السعودية ترفض ان يصيب «السنّة» فـي لبنان ما اصابهم فـي العراق
معارك سعدنايل وطرابلس كشفت عن تقدم السلفيين على حساب «تيار المستقبل»
كلما حصل تأخير في تشكيل الحكومة، يقابله انفجار امني يتنقل بين منطقة واخرى، ما يزيد من تعقيد الازمة السياسية، ويهدد اتفاق الدوحة بالسقوط، الذي توقف عند بند انتخاب رئيس للجمهورية، وتعثر في البنود الاخرى، لا سيما ما يتعلق بتشكيل الحكومة، اضافة الى عدم الالتزام ببند عدم اللجوء الى السلاح واستخدام العنف.
فالاشتباكات التي دارت في طرابلس، وقبلها في سعدنايل وتعلبايا، بين الموالاة والمعارضة والتي كادت ان تتحول الى صراع مذهبي بأبعاد سياسية، مؤشر سلبي الى ان حل الازمة اللبنانية مؤجل، الى فترة بعيدة، قد تطول الى اشهر، بسبب دخول اميركي-سعودي على خط عدم تسهيل تنفيذ اتفاق الدوحة، لأسباب لها بصراع النفوذ الاقليمي في المنطقة، بحيث لم تهضم القيادة السعودية، خسارة لبنان لحساب وجود مؤثر لحلفاء سوريا وايران، وتراجع دور حلفائها، بعد ان تأمن الحضور الايراني في العراق وفلسطين.
وتم الربط بين اندلاع الاشتباكات وتشكيل الحكومة، وان السعودية شجعت حلفاء لها وتحديداً «تيار المستقبل»، اضافة الى بعض الجماعات الاسلامية السلفية المرتبطة بها للتحرك ميدانياً على الارض وتسجيل انتصارات على المعارضة، وكبح جماحها، ومنعها من تحقيق اهدافها عبر الامساك بقرار الحكومة، ومن ثم الفوز في اغلبية مجلس النواب في الانتخابات النيابية العام المقبل.
وبات التباطؤ في ولادة الحكومة كما اتفق عليها في الدوحة، مرتبطاً بما ستؤول اليه الاوضاع العسكرية على الارض، ولمن ستكون الغلبة في المواجهات، لاعادة التوازن الذي اختل بعد احداث بيروت والجبل، والتي تمكنت المعارضة من ان تحسم الوضع عسكرياً وتمسك بالأرض وتفرض حلاً سياسياً يأخذ بشروطها، لجهة انتخاب مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية لها فيها الثلث الضامن، واقرار قانون انتخاب على اساس قانون العام 1960 مع بعض التعديلات، الا ان ما اعتبرته المعارضة انجازاً انقلبت عليه الموالاة، فلم توافق على عقد جلسة فوراً بعد انتخاب رئيس للجمهورية للتصويت على قانون الانتخاب المتفق عليه، كما انها لم تلتزم ايضاً بتوزيع الحقائب السيادية، فأعطت رئيس الجمهورية حقيبتي الداخلية والدفاع، وصنفت الوزير الياس المر من حصة الرئيس سليمان، وهو المعروف انه اصبح في الموقع القريب من قوى 41 شباط.
وتعترف المعارضة انها اخطأت عندما لم تأخذ بالفكرة التي اقترحها العماد ميشال عون، بأن يكون رئيس الحكومة توافقياً، وان عودة السنيورة، كانت بمثابة نكسة لها، واعتبرت وزيرة الخارجية الاميركية بقاءه في السراي انتصاراً لأميركا وحلفائها في لبنان، وانه هو الوحيد الذي يستطيع ان يصمد بوجه المعارضة ولا يقدم لها تنازلات، وهذا ما اثبته منذ تكليفه لتشكيل الحكومة، اذ لم يقدم اي صيغة، تضمن للمعارضة حقوقها، لا بل كل ما فعله انه حاول ايقاع الخلاف تارة بين العمادين سليمان وعون، وتارة بين عون وحلفائه في المعارضة التي التقى اركانها على التضامن مع رئيس «التيار الوطني الحر» في وجه الحملة عليه، لاحراجه واخراجه من الحكومة على غرار ما حصل اثناء تشكيل الحكومة صيف 2005، وقد تنبه عون لذلك واكد انه لن يقبل يإقصائه عن الحكومة، حيث يعمل «مسيحيو السلطة» على ذلك، لمنعه من الحصول على حقائب سيادية او خدماتية، قد تساعده في الانتخابات النيابية، كما يقولون ويزعمون، لانهم يخشون خسارتهم في الانتخابات النيابية التي باتت محصورة بأصوات المسيحيين، ولم يعد بإستطاعة هؤلاء ان يفوزوا بأصوات المسلمين كما في قانون العام 2000.
