أسبوع جديد مر من عمر الأزمة السورية، دون تحقيق خرق في مسارها. فالتفاؤل النسبي الذي سبق مؤتمر جنيف سرعان ما تبخر بسبب الخلافات الروسية-الأميركية ليتأكد أن التوافق الدولي حول الخروج من الأزمة السورية لا يزال بعيد المنال مع تمسك الغرب بضرورة تنحي الرئيس بشار الأسد، وهو أمر ترفضه موسكو تحت وطأة الضغط الخارجي، معلنة أن مصير الرئاسة السورية أمر يحدده الشعب السوري.
وثيقة جنيف ولدت ميتة
أدخل “مؤتمر جنيف” الأزمة السورية في متاهة جديدة، بعدما أصدر وثيقة ملتبسة اختلف الاميركيون والروس في تفسيرها. وفي حين أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن اجتماع جنيف “يمهّد الطريق لمرحلة ما بعد الأسد”، شدّد نظيرها الروسي سيرغي لافروف على أن النقطة الرئيسية هي أن الاتفاق لم يحاول فرض عملية انتقال على سوريا.
وقال لافروف في مؤتمر صحافي في موسكو “للأسف بدأ بعض ممثلي المعارضة السورية يقولون ان اتفاق جنيف غير مقبول بالنسبة اليهم، وفي موازاة ذلك بدأ بعض المشاركين الغربيين في اجتماع جنيف يحرفون في تصريحاتهم العلنية التسويات التي توصلنا اليها”. وأضاف لافروف أن “تأويل هذه التسويات لا يفيد في شيء”، فهي “تتفق تماما مع ما جاء في البيان (الختامي) ويجب أن نحافظ على ذلك”.
كما أكد سيرغي ريابكوف نائب وزير خارجية روسيا، إن موسكو لا تتباحث مع واشنطن حول مستقبل الرئيس الأسد. وقال ريابكوف لوكالة “انترفاكس” معلقاً على ما نشرته وسائل إعلام حول سعي الغرب إلى إقناع روسيا بمنح لجوء سياسي للرئيس السوري: “لا نناقش مع الولايات المتحدة الأمريكية مسألة مستقبل الرئيس السوري”.
ومن جهتها أفادت وكالة “سانا” السورية الرسمية يوم الأربعاء الماضي بأن دمشق ترحب بصدور البيان الختامي عن اجتماع جنيف. ونقلت الوكالة عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية قوله إن سوريا ترحب بالبيان الختامي الذي ولاسيما النقاط الجوهرية التي تحدثت عن الالتزام بسيادة واستقلال وسلامة ووحدة الأراضي السورية ووضع حد للعنف ولانتهاكات حقوق الإنسان ونزع سلاح المجموعات المسلحة وعدم عسكرة الوضع في البلاد وحماية المدنيين وإطلاق عملية سياسية يقودها السوريون.
وكرر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس من جهته القول إن المرحلة الانتقالية السياسية كما طرحت في اتفاق جنيف “تستبعد وجود الأسد”. واضاف “يقول النص: إن خيار الذين سيشكلون جزءا (من الحكومة الانتقالية) يفترض أن يكون موضع تفاهم (مشترك)، ما يستبعد بالطبع بشار الأسد. ولا يمكن تصور أن توافق المعارضة على وجوده”.
“أصدقاء سوريا” نحو تأويل “جنيف”
ويسعى ”أصدقاء سوريا” لجعل مؤتمرهم في باريس الذي سيقام في السادس من الجاري (مع صدور هذا العدد) بمثابة “حركة تصحيحية” لمؤتمر جنيف. وسيكون “اتفاق جنيف” محور نقاش المئة دولة ومنظمة في مركز مؤتمرات الخارجية الفرنسية والذي ستغيب عنه روسيا.
وبعد إخفاق الغربيين في الحصول على اتفاق ينص بوضوح على إخراج الرئيس الأسد من السلطة كجزء من العملية الانتقالية، يسعى اجتماع “أصدقاء سوريا” في باريس إلى التعويض عن الإخفاق الدبلوماسي الغربي بتليين تمسك الروس بالنظام السوري، عبر تغيير تفسير النص ذاته. ولكن تجاهل روسيا سيدفع بالراغبين بإسقاط النظام السوري الى دوامة مفرغة.
