بعد إتهام عضو بارز في الجالية العربية الأميركية في ديترويت بالتحرش الجنسي دعوني أسرد بعض الملاحظات، ذلك بحكم الخلفية المعرفية لإختصاصي، لأني خبير بالموضوع ولأني وضعت كتاباً عن مشكلة الكنيسة التي عانت أزمة مماثلة بسبب إتهام بعض أعضائها بمثل ذلك التحرش.
توصيف التحرش الجنسي أستعمل أول مرة في العام ١٩٧٥ حيث أنّ قبل هذا التاريخ لم تكن النساء تعرفن ماذا يحدث لهن. النساء اللواتي أثرن قضايا من هذا النوع كَّن يتهمن غالباً بأنهن حساسات زيادة عن اللزوم أو لم يحسنّ قراءة تعليق ينطوي على المزاح. حتى إنّ تعبير التحرش الجنسي يلاقي بعض المعارضة، فالأبحاث تشير إلى أنه لدى سؤال النساء عما إذا تعرضن لهذا النوع من المشكلة تكون إجابتهن بالنفي ولكن عندما يتغير السؤال إلى هل شهدن تحوُّل العلاقة المهنية إلى جنسية تجدهنّ يسارعن إلى إستحضار أمثلة من وحي التجربة.
وبحلول الثمانينيات أصدرت هيئة «فرص العمل المتساوية» إرشادات حول كيفية تفسير الفصل السابع من قانون الحريات المدنية لعام ١٩٦٤ الذي منع التمييز على أساس الجنس، هذه الإرشادات رسخت في قرارات المحكمة العليا والقوانين الإدارية. لقد حدد نوعين من الجرائم (الإغتصاب، إغتصاب الأطفال وجرائم أخرى كهذه غير القانونية إطلاقاً هي في فئة منفصلة لوحدها). النوع الأول هو «أعطني لأعطيك» ويعني أن منح خدمة أوفائدة (مثل الحصول على عمل أوترقية) مرهون بالإمتثال لطلبات جنسية.
النوع الثاني من الإساءات يسمى «بالبيئة المعادية». في هذه الحالة يقوم رب العمل بخلق ظروف تجعل من الصعب على الموظف القيام بواجباته. «البيئة المعادية» تحيّر العديد من الأشخاص الذين يشككون بصحة ما إذا كانت هذه التهمة تصل إلى حد الجريمة. بعض أسباب الحيرة تعود إلى أن المحاكم قد أفتت بأن السؤال بحد ذاته ليس جريمة. بمعنى آخر، فإنك إذا وعدت سكريترتك لتخرجا معاً قد يكون السؤال غبياً لكنه ليس ضد القانون طالما أن السكرتيرة يمكنها الرفض من دون إكراه أو رد إنتقامي. هذه الناحية بالذات تجد المحاكم أنها ليست معنية بالمحكمة من وراء طلب رب العمل بل يهمها أن الطلب بحد ذاته لا يشكل إساءة كافية لإصدار حكم معلل.
وقد أصدرت المحاكم لهيئة المحلفين مايسمى «بالمفاهيم النسائية المعقولة» تتضمن خطوطاً عامة عما يجب أن تعتبره النساء عوامل ضاغطة ومؤثرة من شأنها أن تخلق بيئة مسيئة أو عوامل تؤثر على ظروف عملها (التعبير تغير لاحقاً إلى المفاهيم الفردية المعقولة).
معظم المؤسسات تعمل بجهد كبير لتوجيه موظفيها كي يتجنبوا أي إساءة من هذا النوع. وحسب منشور فيدرالي حقوقي فإنه يسرد الأمور التالية الواجب تجنبها: التحديق الطويل، اللمس، النكات الجنسية، الإيحاءات الجنسية، العناق، الملاحظات الجنسية، نكات جنسية مكتوبة، الكمش، الإقتراحات، عرض الصور والتربيت على الجسد».
كما سردت جامعة ميشيغن أمثلة أخرى للتحرش الجنسي ومنها الإكراه من أجل خدمات جنسية، لمس غير مرحب به للجسد، أو الشعر أو الثياب، والدعايات الجنسية والنكات والتعليقات أو التوجيهات المؤنبة لشخص آخر حول الجنس أو الجسد، الكتابة الجدرانية أو الرسوم أو السؤال عن أحلام الشخص الجنسية أو نشاطه الجنسي، والقيام بإيماءات جنسية باليدين أو بحركات الجسد.