لذلك لم يقدم السنيورة افكاراً او اقتراحات للخروج من ازمة تشكيل الحكومة، وبقي على السلتين التي تضم 12 حقيبة للموالاة مع 3 حقائب وزراء دولة، و8 حقائب للمعارضة مع 3 حقائب وزراء دولة، وحقيبتان لرئيس الجمهورية (الداخلية والدفاع مع وزير الياس المر) وحقيبة وزير دولة، واقترح حقيبة سيادية لكل من المعارضة والموالاة ولا مانع لديه من ان تكون المالية للمعارضة على ان تتفق فيما بينها.
ولم يتراجع الرئيس المكلف، عن هذه التشكيلة، بالرغم من ان الرئيس بري فتح باباً للخروج من العقد، بأن تصنف وزارتي الاتصالات والعدل سياديتان، فيصبح عدد الحقائب ستة بدلاً من اربعة وتوزع مثالثة، بمعدل حقيبتين لكل طرف، لكن السنيورة رفض هذا التصنيف، واكد ان العرف الدستوري تحدث عن اربع حقائب سيادية، ولا يمكن القفز فوقه، لان ثمة اقتراحاً كانت المعارضة تقدمت به، وهو ان يعطى «التيار الوطني الحر» مقعد نائب رئيس الحكومة للواء عصام ابو جمرا ووزارة الاتصالات، لكن السنيورة وفريقه رفضوا هذا العرض، وهكذا تعطلت كل الحلول، وطلب من قوى 41 شباط، المماطلة في تشكيل الحكومة الى ما بعد منتصف تموز، ريثما تنجلي صورة الوضع في المنطقة على ضوء التطورات المتلاحقة، التي تبدأ من المفاوضات السورية-الاسرائيلية، الى اقتراح وضع مزارع شبعا تحت وصاية الامم المتحدة، الى اطلاق الاسرى اللبنانيين في السجون الاسرائيلية وعلى رأسهم سمير القنطار، اضافة الى التهدئة التي اعلنت في غزة عبر مصر بين اسرائيل وحركة «حماس»، ثم البرنامج النووي السلمي الايراني، وسلة الحوافز التي قدمت لطهران من الدول الكبرى، والتي ترافقت مع ارتفاع التهديدات الاسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية.
كل هذه الوقائع، تنتظرها الادارة الاميركية ومعها حلفائها العرب واللبنانيين، الذين يربطون حل الازمة بها، بعكس ما رسمه اتفاق الدوحة الذي سعى الى عزل الازمة اللبنانية عن تطورات المنطقة، ووضع خارطة طريق للحل، فأقيم حاجز امامه في تشكيل الحكومة، التي يريدها الموالون على قياسهم، ويطالبون الرئيسين سليمان والسنيورة اعلانها حتى لو لم يقبلها عون، الى ان هذه المحاولة التي يسعى اليها سمير جعجع، اصطدمت بان رئيس الجمهورية لا يقبل ان يبدأ رئاسته التوافقية بصدام مع فريق كبير من اللبنانيين، او ان تضعه الموالاة في هذا الموقع، حيث تبلغ من كل اطراف المعارضة، انهم لا يتنازلون عن ما نص عليه اتفاق الدوحة وهو 11 مقعداً للمعارضة وعون من ضمنها، وقطعوا بذلك الطريق امام اضعاف رئيس «تكل الاصلاح والتغيير»، حيث حذر الرئيس بري من ذلك، واعلن «حزب الله» تضامنه معه، وابلغ الوزير سليمان فرنجية رئيس الجمهورية ان تمثيل عون في الحكومة شرط اساسي لتشكيلها.
وهكذا تمضي الايام والاسابيع، والحكومة لم تولد بعد، مما دفع ببعض القوى السياسية المعارضة، للطلب من السنيورة الاعتذار، لان فترة السماح السياسية والشعبية قد انقضت، وان كان الدستور لا يلزمه بمهلة محددة للتأليف، لكن ثمة سوابق قدم فيها رؤساء حكومات كلفوا بتشكيلها اعتذارهم وتمت تسمية شخصيات اخرى، الا ان قرار السنيورة ليس ملكه، بل ان اعادة تكليفه من قبل الاغلبية النيابية جاء بناء لقرار اميركي وهذا ما افصحت عنه رايس اثناء زيارتها الى لبنان، ورفض السعودية ان يتولى سعد الحريري رئاسة الحكومة، لانه عديم الخبرة.