ويأتي تغيب موسكو وبكين عن مؤتمر “أصدقاء سوريا” للمرة الثالثة بعد أن تناول مؤتمر جنيف الأزمة السورية ولم يظهر خلاله أي نيّة جديّة لدى الدول الغربية بالوصول الى تفاهم دولي حول الازمة في سوريا.
فشل مؤتمر القاهرة
وعلى مستوى جهود توحيد المعارضة السورية، فشل مؤتمر القاهرة الذي دعت اليه “الجامعة العربية” المنخرطة في جهود إسقاط النظام السوري، في تحقيق أي تقدم نحو توحيد صفوف المعارضة، وشهد خلافات حادة بين المشاركين، وصلت الى حد التضارب بالايدي، اثر انسحاب ممثلي الكتلة الكردية، احتجاجا على عدم اعتراف الوثيقة النهائية للمؤتمر بحقوق الكرد السوريين، الأمر الذي يثير شكوكا حول نجاح هذا المؤتمر، رغم اصداره وثيقة “العهد الوطني” التي طالبت بإسقاط الرئيس السوري.
مود سيعيد هيكلة بعثته
وعلى المسار الأممي، أعلن رئيس بعثة المراقبة التابعة للأمم المتحدة في سوريا الجنرال روبرت مود، الأسبوع الماضي، ان البعثة يجب أن تبقى في البلاد، بالرغم من عدم صمود وقف إطلاق النار الذي أرسلت لمراقبته، وبرغم وصول العنف إلى “مستوى لم يسبق له مثيل”. وأضاف انه يجب أن تتم إعادة هيكلة البعثة المكونة من 300 مراقب لتساعد على دعم الحوار السياسي.
ويحدد مجلس الأمن الدولي مصير بعثة المراقبة خلال الأسابيع المقبلة، لكن مود قال إن القوى العالمية يجب أن تستمر في السعي لحل للأزمة بغض النظر عن القرار. وكان مود قد قال في تصريح سابق بأن كلمة الفصل حول عمل بعثته هي لمجلس الامن في 20 الجاري.
الأسد وتركيا
إقليمياً، لم يعد خافياً التدهور الذي تشهده العلاقات التركية-السورية، والذي بلغ أشدّه في أعقاب حادث إسقاط الطائرة التركية، لكن موقف أنقرة ما زال غير واضح تماماً بشأن ما سيكون عليه “الردّ الحاسم” الذي توعد به رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.
ورفعت قيادة القوات المسلحة التركية حجم استنفارها. فأخرجت مقاتلات “أف-16” للتصدي للمروحيات السورية في حال اقترابها من الحدود. وبالتزامن مع هذا الإجراء، تقوم أنقرة في الوقت الراهن بموازنة الخيارات المتاحة لديها لاتخاذ رد حاسم على سوريا، بحسب ما كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية التي سلطت الضوء على بدء تركيا في تعزيز دفاعاتها العسكرية على طول الخط الحدودي (550 ميلا مع سوريا)، فضلا عن وضعها قواعد جديدة للاشتباك على حدودها المشتركة مع سوريا، وسط العمل على إبراز وسائل الإعلام المختلفة لصور القوات والدبابات التركية، ويأتي ذلك قبل تفرغ الجيش السوري للعمليات العسكرية على الحدود الشمالية.
ومن جهته تحدث الرئيس الأسد إلى صحيفة “جمهورييت” التركية بصورة مطولة. وهو الحوار الأول للأسد مع صحيفة تركية، منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا قبل 15 شهرا، علما أن هذا الحوار قد ووجه بضغوطات من حكومة حزب العدالة والتنمية التي ضغطت بصورة غير مباشرة لمنع ثلاثة صحافيين آخرين من المشاركة في الحوار.
وتجرأ أوتكو تشاكير اوزير مدير مكتب “جمهورييت” في أنقرة وذهب إلى دمشق، متحدياً كل الضغوطات التي تحولت إلى محور سجالات حول مدى اتساع مروحة الحريات في تركيا. و”جمهورييت” هي الصحيفة الأكثر دفاعا عن العلمانية في تركيا وإحدى أقدم الصحف التي ارتبط اسمها بإعلان الجمهورية في العام 1923.