سلوك منحرف
كما أضاف أحد الأديان الأساسية «السلوك المنحرف» ويتضمن أموراً مثل «نكت إيحائية بالجنس، اللغة أو النظرات المستفزة والحادة، العناق أو الضم الذي يصبح مألوفاً جداً».
وهناك جملة من الإساءات تمتد من تعليقات غير مناسبة (تحرشاً) إلى الإكراه على فعل شيء. وحول ما إذا كانت الإساءات الصغيرة نسبياً تشكل جريمة، تقوم المحكمة عندها بالنظر إلى نمط الإساءة ومدى ضررها. فالإساءة الصغيرة إذا حصلت مرة قد ترتفع خطورتها إذاً: اولاً وقعت عدة مرات وثانياً إذا حصلت ضد عدة أشخاص وثالثاً إذا تكررت ورابعاً إذا أجبرت شخصاً على ترك الوظيفة أو أصبح أداؤه في العمل دون المستوى المطلوب بسبب التحرش.
بعض الأحيان تقع مسؤولية فعل الإساءة على الفرد لكن في أوقات أخرى تتحمل المؤسسة المسؤولية. المحكمة تهتم بالنظر إلى وجود سياسات وإجراءات واضحة وغير ملتبسة مكتوبة في النظام الداخلي للمؤسسة تحدد وتمنع إساءات معينة وتبين كيفية معرفة الموظف لهذه السياسات كما تضع خطة واضحة يمكن أن يتبعها الموظف المتضرر لتقديم شكوى مع مسؤول محايد ضمن المؤسسة. على سبيل المثال، إذا أثيرت مشكلة من هذا النوع وتم إبلاغ أحد في الإدارة. هل تقوم الإدارة بأي عمل من شأنه وضع حد للإساءات الجنسية كالاعراب عن عدم موافقتها الصارمة لهذه الإساءات وتأنيب المتحرش جنسياً أو وضعه تحت المراقبة وإعلامه أن أي تكرار لهذه الأعمال قد تؤدي إلى إيقافه عن العمل أو طرده؟
يخيف النساء أكثر من الرجال
إذا كانت هذه الإجراءات غير مرسومة فإن المؤسسة نفسها قد تتعرض لتحمل مسؤولية تصرف أي موظف فيها وإذا أثيرت قضية تحرش أمام مسؤول عالٍ في الإدارة ولم يتخذ الإجراءات المناسبة لوقفها فقد ينظر إليه على أنه مشارك في القضية فالمسؤولون يحاسبون على مسؤولية «معرفتهم بالواقعة أو واجب معرفتهم بالحوادث الجنسية لكنهم فشلوا في القيام بالمحاسبة المناسبة.
نقطتان أخيرتان الأولى تتلخص بأنه بالرغم من أن القانون محايد من ناحية جنس الفرد، إلا أن التحرش الجنسي أغلبه إساءة من قبل الذكور. وقد لحظت المحاكم أن العديد من النساء يتشاركن في أمور مقلقة مشتركة بينهن ولا يشاطرهن الرجال بها لذا فإن «السلوك والتصرف الذي يظهره الرجل ويعتبره غير مشين قد يسيء إلى الكثير من النساء».
النساء يخفن من العنف الجنسي، وهذا نادر لدى الرجال، وقد ينظرن إلى حصول أعمال متكررة غير محبذة من قبلهمن يقوم بها رجل ذو سلطة كتهديد لهن. والرجال في مناصب إدارية عليا عادة لا يحسنون قراءة سلوك موظفيهم وينتهي بهم الأمر إلى دفع ثمن أخطائهم.
ثانياً، التحرش الجنسي يبدأ أساساً من علاقة عمل داخل المؤسسات وعادة يسبب المؤثر المتسلط في مؤسسة ما ضرراً وإساءة إلى من هم في موقع أدنى وظيفياً. وقد تشعر المرأة الضحية بأن مهنتها أو إمكانية تطوير مهنتها أو لتلبية حاجات عائلتها على المحك لذا فقد تتساهل في مسألة العار وعدم إنسانية الفعل من أجل أولويتها.
Leave a Reply