الآلاف من الأميركيين محاصرون فـي اليمن التي مزقتها الحرب. ولكن حكومة الولايات المتحدة، المكلفة قانوناً بحماية وإجلاء مواطنيها من الأماكن الخطرة فـي أي مكان فـي العالم، لا تفعل شيئاً ولا تحرِّك ساكناً لمساعدتهم. بل أكثر من ذلك، تنبري إدارة أوباما بتقديم الأسلحة الفتاكة إلى المملكة العربية السعودية والغطاء العسكري لطائراتها لتعميق الصراع والمعاناة هناك، ومن ثم تضع أرواح الأميركيين اليمنيين فـي دائرة الخطر.
ووفقاً للأمر التنفـيذي المعنون بـ«توزيع مسؤوليات التأهب لحالات الطوارىء»، فإن وزارة الخارجية ووزارة الدفاع مكلّفتان قانونياً بالتخطيط لحماية وإجلاء الرعايا الأميركيين من المناطق المهددة فـي الخارج. هذا قرار تنفـيذي مُتَّخَذ على أعلى المستويات لحماية المواطنين الأميركيين فـي الخارج من الخطر الداهم الذي يحيق بهم خلال الحروب وحالات الطوارىء وقد طُبِّق على الدوام… إلاّ فـي حالة اليمنيين الأميركيين.
القانون لا لبس فـيه وهو واضح وضوح الشمس ولا يحتمل التأويل ولا التكهنات وليس مفتوحا على الاحتمالات والتفسيرات على طريقة الأنظمة العربية. اليمنيون الأميركيون مهددون بحياتهم فـي اليمن بسبب الحرب الدائرة هناك، والتخلي عنهم هو خرق فاضح للقوانين المرعية الإجراء. ولكن ما هو أخطر وأكثر أهمية من مخالفة القانون، ان أية دولة مهما علا كعبها وكبر حجمها، تتخلى عن مواطنيها فـي منطقة دمار وقتل هي دولة فاشلة اخلاقياً وانسانياً.
لذلك فإنَّ الدعوى القانونية التي أقيمت الأسبوع الماضي من قبل فرع ميشيغن فـي مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير- ميشيغن) ضد المسؤولين الفـدراليين، أكدت الحجة القائلة بأن التخلي عن اليمنيين الأميركيين هو استمرار للسياسات التمييزية ضدهم ومعاملتهم وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
وتستشهد الدعوى بحجب وتأخير جوازات سفر اليمنيين الأميركيين «كمثال على هذه السياسات العنصرية». ولكن افتقار هذه الحكومة للاهتمام بحياة الأميركيين الذين هم من أصل يمني يتجاوز حد الإهمال. عندما اغتالت إدارة أوباما القيادي فـي تنظيم القاعدة اليمني الأميركي أنور العولقي من دون اتباع القواعد القانونية المرعية الإجراء، بغضِّ النظر عن براءته أو ادانته، يبقى من المفهوم أنَّ القليل من الدموع ذُرِفَتْ عليه لأنه حرض على قتل الأميركيين. ولكن ابنه عبدالرحمن البالغ من العمر ١٦ عاماً، والذي لا صلة بينه وبين الإرهاب، قتل أيضاً فـي غارة أميركية بدون طيار فـي عام ٢٠١١، ومع هذا لم يحدث قتله أي رد فعل ولو بسيط من قبل وسائل الإعلام والمهتمين بالشأن الإنساني مما يدل على أن حياة اليمنيين الأميركيين لا تهم مؤسسة الحكم والإعلام ومافـيات اللوبي فـي أميركا على السواء.
وقد بلغت الصفاقة بالمتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية ماري هرف حد أنها وضعت عبء إنقاذ الأميركيين فـي اليمن على المواطنين أنفسهم الذين تقطعت بهم السبل وانعدمت عندهم الوسيلة. فقالت بتعجرف متهكم «ما فتئنا نحذر-على ما أعتقد منذ عقد حتى الآن- بعدم سفر المواطنين الأميركيين الى اليمن».
وأضافت هرف فـي كلامها الجلف بأن الوضع فـي اليمن هو «خطير ولا يمكن التنبؤ به»، مدعيةً أنَّ «إرسال القوات العسكرية الأميركية لإخلاء الأميركيين قد تضع مواطني الولايات المتحدة فـي خطر أكبر». هذا كلام هراء فقد شهد العالم أوضاعاً أخطر مما يحدث فـي اليمن حالياً ومع هذا قامت العسكريتاريا الأميركية بإجلاء رعاياها. وفـي اليمن الوضع حتماً أسهل بكثير لأن بإمكان واشنطن الطلب من أصدقائها آل سعود وقف الضربات الجوية مؤقتا لحين جلاء المواطنين اليمنيين الأميركيين. ولا نظن أنْ السعوديين او غيرهم يجرؤون على عدم تنفـيذ الأوامر الصادرة عن اسيادهم فـي الولايات المتحدة.
إضافةَ الى ذلك، فإن الوضع ليس عصياً على التنبؤ به بالنسبة لصناع السياسة الأميركية نظراً لدور واشنطن المسعِّر للأزمة. فبإمكان أوباما استخدام نفوذه على حليف الولايات المتحدة والتوسط بإقامة هدنة إنسانية لإجلاء المواطنين الأميركيين، ولكن حكومتنا ليست على استعداد حتى للمحاولة.
وعلى الرغم من أنف الخارجية الاميركية كانت هناك أكثر من عشر سوابق تمت خلالها عمليات اجلاء من قبل حكومة الولايات المتحدة لأعداد كبيرة من رعاياها فـي مناطق متشابهة فـي خطرها. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، تم إجلاء الآلاف من سكان ديربورن من لبنان على متن سفن وطائرات أميركية خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان عام ٢٠٠٦.
وهناك برقية مسربة من السفارة الأميركية فـي اليمن تقدر عدد المواطنين الأميركيين فـي البلاد بـ٥٥ الف نسمة. ونحن نفهم أنه قد يكون من الصعب إخلاء كل فرد منهم، ولكن الذي يعجز المرء عن فهمه هو عدم المحاولة لانقاذ حتى القليل منهم.
حتى دولة فاشلة كالصومال والبلدان النامية الأخرى مثل الهند وباكستان ساعدت مواطنيها على الخروج من اليمن. ومن العجب العجاب أن الأمة التي تفتخر بأنها الأكبر والأقوى فـي العالم تراقب عن كثب محنة مواطنيها المحاصَرين بينما هي مشغولة بتزويد المعتدين ببنك الأهداف والقنابل التي تسقط على رؤوسهم وعلى بيوتهم وعلى أطفالهم ونسائهم.
نحن نحث ممثلي ولاية ميشيغن فـي الكونغرس، وخاصة ممثلي منطقة جنوب شرقي الولاية، ان يقفوا مع ناخبيهم الاميركيين اليمنيين، من خلال الضغط على الإدارة الاميركية للقيام بأدنى وأبسط واجباتها القانونية لحماية وانقاذ الأميركيين فـي اليمن. فويل لأمةٍ تفقد بوصلتها الوطنية والأدبية والأخلاقية وتتبع سياسة صيف وشتاء فوق سطح واحد.
Leave a Reply