والاصرار الاميركي- السعودي على استمرار السنيورة في منصبه وعدم تسهيل تشكيل الحكومة، يكشف عن ان الطرفين لن يتركا لبنان، يقع في قبضة سوريا وايران، وان التصريحات التي صدرت عن مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني عن ان «حزب الله» «ارهابي»، وهو التوصيف الاميركي والاسرائيلي له، ولم تصل اليه اوروبا، يشير الى ان الازمة مفتوحة على كل الاحتمالات، وان التفجيرات الامنية، تدخل في سياق التحريض المذهبي، الذي وصل الى حد قول مفتي البقاع الشيخ خليل الميس من انهم سيمنعون «حزب الله» من اقامة «الهلال الشيعي» الذي يمتد من ايران الى لبنان، وهو ما سبق واعلنه ايضاً العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، وايضاً الرئيس المصري حسني مبارك، وقد ترافق ذلك مع دعوة جماعات وحركات اسلامية اصولية وسلفية في الشمال الى انشاء «المقاومة السنية» ضد «الخطر الشيعي» الذي يهدد «الوجود السني» في لبنان، متذرعين بما حدث في بيروت في اوائل ايار الماضي، عندما تحركت المعارضة ضد قرار الحكومة حول شبكة اتصالات للمقاومة، وقد تم تكبير هذا التحرك ووصفوه بـ«الغزوة» و«الاجتياح»، وهو لم يخرج عن الاطار المرسوم له، اي اسكات اطلاق النار الذي استهدف التظاهرة التي كان الاتحاد العمالي العام ينوي القيام بها في كورنيش المزرعة ضد الغلاء وارتفاع الاسعار، ثم ازالة البؤر الامنية التي كانت توتر الوضع في احياء بيروت لخلق صراع مذهبي سني- شيعي، فحسمت المعارضة الوضع ميدانياً، ومنعت اشعال الفتنة، وسلمت الامن الى الجيش، ونعمت بيروت بالسلام ولم يحصل فيها اي اعتداء، بعد اقفال المكاتب المسلحة للموالاة وتحديداً «تيار المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، وترحيل المسلحين الغرباء الذين استقدموا الى العاصمة من الشمال والبقاع.
وكشفت المعلومات عن ان بعض الدول العربية وتحديداً السعودية ارسلت الى لبنان موفدين امنيين، لتنظيم الحالة السنية، بعد ان تبين لها فشل سعد الحريري في ذلك، واتصلت بجمعيات تقدم لها الدعم تحت عناوين دينية وخيرية للتحرك على الارض من اجل مواجهة خطر «التمدد الشيعي» والامساك بالسلطة في لبنان، كي لا يصيب السنة في لبنان ما اصاب اخوتهم في العراق، حيث ظهرت على الارض في طرابلس وسعدنايل وتعلبايا جماعات اصولية، قامت هي بالمواجهات مع اهالي هذه المناطق وتحديدا في بعل محسن التي تسكنها اغلبية علوية، حيث سبق للجماعات السلفية ان خاضت معارك ضدها من باب التبانة ذات الكثافة السنية، في الثمانينات، بعد ان حوّلت عاصمة لبنان الثانية الى «امارات اسلامية»، انتهت بالحسم العسكري ضدها والغتها الاحزاب الوطنية بمساعدة الجيش السوري، وان السلفيين يعيدون تكرار تجربة الثمانينات، وقد بدأت الدعوة الى اقامة «امارة اسلامية» في الشمال تخرج الى العلن مع رسائل ايمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» وشاكر العبسي رئيس حركة «فتح الاسلام»، وقد هدد سعد الحريري المعارضة، بانها اذا لم تقبل بشروط الموالاة، فما عليها الا ان تتحاور مع «الاسلاميين الاصوليين» وغمز من قناة «حزب الله» انه سيصيبه ما يصيب التنظيمات الشيعية في العراق على ايدي التظيمات الاصولية، لكن القنبلة التي يهدد بها رئيس «تيار المستقبل» ستنفجر به اولاً كما تقول المعارضة، لان رسالة الظواهري كانت واضحة انه سيقاتل ليس الشيعة فقط، بل حلفاء اميركا ايضاً وعلى رأسهم السنيورة، وهو ما اشار اليه العبسي في رسالته الصوتية ايضاً.
وما اعلنه الحريري عن وجود «القاعدة» في لبنان، والتهديد بها، يكشف عن ان عناصرها وصلوا بعلمه وبغض نظر من الاجهزة الامنية، وانه يتكىء بذلك على ان بعض التنظيمات الاصولية في العراق تلقى دعماً سعودياً وخليجياً.
كما يحاول الحريري استغلال الواقع المذهبي، وهو اعترف اثناء احداث بيروت ان الصراع سني-شيعي، للاستفادة منه في الانتخابات النيابية المقبلة، تحت عنوان «اهل السنّة الضحية»، مثلما تم استغلال دم الرئيس رفيق الحريري في اخراج السوريين من لبنان، والفوز باغلبية نيابية، وان المشهد الذي يسعى الحريري الى تكراره هو من خلال التصويب على «حزب الله» على انه خطر على الوجود السني.
ولقد تنبه «حزب الله» الى ذلك، وفتحت قيادته حواراً مع تنظيمات سلفية، التقت معها على ان المعركة هي ضد اميركا واسرائيل، ولم تنفع المحاولات السعودية في تحويل الصراع من سياسي الى مذهبي.
Leave a Reply