إنه التحرير الثاني، هكذا وصف الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، نهاية معارك جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع، عند السلسلة الشرقية لجبال لبنان مع الحدود السورية، والتي تشارك فيها الجيش اللبناني من الأراضي اللبنانية والجيش السوري و«حزب الله» من الأراضي السورية. وقد حققت معادلة الجيشين اللبناني والسوري والمقاومة، الانتصار على الإرهاب وجماعاته من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» و«سرايا أهل الشام»، إذ بات يوم 28 آب 2017، توأماً ليوم 25 أيار 2000.
وفي اليومين حصل التحرير، الأول من الاحتلال الإسرائيلي، قبل 17 عاماً، والثاني من الاحتلال التكفيري هذا العام، وكلا الاحتلالين إرهابيان وإلغائيان، والأشد خطراً هو الإرهاب التكفيري الذي يمثله تنظيم «داعش» الذي يمارس الإبادة البشرية والحضارية والثقافية لمَن ليس من فكره ومعتقده «الوهابي»، كما أعلن السيد نصرالله الذي أكّد أن المعركة مع «داعش» وقبله «النصرة»، هي استمرار للمعركة ضد التنظيم الإرهابي التي بدأت في الموصل بالعراق وتستكمل في تلعفر، ومستمرة في الرقة ودير الزور، وهي كانت بدأت في أكثر المحافظات السورية التي تحررت من هؤلاء، في حمص وحماه وحلب ودمشق ودرعا والسويداء وإدلب وأريافها، حيث حقق الجيش السوري وحلفاؤه الدوليون، والإقليميون إنجازات على الأرض، فرضت معادلات عسكرية وسياسية، انتهت الى إقامة مناطق «خفض التوتر» على طريق وقف الحرب، واعتراف دولي ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، مع إحداث تغيير في هيكلية النظام السياسي والأمني.
فما حصل من تحرير في جرود السلسلة الشرقية يوازي طرد الاحتلال الإسرائيلي من لبنان، وإن طالت الفترة لنحو ربع قرن، منذ أول اجتياح للبنان في آذار 1978، والغزو الصهيوني له في حزيران 1982، إلا أن المقاومة تمكّنت من تحقيق التحرير، دون قيد أو شرط، إذ يخرج العدو الإسرائيلي للمرة الأولى من أرض عربية احتلّها، لا بل من أول عاصمة عربية دخلها وهي بيروت، دون مفاوضات أو معاهدات، بل بالمقاومة المسلحة، بالأجساد المتفجرة، والسلاح الفردي، والعبوات الناسفة، والإرادة القوية في القتال والاستبسال والاستشهاد.
ارتباك الحكومة
والاحتلال التكفيري الإرهابي لعرسال وجرودها، كما للقاع ورأس بعلبك، بدأ فعلياً قبل ثلاث سنوات، وفي 2 آب من العام 2014، عندما هاجمت مجموعات من «جبهة النصرة» و«تنظيم داعش»، عرسال واحتلوا مواقع للجيش ومخفر قوى الأمن الداخلي وقتلوا وخطفوا من العسكريين، ولم يكن القرار السياسي للحكومة اللبنانية حاسماً في مواجهة الإرهابيين، بل ساد الارتباك والجبن الحكومة التي خشي رئيسها تمام سلام، إن أعطي الجيش القرار باسترجاع مراكز واستعادة العسكريين المخطوفين، وطرد الإرهابيين، أن تتأذى عرسال ذات الانتماء الطائفي السنّي، فيسقط قتلى وجرحى وتدمّر البلدة ويتهجّر أهلها، إذ يكشف النائب والوزير جمال الجراح وهو عضو في «كتلة المستقبل النيابية»، والذي كُلّف بالتفاوض مع المسلحين عبر «هيئة العلماء المسلمين» ورئيسها آنذاك الشيخ سالم الرافعي، بأن قائد الجيش العماد جان قهوجي، أبلغه أن كلفة المعركة ستكون عالية، بحيث سيسقط نحو 500 مدني قتيل ونحو 130 عسكري، وهو ثمن عالٍ جداً، فكان القرار للجيش بعدم خوض المعركة والاكتفاء بالدفاع عن مراكزه، وصد أية محاولة للتقدم بإتجاهها، مما أوقع عرسال تحت احتلال الجماعات الإرهابية التي تعامل معها مواطنون منها، وساهموا بخطف العسكريين، ومنهم الشيخ مصطفى الحجيري (أبو طاقية) الذي نشر له «فيديو» يجلس مع أمير «جبهة النصرة» في القلمون وعرسال «أبو مالك التلي»، ويقول له «أبو طاقية»، إنه سيقاتل الجيش إذا ما تحرك، وهذا يكشف عن أن الحكومة تجابنت وفق ما يؤكّد السيد نصرالله عن مواجهة الإرهابيين منذ ثلاث سنوات، وكان باستطاعتها لو أعطت القرار للجيش الذي لم يُعرف لماذا لم يصر عليه قائده العماد جان قهوجي، حيث يكشف العميد شامل روكز أن فوج المغاوير الذي كان قائده استطلع الأرض، وأبلغ قيادة الجيش أنه باستطاعته طرد الإرهابيين من عرسال وجرودها واستعادة العسكريين المخطوفين، لكن الجواب كان سلبياً.
