وليد مرمر
لم تبدُ على الضيف المعتاد لموسكو، وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، أي من علامات التوتر أو القلق من الأسطول الأميركي الزاحف نحو بلاده والذي يتألف من حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» وعدد من المدمرات المرافقة والعديد من الطائرات والمقاتلات. إذ راح يشكر نظيره الروسي سيرغي لافروف على حسن الضيافة في زيارته العشرين لموسكو، ثم انتقل إلى تقديم العزاء باسمه وباسم شعب الجمهورية الإسلامية بحادثة مطار «شيريمتيفو» الروسي عندما احترقت منذ أيام طائرة «سوخوي» لدى هبوطها في المطار بعد رحلة داخلية، حيث تحطمت عجلات الطائرة واشتعلت النيران في مؤخرتها، الأمر الذي أسفر عن مقتل 41 راكباً من أصل 78 كانوا على متنها.
لم ينس مهندس السياسة الخارجية الإيرانية أن يشكر روسيا على المساعدات الإنسانية التي قدمتها لضحايا الفيضانات الإيرانية الأخيرة. نعم، ربما كان الإيرانيون معروفين ببرودتهم ومُداراتهم للأمور بروية وتؤدة، ولكن الأمر هذه المرة مختلف. فهو قد يرقى إلى خطر وجودي على الجمهورية والنظام. لكن يبدو أن الوزير الإيراني لم يكن مشاركاً لهذا الرأي. إذ ربما لم يكن يرى في التهويل الأميركي إلا زوبعة في فنجان تقضي في أحسن الظروف إلى محاولة جرّ إيران إلى التفاوض المباشر مع أميركا وبالتالي تغيير سياساتها في بعض الملفات الشرق أوسطية.
بموازاة زيارة ظريف الروسية، جاء إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني عن تبدل التزامات طهران النووية التي تم الإتفاق عليها مع مجموعة «5+1» في فيينا عام 2015. فمن الآن وصاعداً لن تعمد إيران إلى بيع اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة لدول أخرى. ولكن هذا ليس كل شيء! فقد أمهلت طهران، الدول الموقعة على الاتفاق النووي 60 يوماً لتنفيذ وعودها فيما يتعلق بقطاعي النفط والبنوك، وإن لم تفعل فستخفض إيران بعد شهرين، المزيد من التزاماتها وستزيد من مستوى تخصيب اليورانيوم.
ويبدو في توقيت إعلان روحاني بالتزامن مع زيارة ظريف لموسكو، إشارة إلى على أن الدب الروسي لا يعارض هذه السياسة النووية الجديدة بل ربما يحبذها.
بالطبع، لم ترق هذه التطورات لنتنياهو، حيث سارع «بيبي» إلى تكرير اسطوانته المملة بعدم السماح لطهران بالحصول على أسلحة نووية.
ولكن هل يشكل برنامج إيران النووي السلمي والذي يخضع لمراقبة دقيقة ودائمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية تهديداً حقيقياً لأمن إسرائيل؟
الإجابة على هذا السؤال تكمن في رسالة إلكترونية سرّبتها مجموعة القرصنة DCLeaks ونشرت في موقع Lobelog، وهي رسالة من وزير الخارجية الأميركي السابق كولين باول موجهة للمتبرع الديمقراطي جيفري ليدز: «الإيرانيون لن يستطيعوا استعمال القنبلة حتى ولو تم تصنيعها» قال باول (لحاجتهم إلى التجارب النووية والتي ستكون حينئذ مكشوفة). ثم أضاف باول بأن: «الشباب في طهران يعرفون أن إسرائيل تملك 200 (رأس نووي) وجميعها موجهة إلى طهران، ونحن نملك الآلاف».
ربما تكون هذه الرسالة المسربة، الوثيقة الأكثر مصداقية في الكشف عن ترسانة إسرائيل النووية وتحدد حجمها وأهدافها. فهل هناك داع حقاً لهذا التهويل والتجييش المستمر من «الفريق ب» (نتنياهو وبولتون وبن سلمان وبن زايد) حسب تعبير ظريف؟ أم أن ما يحصل ليس إلا استكمالاً لمشروع «القرن الأميركي الجديد» الذي بدأت تباشيره مع جورج دبليو بوش، الذي يعتبر في وثائقه بأن الحرب على الإرهاب هي الحرب العالمية الرابعة؟ لا، ليس ثمة خطأ مطبعي! فإن الحرب الباردة في أواخر القرن الماضي كانت تعتبر الحرب العالمية الثالثة في أدبيات هذا الفريق.
