القدس المحتلة – عاد البابا فرنسيس إلى مقره في الفاتيكان بعد زيارة تاريخية الى الأراضي المقدسة استمرت لثلاثة أيام، بعث خلالها رأس الكنيسة الكاثوليكية، رسائل متعددة ومثيرة للجدل لاسيما في تحركاته داخل فلسطين المحتلة.
وقد بدأ البابا زيارته في الأردن، على عكس أسلافه الذين كانوا يحطون في مطار بن غوريون في تل أبيب لزيارة الأراضي المقدسة، واختتمها في الأراضي المحتلة بسلسلة محطات لها أبعاد دينية وسياسية سيما بدعوته عباس وبيريز لزيارته في الفاتيكان من أجل الصلاة للسلام.
وبدأ البابا زيارته للأراضي المقدسة بزيارة مسجد قبة الصخرة في القدس المحتلة، وتوقف البابا فرنسيس بشكل مفاجئ عند الجدار العازل في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة حيث تلا صلاة بعدما دعا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى إنهاء صراعهما، الذي قال إنه لم يعد مقبولاً.
وفي صورة ينتظر أن تجذب الأنظار في جولته بالأراضي المسيحية المقدسة أراح البابا جبهته على الجدار الاسمنتي الذي يفصل بين بيت لحم والقدس وصلى في صمت.
وفي ثاني أيام جولته أسعد البابا مضيفيه الفلسطينيين بالإشارة إلى «دولة فلسطين» مما يمثل دعما لمسعاهم للحصول على اعتراف كامل بالدولة بعد أن أصاب الشلل عملية السلام.
وقال البابا في قداس في بيت لحم: في هذا المكان محل ميلاد أمير السلام أوجه الدعوة لكما.. الرئيس محمود عباس والرئيس شمعون بيريز للانضمام لي في صلاة خشوع من القلب إلى الرب ليمنّ بنعمة السلام.. أعرض بيتي في الفاتيكان مكاناً لاقامة هذه الصلاة. وقال مسؤولون من الجانبين إن بيريز وعباس قبلا الدعوة وسيكون اللقاء يوم 8 حزيران (يونيو) المقبل. ولكن يبدو أن من المستبعد أن يحصل بيريز على أي تفويض من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للتفاوض مع عباس بشأن تجديد المحادثات المباشرة.
وغادر البابا بيت لحم التي زار فيها مخيما للاجئين متوجها إلى مطار تل أبيب بالهليكوبتر حيث كان في استقباله بيريز ونتنياهو.
وقال البابا في كلمة بمراسم الاستقبال إنه يدعم حق دولة إسرائيل في الوجود والإزدهار في سلام وأمن ضمن حدود دولية معترف بها. وفي الوقت ذاته قال إن من المتعين أن يكون هناك اعتراف بحق الشعب الفلسطيني في وطن ذي سيادة وبحقه في العيش بكرامة وبالتمتع في الحق في حرية التنقل.
وجاء البابا على ذكر المحارق النازية مستخدما اللفظة العبرية في الدلالة على هذا المعنى وقال إنه «مع تذكر الماضي دوماً» فإنه لا يمكن أن يكون هناك مكان لمعاداة السامية. وتابع قوله «إن جزءاً مؤثراً من إقامتي سيكون زيارة نصب ياد فاشيم من أجل ستة ملايين يهودي كانوا ضحايا (شوعاه) المحارق النازية.. أتضرع لله ألا تكون هناك جريمة مماثلة لها.. التي راح فيها عدد من الضحايا من المسيحيين وغيرهم».
وقال بيريز «نحن ممتنون لموقفكم الرقيق والحاسم ضد كل تجليات معاداة السامية وكل تعبير عن العنصرية». وقام البابا بزيارة المسجد الاقصى بمرافقه بطريرك القسطنطينية المسكوني بارثلماوس الزعيم الروحي للأرثوذكس في العالم.
وفي لقائه مع مفتي القدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، قال البابا فرنسيس «لنحترم ونحب بعضنا بعضا كإخوة واخوات، لنتعلم أن نفهم ألم الآخر ولا يستغلّن أحد اسم الله لممارسة العنف، ولنعمل معاً من أجل العدالة ومن أجل السلام. وبعدها توجه البابا الى حائط المبكى حيث صلى هناك». واقترب البابا من الحائط ووضع يده عليه لعدة دقائق وهو صامت، ثم قام بفتح مغلف أبيض وأخرج منه ورقة كتبت عليها رسالة قصيرة قرأها امام الحائط. وبعدها عانق البابا كلا من صديقيه الارجنتينيين القديمين حاخام بوينس آيرس ابراهام سكوركا، والبروفسور المسلم عمر عبود رئيس معهد الحوار بين الاديان في العاصمة الارجنتينية.