حوار الأسد نشرته الصحيفة التركية على ثلاثة أجزاء وتخللته مواقف مهمة، أبرزها إعلان الأسد انه “في ضوء هذا الأساس لن نسمح بتحويل التوتر إلى حرب ساخنة تلحق الضرر بكلا البلدين. هذا مؤذ لتركيا ولسوريا. ونعتقد أن هذا التوجه موجود لدى الحكومة التركية، أما على المستوى الشعبي فإن الشعب التركي واع ولن يسمح كما نحن أن يتجه نحو المواجهة، فالشعب التركي يعلم أن هذه الحكومة تريد أن تجره إلى مواجهة من أجل مصالح خاصة وليس من أجل مصالح وطنية” كما اتهم أردوغان بالطائفية.
وقال الأسد: “لو اسقطنا الطائرة بالخطأ خارج المياه الإقليمية سنقدم اعتذارا رسميا.. لكن هذا لم يحصل”. مؤكداً أنه تم إسقاطها ب مدفع لايصل مداه إلى أكثر من 2.5 كيلومتر..
وشن الأسد هجوماً على رئيس الوزراء التركي وقال “بغض النظر عن سياسات أردوغان التي لم ترسل للشعب السوري سوى الدمار والدماء.. وبغض النظر عن هذه الحكومة التي تتمنى لشعبنا الموت… نحن نتمنى للشعب التركي كل الخير.. وعندما يموت مواطن تركي يعني موت شقيق بالنسبة لنا ونقدم لعائلاتهم كل التعازي”.
واعتبر الأسد أن أردوغان “أظهر خلفيته الطائفية”، وأشار الى أن “أردوغان اليوم يبكي من أجل الشعب السوري بكاء المنافقين”، سائلاً “لماذا لم يبكِ من أجل مَن يُقتلون في بعض دول الخليج وهم أبرياء وسلميّون ولا يحملون السلاح؟.. لماذا لا يتحدث عن الديمقراطية في بعض بلدان الدول الخليجية؟”.
وسأل الأسد أيضاً “لماذا لم يفعل (أردوغان) شيئاً بعد سفينة مرمرة (التركية المتضامنة مع غزة والتي هاجمتها البحرية الإسرائيلية العام الماضي) سوى الصراخ؟.. لماذا يتحدى إسرائيل وفجأة يوافق على وضع الدرع الصاروخي في تركيا؟.. هل وضعها لحماية تركيا من هجوم من بلد معادٍ؟.. هل وضعت أميركا هذه القواعد لكي تحمي أميركا من هذه المنطقة؟.. مَن هو البلد الذي يستطيع أن يهدد أميركا من منطقتنا؟..لا أحد”.
وأجاب على تساؤلاته معتبراً أن أردوغان نصب الدرع الصاروخية في الأراضي التركية لـ”حماية إسرائيل”، مضيفاً أن “هذه الظروف كشفت حقيقة أردوغان لا أكثر ولا أقل، لم يتغيّر أردوغان بل تغيّرت نظرة الناس لأردوغان في المنطقة.. سقط على الساحة العربية لم يعد موجوداً لا هو ولا مصداقيته”.
ميدانيات
وعلى الصعيد الميداني، واصل الجيش السوري عملية الحسم العسكري في عدد من مناطق البلاد حيث تتركز معاقل المجموعات المسلحة. وتمكن الجيش السيطرة على مدينة دوما التي تقع على بعد 13 كم عن العاصمة دمشق بعد انتهاء المهلة التي منحها الجيش السوري للمسلحين حتى يسلموا انفسهم ومن ثم بدأت عمليات الحسم للقضاء على المجموعات الارهابية في المدينة ومداهمة أوكار المسلحين حيث عُثر على مستودعات للأسلحة المتنوعة ومعمل لتصنيع العبوات الناسفة، اضافة الى انفاق تصل بين اطراف المدينة. ويواصل الجيش السوري عملياته ضد المجموعات المسلحة في دير الزور وريف حلب وإدلب، وتتحدث مصادر عن أن الجيش السوري سيقوم بعمليات تطهير لمنطقة اريحا الواقعة في ريف ادلب للقضاء على المجموعات المسلحة المتمركزة فيها.
Leave a Reply