كمال ذبيان – «صدى الوطن»
عقِب الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في 25 أيار عام 2000 –تحت ضربات المقاومة التي أجبرت دولة الاحتلال على الانسحاب من أول أرض عربية محتلة دون قيد أو شرط– خرج رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي»، بعد أشهر من التحرير، ليطرح سؤالاً، هل «لبنان هانوي أم هونغ كونغ؟»، في ردّ منه على «حزب الله» الذي أعلن أمينه العام السيد حسن نصرالله آنذاك، استمرار المقاومة حتى استعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والجزء الشمالي من مدينة الغجر.
كسّارة؟
عشية ذكرى التحرير هذا العام، يعيد جنبلاط طرح السؤال بعد 19 سنة، مجدداً تشكيكه بلبنانية مزارع شبعا، التي يدور سجال حول هويتها، القصد منه هو إعادة طرح موضوع المقاومة واستمرارية سلاحها، حيث يتساءل المراقبون حول توقيت موقف جنبلاط والهدف منه، فهناك من يربطه بقضية كسّارة عين دارة، التي أبطل مجلس شورى الدولة قرار وزير الصناعة وائل أبوفاعور المنتمي للحزب الاشتراكي، بتوقيفها، بعد أن كان وزير الصناعة السابق حسين الحاج حسن –وهو المنتمي إلى «حزب الله»– قد سمح بشغيلها.
وقد أثار قرار شورى الدولة حفيظة جنبلاط الذي اعتبر أن القرار له بعدٌ إقليمي ومرتبط بمحور الممانعة، مما وتّر الأجواء السياسية، عندما أعلن في مقابلة تلفزيونية مع قناة «روسيا اليوم»، بأن مزارع شبعا تمّ التلاعب بخرائطها واعتبارها لبنانية لتبقى ذريعة لوجود المقاومة، موجّهاً اتّهامه إلى ضباط لبنانيين وسوريين قاموا بإجراء تغييرات عبر ضم وادي العسل إلى مزارع شبعا، وهو موقف رأى فيه بعض المراقبين جنوحاً جنبلاطياً قد تكون له تبعات استراتيجية في إطار ما يسمى بـ«صفقة القرن».
المشروع الأميركي
وما إن خرج جنبلاط بموقفه الذي ينفي لبنانية مزارع شبعا بجعلها تحت السيادة السورية، حتى انهالت ردود الفعل المنددة بزعيم المختارة الذي اعتبر حملة الانتقادات ضده بأنها حملة تخوين، معيداً بذلك، أجواء الانقسام حول المقاومة وسلاحها، بما يتناقض مع اشتراكه في كل الحكومات التي أكّدت على لبنانية المناطق المحتلة عند سفح جبل الشيخ في منطقة العرقوب والتي اعترفت سوريا أيضاً بلبنانيتها، وعلى شرعية المقاومة، ليظهر تناغم جنبلاط مع المشروع الأميركي للمنطقة والمسمى إعلامياً بـ«صفقة القرن» لتصفية القضية الفلسطينية، واعتبار كل أرض عربية محتلة من إسرائيل، هي لها، فاعترف بالقدس عاصمة أبدية لها، وبالجولان جزءاً منها، كما الضفة الغربية التي هي بالمفهوم «التوراتي» أرض «يهوذا والسامرة»، ولا يمكن التنازل عنها، وأن جنبلاط في إشارته إلى أن مزارع شبعا تابعة للسيادة الإسرائيلية، فإنه بذلك يضمها إلى الجولان المحتل الذي تعاطت الأمم المتحدة مع هذه المزارع على أنها خاضعة للقرار 242 الذي صدر بعد الحرب الإسرائيلية في 5 حزيران 1967 والتي توقفت بعد ستة أيام، وعُرفت بحرب الأيام الستة، وأن الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا حصل في 15 حزيران، أي بعد وقف إطلاق النار، واعتبر اللواء النائب جميل السيد، بأن مواقف جنبلاط، مرتبطة بـ«صفقة القرن» وما يُرسم من خرائط للمنطقة، في إشارة منه، إلى أنه يتماهى مع المشروع الأميركي للمنطقة.
الرهان الجنبلاطي
ما أعلنه اللواء السيد، رجل الأمن، والمتابع الدقيق للسياسة اللبنانية كما الإقليمية والدولية، والذي يعرف جنبلاط جيداً، يكشف الستار عن وضع خطير ينتظر لبنان، وقد سبق له أن أبلغ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، عن مضمون المفاوضات التي جرت مع موفد الأمم المتحدة تيري رود لارسن لترسيم حدود الإنسحاب الإسرائيلي أو ما اصطلح على تسميته «الخط الأزرق»، بأن لبنان زوّده بالوثائق التي تؤكّد لبنانية المزارع والاعتراف السوري بها، وأنها تتبع القرار 425 وليس 242 أو 325، لكن لارسن أكّد بأن ذلك لن يدفع إسرائيل إلى الانسحاب منها، وهي التي أقامت عليها مراكز سياحية، واستقدمت مستوطنين يهوداً إليها.
