع لـ«فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني بإطلاق القذائف والصواريخ على المواقع العسكرية الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل، ويمكن توقّع خلفيات خطوة كتلك التي أقرّت في الكنيست قبل أيام، بشأن منح رئيس الوزراء ووزير الدفاع سلطة إعلان الحرب بشكل أحادي، ليصبح العالم بذلك رهن «المجانين الثلاثة» دونالد ترامب–بنيامين نتنياهو–أفيغدور ليبرمان، الذي لم يكن ينقصهم سوى شخصية أكثر جنوناً وتهوّراً من محمد بن سلمان، الذي بات طامحاً بدوره إلى «سلاح نووي»!
ولكن سوريا مرة أخرى، تمكنت من لجم العدوان الإسرائيلي وترسيخ قواعد اشتباك جديدة، بقدرة نظام دفاعها الجوي على إسقاط أكثر من نصف الصواريخ الجوية والتكتيكية التي أطلقتها ٢٨ طائرة إسرائيلية من خارج المجال الجوي السوري (لبنان والأراضي المحتلة)، إضافة إلى إمطار مواقع الجيش الإسرائيلي في الجولان بالنيران لأول مرة منذ عقود.
وقد نفى نائب رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني، أبو الفضل حسن بيغي، أن تكون بلاده هي من نفذت الضربات الصاروخية، مؤكداً أن «الجيش السوري هو من قام بالضربة الصاروخية»، وذلك بحسب ما نقلت عنه وكالة «سبوتنيك» الروسية.
Leave a Reply