اتباع وجبات غذائية صغيرة موزعة على طول النهار تقي من الأضرار
أظهرت دراسة حديثة أجرتها جامعة “وين ستايت” مؤخراً أن نسبة البدانة (الوزن الزائد) في ولاية ميشيغن وصلت الى 30,5 بالمئة بعد أن كانت 17,2 عام 1995، وهي النسبة الأعلى بين الولايات في أميركا. واعتمدت الدراسة على مؤشر حجم الأجسام على أساس قياس الوزن والطول. كما أجريت دراسة هي الأولى من نوعها ردت أسباب البدانة، التي كانت تعتبر في السابق مسألة نفسية وفردية، الى سياسات السوق الحرة المعتمدة في بعض الدول الغنية كأميركا واوستراليا وبريطانيا والتي تنتشر فيها المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة دون حسيب أو رقيب.
كما أظهرت دراسة أخرى، صادرة عن وزارة الصحة الأميركية، أن السبب الثاني لارتفاع معدل الوفيات في العالم يأتي نتيجة البدانة..
عبر التاريخ، اختلفت مقاييس الجمال، ففي القرن الخامس عشر وصولاً الى القرن الثامن عشر كانت البدانة تعتبر رمز للغنى وللطبقة الأرستقراطية ورمزاً للصحة والجمال. ولكن مع بداية التسعينيات، اتجهت المجتمعات نحو أنماط حياتية صحية، معتمدة على اثباتات علمية تظهر مضار البدانة على الصحة الجسمية وبدأ النظر الى البدانة على أنها مشكلة صحية حقيقية تعكس مستويات اجتماعية فقيرة وغير واعية. فلم تعد مقولة “الرجل بلا كرش متل البيت بلا عفش” أو إطلاق ألقاب كـ”معصمصة” و”منؤوفة” على المرأة النحيفة تسري في مجتمعنا اليوم..
المشكلة نفسية
“عندما أشعر بالوحدة والملل أتجه لا شعوريا نحو المطبخ، أفتح البراد وأبدا بتناول الطعام على شتى أنواعه دون وعي، حتى أنني لا أستخدم الصحن والملعقة، أشرع باب البراد وأبدأ بالأكل بيدي. وفي كل ليلة تجرني رجلاي الى المطبخ، وبعد ان أنتهي من التهام الطعام، أشعر بالبؤس والحزن على حالي”. هذا حال لُبنى، 23 عاماً، وتعيش في ديربورن. تشكو من وزنها الزائد 50 باوندا عن المعدل الطبيعي الذي يجب أن تكون عليه. وتقول: “لجأت الى الحمية الغذائية مراراً ولكن النتائج دائماً كانت خسارة الوزن في بداية اتباع الحمية لأعاود اكتسابه بعد فترة زمنية قصيرة”. وتضيف: “المشكلة عندي نفسية وأعرف ذلك.. ولكنني عندما أتجه نحو الطعام بنهم أكون في حالة لاواعية وغير مدركة لما أقترفه..وأكتفي بهذا القدر من الكلام لأن الحديث عن مشكلتي يسبب لي حزنا شديدا”.
الضغط النفسي والوراثة، ولكن!
تعتبر ناديا عبد الرضا عكنان، الحائزة على شهادة جامعية في علم النفس وأخصائية التغذية في مركز “أل أي لخسارة الوزن” أن الاجهاد والتوتر والضغوط الحياتية اليومية قد تكون من العوامل الأساسية التي تؤدي الى زيادة الوزن وبالتالي الى البدانة. كما أن العامل الوراثي يلعب دوراً أساسياً، الا أن السبب الحقيقي هو اعتماد نظم وعادات غذائية سيئة.
وتتراوح أعمار حالات البدانة التي تعاينها عكنان بين سن الثامنة وحتى الستين من الرجال والنساء. وتقول: “الأسباب مختلفة، فمعظم الحالات وخصوصاً عند الأطفال والأشخاص الذين يتخطون سن الخامسة والثلاثين هي حالات مرضية تستدعي اللجوء لأخصائي التغذية”. وتضيف: “يلعب النمط الغذائي اليومي الذي يتبعه الناس دورا كبيرا في تحديد مدى صحة بنيتهم الجسمية. فتناول الوجبات السريعة بصورة دائمة تؤدي الى البدانة وبالتالي تعرض صحة الانسان للخطر. وذلك لأن وجبات الطعام السريعة تحتوي على سعرات حرارية ونسبة دهون وملوحات عالية جداً بينما تفتقر الى الفيتامينات والمواد المفيدة للجسم”.