والرهان الجنبلاطي على دور أميركي متقدم في المنطقة ضد إيران وحلفائها ومنهم «حزب الله»، هو الذي دفعه إلى فتح موضوع هوية مزارع شبعا، في وقت تعمل الحكومة على الموازنة وإجراء إصلاحات فيها لوقف الهدر ومكافحة الفساد، إذ يشير حلفاء «حزب الله» إلى أن جنبلاط، الذي يعترف بعدم صدقية أميركا مع حلفائها، وقد اختبرها في لبنان، فإنه يعود للرهان عليها، ويعتبر أن إدارة ترامب غير إدارة باراك أوباما التي تساهلت مع النظام السوري في موضوع استخدام السلاح الكيميائي، وعقد الاتفاق النووي مع إيران، بل أن ترامب قرر المواجهة بالحصار المالي والإقتصادي ومنع بيع النفط الإيراني، حيث يرى رئيس الاشتراكي أن الظروف قد تكون لصالحه، بأن يرى «جثة عدوه على ضفة النهر»، فبدأ إعادة التموضع من جديد، بعد أن اتّخذ موقع الوسطية، من خارج اصطفافات «8» و«14 آذار»، وهو بموقفه هذا، يكشف لبنان أمام تدخل أميركي، والذي جاء من أجله الموفدان الأميركيان الديفيديان ساترفيلد وهيل، ومن بعدهما وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي حضر لتجميع حلفاء أميركا ضد إيران إقليمياً و«حزب الله» لبنانياً، وإن لمس تردداً من هؤلاء الحلفاء، لكنه وبعد نحو شهر من تلك الزيارة، يعود جنبلاط ليعلن عن موقفه المريب الذي يستهدف المقاومة ويلتقي مع «صفقة القرن» الترامبية الهادفة إلى تأمين وتثبيت إسرائيل.
لمن مزارع شبعا؟
والإشكالية التي طرحها جنبلاط حول مزارع شبعا، وسماها بالذريعة لمحور المقاومة، فإن الوثائق تثبت هويتها اللبنانية، وهي تقع في منطقة على الحدود بين لبنان وهضبة الجولان التي كانت الحدود اللبنانية–السورية قبل حزيران 1967، واليوم هي الحدود بين لبنان والجزء من الجولان الخاضع للاحتلال الإسرائيلي، حيث يمر الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة عام 2000 على جبل السماق وشمالي قمة جبل روس حيث توجد معظم منطقة مزارع شبعا (25 كلم2) جنوباً له، ويبلغ طول المزارع 24 كلم وعرضها بين 13 و14 كلم، وتقع المنطقة على ارتفاع 1200 متر عن سطح البحر كمزرعة برختا وصولاً إلى مزرعة المغر التي تنخفض لتوازي مستوى سطح البحر.
وتحتل إسرائيل حالياً 12 مزرعة مهجورة تقع بين جبل السماق وجبل روس من الشمال ووادي العسل من الجنوب.
وتمّ رسم الحدود اللبنانية–السورية من قبل فرنسا التي قررت تقسيم منطقة الإنتداب التي حصلت عليها في سوريا ولبنان، وقد أشارت خريطة فرنسية في آذار 1932، بأن منطقة مزارع شبعا جزء من لبنان، ولكن حسب خريطة فرنسية تعود لعام 1946، تظهر أن المنطقة جزء من سوريا، وهي المناطق التي تعتبرها الأمم المتحدة أنها سورية، وفيها 12 مزرعة تقع حالياً جنوبي الخط الأزرق.
ملكية الأراضي
سكان شبعا قدموا الوثائق والمستندات التي تقرّ لهم بملكيتهم للمزارع، ومثلهم فعل أهالي كفرشوبا، والجزء الشمالي لمدينة الغجر، إذ أن الحدود التي تمّ ترسيمها أثناء الانتداب الفرنسي والبريطاني كانت سياسية، فتمّ اقتطاع أراضٍ بعد ظهور الكيانات، وتجزئة المشرق العربي في معاهدة سايكس–بيكو، وهو ما خلق صراع حدود بين هذه الكيانات، حيث تم ضم قرى وبلدات لبنانية إلى سوريا، في منطقة الهرمل، وكذلك فعلت إسرائيل بضم القرى السبع من جنوب لبنان وتحويلها إلى مستوطنات.
إن تصريح جنبلاط حول عدم لبنانية المزارع، والمطروح منذ عقود، تمّ النظر إليه، من زاوية ما يرسم للمنطقة، وهذا ما أثار قلق اللبنانيين، وأعاد إلى أذهانهم قرار زعيم المختارة بالخروج من تحالفه مع سوريا عام 2000، ودعوته لتجريد سلاح المقاومة، ثمّ تأسيسه مع البطريرك صفير لـ«لقاء قرنة شهوان» الذي مهد لانسحاب القوات السورية. وتصريح جنبلاط اليوم حول مزارع شبعا قد تكون له تبعات استراتيجية في إطار ما يسمى بـ«صفقة القرن».
Leave a Reply