تقول الحكاية إن جحا أضاع حصانه العربي الأصيل فأقسم غاضبا منفعلا أن يبيعه إن وجده بدينار واحد. ثم وجده بعد فترة قصيرة فندم جحا على يمينه، ولكنه لم يشأ أن يحنث بقسمه، فأخذ يفكر بطريقته “الجحوية” في كيفية الاحتيال على اليمين، إذ كيف يمكن له أن يبرّ بقسمه دون أن يفقد الحصان.
وبعد تفكير طويل تفتّق ذهنه عن فكرة “جحوية” راقت له وقرر تنفيذها في الحال، فقام بعرض الحصان في السوق وقد علّق في رقبته حذاء باليا، وجعل ينادي بأعلى صوته: الحصان بدينار واحد، والحذاء بخمسين دينار، والحصان والحذاء صفقة واحدة.
هذه القصة تذكرني دائما بحوادث مشابهة تختلف في التفاصيل رغم تطابقها مع “النظرية الجحوية” حيث “القيمة في التابع لا في المتبوع”.
وهذه النظرية طبّقها الغرب في معاملاته السياسية والاقتصادية مع الآخرين، والعالم العربي خصوصا. فقد كان الرحالة الأوروبيون في القرون الماضية يقطعون الفيافي والمسافات الطوال ليأتوا إلى الشرق، فيمكثوا عدة سنين، يكتشفون ويتعلمون ويتعرفون، ثم يعودون إلى بلادهم ليكتبوا انطباعاتهم عن هذا الشرق العجيب!
نعم أيها القارئ العزيز، هذا الشرق العجيب الذي أنعمت الأقدار على أكثر دويلاته وإماراته بثروات من الذهب الأسود من حيث لا يحتسب ولا يدري، فطغى ملوك الأعراب وأمراؤهم عندما اغتنوا، وأعماهم حب المال والثروات فاتبعوا الملذات والشهوات. وكان الغرب لهم بالمرصاد، وكانت إسرائيل الحذاء البالي الذي علقه الغرب في ذيل الحصان العربي الذي أضاعه صاحبه وأقسم إن وجده أن يبيعه بثمن بخس وبدراهم معدودات.
وبعد العديد من الحروب والتضحيات والدماء والدمار التي قدمها الناس البسطاء، والناس اللي تحت، وبعد أن تعب وملّ منظرو الحروب وكتبة الافتتاحيات والبلاغات الحربية الكاذبة، الذين حرروا الأرض وأسقطوا مئات الطائرات وأحرقوا آلاف الدبابات، وأضاعوا الحصان العربي كما ضاعت فلسطين والعراق والسودان ومصر والأردن والمهر المدلل لبنان. كانت دائماً النظرية الجحوية هي البوصلة، حيث “القيمة في التابع وليس في المتبوع” وحيث أصبح التابع أغلى، يُخطب وده ويُتقرّب إليه، خصوصا الفئة التي تسمي نفسها “النخبة”.
هذه النخبة من العرب المثقفين أو الجحويين أو الطفيليين، دائما موجودة وجاهزة لإقامة المهرجانات والأفراح والليالي الملاح، وفي كل عرس لها قرص، تبحث دائما عن حصتها. وهي موجودة في الأتراح وفي المصائب التي أصابتنا، إنهم سفراء العالم الجديد، تبريراتهم جاهزة لكل شيء، وهي التبريرات ذاتها ولا يخجلون من تكرارها لتناسب كل المقامات التي ينتقلون بينها بسهولة.
اليوم يقولون لنا لماذا نخاف من الآخر، وبرأيهم كل من لا يهرول ويبوس الحذاء المعلق بذيل الوطن العربي هو متخلف ويعاني من عقدة نقص وليست له الشجاعة للتعرف على ثقافته والاستفادة مما عنده. إنهم الآن ضد التقوقع ومع الانفتاح. الآن أصبحوا رسل الانفتاح وأبطاله ومع تغيير المناهج والطبائع والاهتمام بالتابع . تركوا الحصان يعاني الذل والفقر وسعوا إلى تلميع الحذاء.
أنا لا أفهم ما هو الموجود عند التابع ولا يعرفه أصحاب النظريات النخبوية عندما يركضون وارءه بهدف اكتشافه والاستفادة منه؟
لقد أخذ “التابع” منا الأرض والعرض والقدس وقسّمنا وفرّقنا واستولى على موسيقانا وثقافتنا، حتى الحمص والفلافل والتبولة نسبها إليه ولا زالت النخب العربية يحلمون بالمكاسب والجوائزمن النظام العالمي الجديد، بعد انتهاء مهمتهم ببيع الجمل بما حمل ووضع الحذاء على رؤوسهم تاجا وصولجانا، لدخولهم إلى ذلك العالم البائس الخانع للحذاء. الأساتيذ من تلك الفئة المثقفة، يريدوننا أن نقسم على حب التابع “إسرائيل” قبل الزواج وبعده وممنوع علينا منعا باتا طلاقه أو هجره أو الإساءة إليه بقول أو كلمة أو حتى موقف. ممنوع .. وكل شيء في يد التابع، أما المتبوع فمخصي، طرطور، روح..روح، تعا..تعا. يعني حصان أونطة مصيره مربوط بحذاء جامح.
ومن ناحية أخرى، نسمع بين الحين والآخر أن دولة غربية وخاصة اليونايتد ستايت أوف أميركا، قررت تقديم مساعدة أو قرض اقتصادي لبلد من المتبوعين الذين ذلوا بعد عز، فيصيبه الخجل وينعقد لسانه حياء ولا يتمكن من التعبير عن مكنون مشاعر الشكر والامتنان تجاه ذلك الكرم الحاتمي من قبل “العم سام”.
إلا أنه وبعد فترة من الزمن، تتكشف الأمور، وتتضح معالم الصورة، فيكتشف البلد المخدوع أن العم سام الكبير، قد قدم له ذلك القرض وقد علق في رقبته حذاء جحا، على شكل شروط لا يعلم تبعاتها إلا الراسخون في الزعبرة والسمسرة من “النخبة” أصحاب النظرية الجحوية حيث القيمة في التابع لا في المتبوع!
مؤلم أن تكون الفكاهة بلاء من الأقدار علينا والأكثر إيلاما أننا نسمعها ولا نفهمها إلا متأخرا!
Leave a Reply