ومع تحرير الجرود في عرسال والقاع ورأس بعلبك، واستعادة رفات العسكريين المخطوفين الذين كان مصيرهم مجهولاً بعد أشهر من اختطافهم على يد «داعش»، فإن المهمة تكون أنجزت، في عملية «فجر الجرود» التي خاضها الجيش اللبناني، أو تلك التي سُميت «إن عدتم عدنا» التي أطلقها الجيش السوري و«حزب الله» في القلمون الغربي، ولولا تزامن العمليتين اللتين بدأتا صباح 19 آب، لما كان التحرير حصل، حتى ولو أن قيادة الجيش في لبنان، أعلنت عبر مديرية التوجيه، بأن لا تنسيق مع الجيش السوري أو «حزب الله»، وأن المعركة نظيفة، وهي لبنانية بالكامل، فإن القيادتين السورية و«حزب الله» تتفهمان ظروف هذا الكلام، واسترضاء الجانب الأميركي، الذي قدم تجهيزات للجيش، والضغط الأميركي الذي مورس على القيادة العسكرية بأن لا تخطئ الحساب، فإن السيد نصرالله، أكّد أن الميدان هو الذي يكشف لا التصريحات، التي صدرت عن بعض القوى السياسية لاسيما «القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل» التي حاولت إقامة شرخ بين الجيش اللبناني والمقاومة، بإسقاط أي دور لها في تحرير الجرود، لا بل أنهما وعبر إعلامهما ومواقف مسؤولين فيهما حاولا الإظهار عن «مسرحية» يقوم بها «حزب الله»، وعن «ممارسة الإبتزاز» في موضوع التعاون مع الجيش السوري، والتأكيد على دوره الفاعل في المعركة، إضافة الى محاولة التشكيك في أن يكون المسلحون هم من «النصرة» أو «داعش»، بل هم صنيعة النظام السوري الذي أرسلهم الى لبنان للتخريب، كما في ظاهرة «شاكر العبسي» عبر تنظيم «فتح الإسلام» الذي افتعل أحداث مخيم نهر البارد.
حرب استباقية
وهذه الأصوات المعترضة على ما قام به «حزب الله» من حرب استباقية في سوريا ضد الإرهابيين، وبأنه أقدم على ذلك بغير قرار من الحكومة اللبنانية، شعرت بالهزيمة الداخلية في لبنان، أكثر مما تجرّعها الإرهابيون، الذين كانوا بنظر فريق 14 آذار، مجموعات «ثوار»، ويجب احتضانهم لأنهم يعملون لإسقاط النظام السوري المستبد والذي قتل شعبه، وهو ما فعلوه منذ أن بدأت الأزمة في سوريا، ففتحت لهم الحدود، وأقيمت لهم المخيمات، واعتبروا من قبل «الفريق السيادي»، بأنهم احتياط لهم في مواجهة حلفاء النظام السوري في لبنان وفي مقدمهم «حزب الله»، وتعاطوا معهم أيضاً كحالة ديمغرافية مذهبية، وهو ما شجّع الإرهابيين أن يأخذوا من مخيمات النازحين السوريين ملاذاً لهم، فظهرت فيها الشبكات الإرهابية، وبات اللبنانيون يشعرون بخطرهم، كلما طالت الأزمة السورية، ولم يعودوا الى بلادهم.
دواعش السياسة
في التحرير الأول الذي أخرج لبنان، الإحتلال الإسرائيلي منه، ظهر مَن يتشدّق ويقول، بأن الحكومة الإسرائيلية برئاسة إيهود باراك هي التي قررت الانسحاب، وليست المقاومة هي التي فرضته، من أجل عدم إعطائها قيمة معنوية، من الذين كانوا عملاء للعدو الإسرائيلي في غزوه للبنان، وشركاء معه في إنتاج سلطة سياسية تابعة له، لتقيم معاهدة صلح معه هي بمثابة إذلال للبنانيين، إلا أن المقاومة الوطنية، منعت حصول ذلك، فكان اغتيال بشير الجميّل بعد انتخابه تحت الاحتلال الإسرائيلي وحماية دباباته، أول تحوّل في المشروع الإسرائيلي الذي انتهى مع اسقاط اتفاق 17 أيار، وانتقال لبنان من الحالة الإسرائيلية التي اندحرت سياسياً، لكنها بقيت فكرياً عند قوى لا تعتبر «إسرائيل» عدواً وتدعو الى الصلح معه، كما صرّح النائب السابق وأمين عام قوى 14 آذار فارس سعيد قبل أسبوع، أسوة بالسلطة الفلسطينية وأنظمة عربية، لأن يهود الداخل مستمرون فكرياً وسياسياً، وإن سقطوا عسكرياً.
وفي المرحلة الحالية التي يتحرر فيها لبنان من الجماعات الإرهابية التكفيرية، وهي خطر على الوجود كما العدو الصهيوني، فهي مستمرة فكرياً وسياسياً عبر «دواعش» السياسة اللبنانية، أصحاب الدعوة الى إلغاء الآخر، لاسيما المقاومة التي يتم التآمر عليها، ومن أبرز محطاته القرار 1559 الذي صدر عن مجلس الامن الدولي في 2ايلول 2004 وعدوان «إسرائيل» صيف 2006، واحتلال الإرهابيين للجرود عام 2014.
Leave a Reply