انقسام بين اليهود الأميركيين حول تضمين انتقاد إسرائيل
واشنطن – بينما يستعد البيت الأبيض لإطلاق استراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية خلال الأسابيع المقبلة، تتسع الخلافات في الأوساط اليهودية في الولايات المتحدة حول كيفية تعريف الوثائق لهذا المصطلح الذي مايزال معناه «ضبابياً»، بحسب موقع «جويش إنسايدر».
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أوضح خلال حفل الاستقبال الذي استضافه بالبيت الأبيض يوم الثلاثاء 16 أيار (مايو) الجاري، بمناسبة «شهر التراث اليهودي الأميركي» بأن الاستراتيجية المرتقبة ستتضمن أكثر من 200 خطة وتوصية سياسية لمكافحة معاداة السامية، مع الإشارة إلى أن فريق عمل البيت الأبيض الذي يعمل على المشروع لم يقرر –بعد– كيفية تعريف معاداة السامية.
ويحتفل اليهود الأميركيون بـ«شهر التراث اليهودي الأميركي» في شهر أيار (مايو) سنوياً، وتم الاعتراف به رسمياً من قبل الحكومة الفدرالية في عام 2006.
ويتركز الخلاف حول ما إذا كانت الاستراتيجية الجديدة ستتبنى مقترح «التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكست» IHRA لتعريف معنى «معاداة السامية»، والذي يدرج انتقاد السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين تحت عنوان: معاداة السامية، وهو ما يتم استخدامه بالفعل في مفاصل متعددة ضمن الحكومة الأميركية، حيث أكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن في خطاب أرسله عام 2021 إلى «الحركة الصهيونية الأميركية» بأن «إدارة بايدن تتبنى بحماس تعريف IHRA لمعاداة السامية، بما في ذلك القائمة الكاملة للأمثلة».
لكن إدارة الرئيس بايدن تواجه ضغوطاً من القوى اليهودية التقدمية التي ترفض إدراج انتقاد إسرائيل في إطار معاداة السامية، نظراً لأن ذلك لن يترك سوى هامشاً ضيّقاً لانتقاد دولة إسرائيل، عدا عن أنه يخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.
وأشار موقع «جويش إنسايدر» إلى أن مصدراً مطلعاً على العملية قال إن الجماعات اليهودية الرئيسية (ماينستريم) دعت إلى إدراج تعريف IHRA في الاستراتيجية المرتقبة للبيت الأبيض، بينما حثت المجموعات اليهودية التقدمية على استبعاده. وبموازاة ذلك، قدّم أكاديميون ونشطاء آخرون اقتراحاً بديلاً لتعريف معاداة السامية، ما دفع البيت الأبيض إلى النظر في استبعاد تعريف IHRA، لكن مايزال من غير الواضح ما الذي ستتضمنه المسودة النهائية للاستراتيجية الجديدة.
وتم الكشف عن أن البيت الأبيض تشاور بالفعل مع المنظمات اليهودية لمعرفة ردود أفعالهم على إدراج أو استبعاد تعريف IHRA لمفهوم معاداة السامية، مع الإشارة إلى أن بعض المجموعات اليهودية أكدت للبيت الأبيض بأنها ستقبل تأجيل إصدار الاستراتيجية، للعمل على تسوية هذه الخلافات، إذا لزم الأمر.
وكان البيت الأبيض يعمل على نشر الاستراتيجية بحلول نهاية الشهر الجاري، قبل مغادرة مديرة مجلس السياسة الداخلية سوزان رايس التي تقود استراتيجية مكافحة معاداة السامية، والتي تشرف على صياغة وتنفيذ أجندة السياسة الداخلية للرئيس بايدن. وقال مصدر مطلع على العملية بأن أحد الاحتمالات المطروحة على الطاولة هو أن تلحظ الاستراتيجية المرتقبة إلى تعريف IHRA من دون تبنّيه أو اعتماده رسمياً.