من ناحية أخرى، تشير عكنان الى أن طبيعة الجسم من حيث قدرته على حرق المأكولات (الميتابوليزم) تختلف من جسم الى آخر. ويسود الاعتقاد أن “الميتابوليزم” هو السبب الأساسي في مشكلة البدانة الا أن ذلك غير صحيح. لأن الجسم تماماً كالسيارة والوقود هو كالطعام، فاعتماد وجبات غذائية محدودة خلال النهار أي كل ثلاث الى أربع ساعات يجعل من قدرة حرق المأكولات أسرع بعكس ما يظن 90 بالمئة من الناس. وتقول: “أن الحرمان من الأكل كل النهار والاعتماد على وجبة أساسية واحدة لا يؤدي الى خسارة الوزن بل على العكس يؤدي الى الكسل في قدرة الجسم على حرق المأكولات بصورة طبيعية وهي من الأسباب الرئيسية للشعور بالجوع في وقت متأخر من الليل وبالتالي التوجه نحو الطعام في وقت متأخر”.
“فشة خلق”
عانى محمد، 36 عاما ويعيش في ديربورن هايتس، من البدانة لمدة عشر سنوات. منذ سنتين قرر الالتزام بنظام غذائي صحي واتبع الرياضة شبه اليومية بعد أن أصبحت حياته مهددة بخطر الوفاة بسبب ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكولسترول وارتفاع نسبة الدهون لتصل الى معدلات قياسية.. يقول محمد: “أشعر اليوم أنني انسان جديد بعد خسارة 78 باوندا واعتماد نمط حياة صحي قائم على اعتماد كميات صغيرة من الطعام خلال النهار وممارسة الرياضة”. ويضيف: “تخونني ذاكرتي عندما أحاول أن أتذكر كيف فقدت السيطرة على نفسي وبدأت بزيادة الوزن، ولكنني أعرف أن الأكل بالنسبة لي كان “فشة خلق” ولم تهمني صحتي، ولم أعرف معنى الشبع والاكتفاء من الطعام الى أن وصل الأمر الى خطر الوفاة.. فتوقفت”. يستذكر محمد تلك الأيام وكأنها أحداث منفصلة عنه ويؤكد أنه لن يعود الى تللك المرحلة من حياته، ويقول: “أشعر اليوم بالصحة والنشاط الدائم بعد أن كنت أجد صعوبة في ممارسة أبسط التفاصيل الحياتية كالجلوس على كرسي دون القلق من أنه سينكسر تحتي. وكنت أتأمل نظرات الناس لي وتطن في أذني كلمة “حرام” وغيرها الكثير من الكلمات الجارحة. أما اليوم، هذه المرحلة السوداء أصبحت في طيات الذاكرة وأتمتع بصحة جيدة وأراقب نوعية وكمية أكلي.. وأقول لكل من يعيش معاناة البدانة أن المسألة تحتاج الى قرار ثم الالتزام بالقرار..”.
هل النحافة مجرد حملة دعائية؟
تقول عكنان: “هنالك نوع من التسويق بالطبع الا ان الغاية الأساسية هي صحية 100 بالمئة، لأن البدانة مشكلة مرضية حقيقية والسبب الثاني للوفيات في العالم وتؤدي الى مخاطر صحية منها زيادة نسبة الكولسترول وارتفاع ضغط الدم وغيرها من المشاكل التي قد تسبب الجلطات ومشاكل القلب..”.