إذن كان لا بد من إيجاد «عدو جديد» يسوّغ لمثل هذه الحرب. فتم إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب الأميركية، ليصبح أول مؤسسة تابعة رسمياً لدولة ذات سيادة يتم إدراجها على قائمة الإرهاب. ولكن ما هي العمليات الإرهابية التي سيُتهم بها الحرس؟ هذا أمر بسيط للغاية! فقد تم اتهام الحرس بأنه وراء مقتل 600 جندي أميركي في العراق عبر دعم الفصائل المسلحة. وهذا ما رد عليه ظريف بالقول: «هذا اتهام جديد تثيره أميركا وبالطبع هو اتهام خطير للغاية لأنني أعتقد أن «الفريق ب» يريد أن يخدع ترامب ويجر الولايات المتحدة إلى صراع لا يريده». هذا فضلاً عن اتهام الحرس بالتدخل في ملفات ساخنة في المنطقة بدءاً من العراق مروراً بلبنان وسوريا وحتى اليمن. ولكن هل سيتحمل العالم تداعيات الحرب إن وقعت كما يخطط ويعمل لها «الفريق ب»؟
لا شك بأن الحرب لن تكون مجرد نزهة تقوم بها قاذفات «بي 52» أو مجرد بنك أهداف توجه إليه صواريخ «التوماهوك». الأمر أعقد من ذلك بكثير. وحتى لو اعتبرنا أن ميزان الحرب محسوم لصالح «الفريق ب»، فهل بإمكان العالم تحمل إغلاق مضيق هرمز ولو لأيام؟ علما بأن حوالي 30 ناقلة نفط تعبر المضيق يومياً بمعدل نصف مليون برميل للناقلة الواحدة، أي ما يقارب من 40 بالمئة من الإنتاج العالمي. فكيف للحرب أن تقتصر على الولايات المتحدة وإيران؟ أم أنها ستتحول إلى حرب إقليمية وربما عالمية لا يعرف أحد تداعياتها؟
من المؤكد أن تصريحات إيران الأخيرة حول تحرير برنامجها النووي من بعض القيود، سيزيد الأزمة حدة بين إيران وأميركا وبالتالي سيضاعف من احتمالات نشوب مواجهة كبرى بين البلدين. ويبدو أن المسؤولين في إيران قد قرروا التصعيد لأسباب عديدة أهمها تداعيات العقوبات الاقتصادية الخانقة والتي ربما لا تقل كارثية عن المواجهات الحربية خصوصا مع تعنت إدارة ترامب وإصرارها على تشديد هذه العقوبات، مع إضافة عقوبات جديدة منذ أيام تستهدف صادرات الحديد والصلب والألمنيوم والنحاس.
يذكر العالم، ويعلم الإيرانيون، أن الحصار الذي فرض على العراق أواخر القرن الماضي وما تبعه من اتفاقية النفط مقابل الغذاء المشؤومة بين الأمم المتحدة والعراق والتي سمحت لبغداد بتصدير كمية من نفطه مقابل استيراد الغذاء، إضافة للتلوث الناتج عن إشعاعات اليورانيوم المنضب، قد تسبب بوفاة ما يقارب من مليوني طفل عراقي. كما ويعلم المسؤولون الإيرانيون جيداً بأنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام أهدف ترامب الرامية إلى تصفير الصادرات الإيرانية، ومن دون أي استثناءات وما يعنيه ذلك من تجويع للشعب الإيراني! لذا فقد أعلنوا بالفم الملآن بأن الخليج لن يكون آمناً لتصدير النفط إذا منعت إيران من تصدير نفطها. وفيما تمخر «أبراهام لينكولن» مع مدمراتها المرافقة عباب المحيط، ويمسك العالم أنفاسه، لا يبدو أن فرقة الإيقاع «ب» تعلم بأن هذه الحرب، إن وقعت، لن تكون كسابقاتها، وأن طبولها لن تكون بمنأى عن عواقبها وتردداتها الإقليمية والدولية!
Leave a Reply