وقال بايدن خلال حفل الاستقبال بمناسبة «شهر التراث اليهودي الأميركي» –الثلاثاء 16 مايو – إن الاستراتيجية التي يجري إعدادها لمكافحة معاداة السامية هي «أكثر الجهود طموحاً وشمولية في تاريخنا لمكافحة معاداة السامية في أميركا».
الاستراتيجية التي تضمنت ما يربو على 200 خطة وتوصية لمواجهة معاداة السامية، لفتت إلى أن «جهود البيت الأبيض لإعداد التقرير تضمنت محادثات مع أكثر من ألف شخصية يهودية أميركية من خلفيات متنوعة ومن جميع الطوائف»، كما سلطت الضوء على الركائز الأربع للاستراتيجية المرتقبة، وهي: زيادة الوعي وفهم معاداة السامية والتراث اليهودي في أميركا، الحفاظ على أمن المجتمعات اليهودية، مكافحة تطبيع معاداة السامية وبناء تحالفات لمحاربة الكراهية.
وأضاف بايدن: «بينما نعمل معاً لتنفيذ هذا التقرير، فإننا نرسل رسالة واضحة وقوية»، مفادها: «في أميركا، لن ينتصر الشر، ولن تسود الكراهية، إن سموم وعنف معاداة السامية لن يكون قصة عصرنا».
وفي 24 نيسان (أبريل) المنصرم، طالب أكثر من مئة منظمة إسرائيلية ودولية، من منظمات المجتمع المدني، الأمم المتحدة برفض التعريف المثير للجدل، الذي يتبناه «التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكست»، مؤكدة بأنه «سيُساء استخدامه» لحماية إسرائيل من النقد المشروع.
وشملت قائمة المنظمات كلاً من منظمة «بتسليم»، وهي أكبر منظمة لحقوق الإنسان في إسرائيل، و«هيومن رايتس ووتش«، و«منظمة العفو الدولية»، و«الاتحاد الأميركي للحريات المدنية»، إلى جانب العديد من منظمات المجتمع المدني الإسرائيلية والفلسطينية.
وقدمت تلك المنظمات عريضة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قالت فيها إنه يجب على المنظمة الأممية أن تقاوم الضغوط الإسرائيلية لتبني تعريف معاداة السامية، الذي تقرّه –عملياً– وزارة الخارجية الأميركية والعديد من الحكومات الأوروبية، بما في ذلك بريطانيا وألمانيا، إضافة إلى هيئات الاتحاد الأوروبي.
وغالباً ما يتم تأطير التعريف المعتمد من قبل الحكومات والمؤسسات كخطوة أساسية في الجهود المبذولة لمكافحة معاداة السامية، حيث يتم بالفعل وصف انتقادات إسرائيل بأنها «معاداة للسامية» بما ينسجم مع التعريف الذي يعتمده «التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكست»، وهو ما يسفر عن قمع الاحتجاجات السلمية والأنشطة والخطابات المنتقدة لإسرائيل أو الصهيونية في الولايات المتحدة وأوروبا.
وأبدى الموقّعون على العريضة، قلقهم حيال تبنى الأمم المتحدة رسمياً لتعريف التحالف، قائلين إنه في حال تبنى غوتيريش لتعريف IHRA، فسوف يتم استخدامه لكبح انتقادات الأمم المتحدة للسياسات الإسرائيلية، بما في ذلك، المقررات الخاصة حول حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأشارت العريضة إلى أن تعريف IHRA تعرّض لانتقادات واسعة من قبل الكثيرين، بمن فيهم كين ستيرن، خبير معاداة السامية لدى «اللجنة اليهودية الأميركية»، والذي قاد عملية صياغة التعريف قبل عقدين من الزمن. وكان ستيرن قد نجح في بداية هذا العام بحثّ «نقابة المحامين الأميركيين» على عدم تبني الاستراتيجية المرتقبة لتبني التعريف الذي اُستخدم في الماضي لوصم أي شخص يعارض السياسات الإسرائيلية بأنه معادٍ للسامية.
Leave a Reply