وفي المساء أدى البابا فرنسيس في كنيسة القيامة صلوات من أجل وحدة المسيحيين مع البطريرك بارثلماوس. وهذه أول مرة يصلي فيها زعيما الطائفتين المسيحيتين معا داخل هذا المكان وهو أحد أقدس الأماكن المسيحية. وعادة ما كانت القيادات الدينية للطائفتين تلتزم بقواعد فصل صارمة تعود إلى الزمن العثماني.
وانضم البطريرك الماروني بشارة الراعي، الى الصلاة التي اقامها البابا في حديقة الجثمانية، والتي تعد الموقع الذي صلى فيه المسيح خلال العشاء الأخير.
يذكر أن الحرم القدسي، الذي يضم المسجد الاقصى وقبة الصخرة، هو اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين. فيما يعتبر اليهود حائط المبكى، الذي يقع اسفل باحة الأقصى، آخر بقايا المعبد اليهودي (الهيكل) الذي دمره الرومان في العام 70 وهو اقدس الاماكن لديهم.
وخلال لقائه الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز، طالب البابا بحرية وصول المؤمنين الى الاماكن المقدسة في القدس، وقال «لتكن القدس فعلا مدينة السلام، ولتسطع القيم الدينية والثقافية الكونية للقدس ككنز للإنسانية برمتها»، وأضاف: «كم هو جميل عندما يتمكن الحجاج والمقيمون هنا من الوصول الى الأماكن المقدسة بحرية والمشاركة في الاحتفالات».
وأدان البابا معاداة السامية بكل أشكالها الممكنة، وندد بأعمال التخريب ومظاهر انعدام التسامح حيال الأشخاص أو أماكن العبادة اليهودية والمسيحية والمسلمة.
وفي خطوة غير مقررة، قام البابا أيضا بزيارة نصب لإحياء ذكرى القتلى الإسرائيليين الذين سقطوا في هجمات، بمرافقة نتنياهو. وجاءت هذه الخطوة استجابة لطلب من الأخير وهو في طريقه من البلدة القديمة في القدس الى نصب ضحايا محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية
وندد البابا بالمحرقة التي قتل فيها ستة ملايين يهودي في المعسكرات النازية، معتبرا انها «مأساة هائلة لليهود الذين قتلوا إبان الحرب العالمية الثانية».
وتضرع الى الرب ألا يتكرر هذا أبداً، وقال: «نسمع تردد صدى سؤال الله ذا: آدم، أين أنت؟. وأضاف أن تلك الصرخة (…) وأنا امام مأساة المحرقة الهائلة تردد صدا كصوت ضاع في هوة لا قاع لها».
وأقدم البابا على إيماءة تواضع، والتقى بستة ناجين من المحرقة النازية واستمع إلى روايات معاناتهم وانحنى لتقبيل أياديهم. ووصف البابا المحرقة النازية بأنها «مأساة لا حد لها». وتوجه البابا فرنسيس أيضا الى المقبرة الوطنية الاسرائيلية في جبل هرتزل، حيث وضع اكليلا من الورود على قبر زعيم الحركة الصهيونية، تيودور هرتزل.
والبابا فرنسيس هو رابع بابا يزور إسرائيل وأصبح أول بابا يضع إكليلاً من الزهور على قبر تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية التي أدت إلى قيام الكيان الإسرائيلي.
وأنهى البابا زيارته بقداس أقامه في علية صهيون وهي قاعة لها قبة وتقع خارج اسوار المدينة القديمة، ويقدس المسيحيون هذه القاعة لأنه يعتقد بأنها القاعة التي أقام فيها المسيح العشاء الأخير مع تلامذته. وفي ختام القداس أقلت طائرة هليكوبتر البابا إلى تل أبيب وصعد الى طائرته عائداً إلى ايطاليا.
صلاة عباس وبيريز
وبعد عودته الى مقره، أعلن الفاتيكان، يوم الخميس الماضي، أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ونظيره الإسرائيلي، شيمون بيريز، سيصليان سوية «من أجل السلام» بالشرق الأوسط، وذلك في الكرسي الرسولي في 8 حزيران (يونيو) المقبل.
واستجاب الزعيمان لدعوة البابا فرنسيس خلال زيارته الأخيرة، حيث عرض في قداس ببيت لحم «بيته في الفاتيكان» لإقامة صلاة من أجل السلام في المنطقة.
وقال المتحدث باسم الكرسي الرسولي، الأب فيديريكو لومباردي، إن «لقاء الصلاة من أجل السلام.. سيجري الأحد في 8 حزيران في فترة بعد الظهر في الفاتيكان. والطرفان وافقا على هذا التاريخ».
ويحاول البابا من خلال هذه المبادرة حث الطرفين على استئناف مفاوضات السلام.
Leave a Reply