وتضيف: “يلجأ البعض الى أدوية التنحيف التي قد تعطي نتائج ايجابية في البداية الا ان تظهر العوارض الجانبية السلبية منها ارتفاع ضغط الدم وضغط القلب”. وتعتمد عكنان سياسة خاصة مع مرضاها فأول سؤال تطرحه عليهم هو: “كيف حدث هذا الوزن الزائد؟ فيكون جوابهم، عن طريق الأكل الزائد والنوعية السيئة من الغذاء. فبالتالي علاج المشكلة يكون باتباع نظام غذائي أساسه الكمية والنوعية. وتؤكد عكنان على أن الرياضة أساسية لأنها تساعد على الراحة النفسية وتقوي ضغط الدم وتساعد على تنظيم الدورة التنفسية. ولحرق الدهون يجب أن تكون الرياضة 45 دقيقة وما فوق وذلك لأن حرق الدهون يبدأ بعد 35 دقيقة من الرياضة. وتنصح عكنان برياضة “الكارديو” و”الزومبا” والمشي وتنصح بتفادي رياضة بناء العضلات لانها تستبدل الدهون بالعضل.
حياة.. ولدت من جديد
بالنظر الى حياة، 45 عاماً، لا يمكن أن تعرف انها منذ أربع سنوات كانت تزن 205 باوندات. وتتباهى بما وصلت اليه من صحة ونحافة جسدية اليوم وتقول: “كانت أصعب مرحلة في حياتي عندما كنت بدينة وبدأت المشكلة بعد معاناتي من الاحباط الذي جعلني أفقد السيطرة على نفسي ولا أهتم لما يدخل فمي. الى ان وصلت الحالة لتصبح مرضية ولم أعرف كيفية التوقف عن الأكل حتى أصبت بذبحة قلبية نقلت على اثرها الى المستشفى وخضعت لعملية قلب مفتوح. وهنا بدأ العد العكسي واتبعت نظاماً غذائياً صحياً وأدخلت الرياضة الى عاداتي اليومية وفي غضون سنتين خسرت 50 باونداً واليوم أحافظ على رشاقتي وأشعر أنني ولدت من جديد”.
طبيعي أفضل
نجد في هذه الايام الكثير من مأكولات الحمية الغذائية في السوبرماركت والمحال التجارية، ويتجه الكثير من الناس الى شراء هذه المأكولات والتي في معظمها تحتوي على مواد بديلة للسكر الطبيعي والمكونات الغذائية الطبيعة. تعتبر عكنان أن كل ما هو طبيعي هو أفضل، فالأطعمة التي تحتوي على بدائل للسكر والمواد الطبيعية مضرة للجسم على المدى البعيد. وقد أجريت دراسة حديثة على المشروبات الغازية، حيث تم وضع عظمة في كوب من المشروب الغذائي وبعد 47 ساعة تفحصوا الكوب ليجدوا أن العظمة اختفت نهائياً. فالمشروبات الغازية تؤدي الى هشاشة العظام ولها آثار سلبية أخرى على الجسم بغض النظر اذا كانت “دايت” أو عادية.
وعن النظام الغذائي الذي تعتمده عكنان مع مرضاها تقول: “الأساس هو تقسيم وجبات طعام صغيرة على ساعات النهار وشرب ليترين من الماء يومياً واعتماد الرياضة، وهذا النظام الصحي اليومي كفيل بخسارة باوندين في الأسبوع الواحد والحفاظ على سلامة صحية وعافية بدنية”. وتشير عكنان الى أن المطبخ الشرق أوسطي يعتبر من أكثر المطابخ صحية لأنه يتوزع على تشكيلة من الخضار والحمص والبروتينات، كما أن استخدام الثوم في الطعام له فوائد عديدة لأنه يخفض الكولسترول في الدم..
يصح القول “قل لي ماذا تأكل أقل لك من أنت” لأن في اختيار الوجبات الغذائية الصحية والاهتمام بالصحة البدنية وعي وارادة على الحياة بسلامة وعافية. فلا شك أن البدانة اليوم هي مرض العصر وآفة المجتمعات. ويمكن لكل انسان دون استثناء مراقبة نظامه الغذائي وادخال المأكولات الصحية على عاداته اليومية، والقضية ليست مسألة شكل خارجي أو مظهر حسن بل تتعلق بشكل أساسي بتفادي الأمراض وتعريض حياتنا لخطر الوفاة.
Leave a Reply